منطق الحرب وضرورة السلام- تحليل معمق للصراع السوداني ومأزقه الوجودي

منطق الحرب وضرورة السلام- تحليل معمق للصراع السوداني ومأزقه الوجودي


11-10-2025, 08:57 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762808241&rn=0


Post: #1
Title: منطق الحرب وضرورة السلام- تحليل معمق للصراع السوداني ومأزقه الوجودي
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-10-2025, 08:57 PM

08:57 PM November, 10 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






منطق الحرب وضرورة السلام: تحليل معمق للصراع السوداني ومأزقه الوجودييُعد الصراع الدائر في السودان منذ أبريل 2023 ليس مجرد اشتباك عسكري
بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، بل هو امتداد تاريخي لأزمات هيكلية عميقة تعود إلى لحظة احتكار الدولة للعقيدة الدينية، وتحويل الإيمان إلى أداة سلطوية.
منذ استقلال السودان عام 1956، مروراً بحكم جعفر النميري (1969-1985) الذي أدخل الشريعة الإسلامية كغطاء للقمع، وصولاً إلى نظام عمر البشير (1989-2019) الذي استغل الإيديولوجيا الإسلامية لتبرير حروب دارفور وجنوب السودان
أصبح الدين أداة لشرعنة السلطة بدلاً من بناء عقد اجتماعي يضم التنوع العرقي والثقافي لـ48 مليون سوداني (حسب إحصاءات 2023). اليوم، يتجلى هذا الإرث في صراع يجمع بين مجموعات تسعى لاستعادة نفوذ ما قبل الثورة (2019)
وحركات مسلحة تواجه خياراً مصيرياً: الغرق في حرب مفتوحة بدون حدود أخلاقية، أو الالتزام بمسار السلام كوسيلة لإعادة تعريف الدولة ككيان مدني شامل.
ومع ذلك، فإن أخطر تداعيات الحرب ليست الدمار المادي – الذي شمل تدمير 70% من البنية التحتية في الخرطوم ودارفور وفقاً لتقارير الأمم المتحدة (2025) – أو نزوح أكثر من 10 ملايين شخص (أكبر أزمة نزوح عالمية حالياً)
بل هو الانهيار النفسي والاجتماعي المتمثل في "الدهشة الثقيلة" التي أصابت الوعي الجماعي. انقسم السودانيون داخل أسرهم ومجتمعاتهم الافتراضية على وسائل التواصل إلى معسكرين--
الأول يرى الحرب "معركة وجودية" ضد "المتآمرين الخارجيين" (مثل الإمارات أو إسرائيل في الروايات الرسمية)، والثاني يراها "طاحونة تطحن الجميع"، مما يجعل السلام الشرط الوحيد لاستعادة الحد الأدنى من الحياة الطبيعية.
تحليل خطاب الحرب: آليات البطولة الوهمية وتكاليفها الاستراتيجيةيعتمد خطاب الداعمين لاستمرار الحرب على بنية ثنائية غير واقعية تحول الصراع إلى ملحمة أسطورية، حيث يُختزل العالم إلى "نحن" (الأبطال المدافعون عن السيادة)
مقابل "هم" (الأعداء المتحالفون مع قوى خارجية). هذا الخطاب، الذي ينتشر عبر منصات مثل X (تويتر سابقاً) ووسائل الإعلام الرسمية، يعتمد على ثلاث آليات رئيسية:تحويل الحرب إلى قدر محتوم: يُصور التفاوض كاستسلام كامل
والتراجع كهزيمة تاريخية، مستنداً إلى نماذج تاريخية مثل حرب أكتوبر 1973 أو مقاومة الاستعمار. تحليلياً، هذا يتجاهل التوازنات العسكرية الحالية: الجيش يسيطر على 60% من الأراضي لكنه يعاني من نقص الذخيرة
بينما الدعم السريع يملك تفوقاً في الحركة السريعة لكنه يواجه اتهامات بجرائم حرب (تقرير هيومن رايتس ووتش، 2025).
تقديس الإرادة على حساب الواقع المادي: يُروج لفكرة أن "التصميم" وحده يكفي للنصر، متجاهلاً التفوق التكنولوجي للخصم (مثل استخدام الدعم السريع للطائرات المسيرة الإماراتية).
هذا يشبه نظرية "الإرادة الشعبية" في حروب فيتنام، لكنه يؤدي هنا إلى إطالة الصراع دون أفق.
تقليل التكاليف البشرية: تُحول الخسائر – أكثر من 150 ألف قتيل ومليوني مصاب (تقديرات الأمم المتحدة، نوفمبر 2025) – إلى "تضحيات بطولية" في سردية مغلقة.
تحليلياً، هذا يعزز الاستقطاب الداخلي ويرفض شرعية المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن، مما يضع العالم أمام مأزق: الرد القوي (عقوبات أو تدخل) يrisk تصعيداً إقليمياً (مع إثيوبيا ومصر)، والتساهل يشجع على تآكل النظام الدولي.
هذا الخطاب ليس محلياً فحسب؛ إنه تحدٍ للتحالفات الدولية، حيث يختبر تماسك الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، ويحاول تطبيع انتهاكات القانون الدولي الإنساني (مثل قصف المستشفيات).خطاب السلام: إدراك بيولوجي للبقاء وكسر
الدورة التاريخيةبالمقابل، ينبع خطاب السلام من وعي "بيولوجي" بضرورة البقاء، لا من ضعف.
الداعون له – بما فيهم لجان المقاومة والناشطون في الشتات – يركزون على الواقع المعاش:الدمار اليومي: بيوت فارغة في الخرطوم، مدن مثل الفاشر محاصرة بالرماد، أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد (50% من الأطفال تحت 5 سنوات
يونيسف 2025)، وقرى فقدت هدوءها بسبب الغارات.
الانهيار الاجتماعي: انعدام الذاكرة الجماعية للسلم، مع انتشار الأمراض (كوليرا في 12 ولاية) وانهيار الاقتصاد (تضخم 300%).
تحليلياً، السلام ليس عاطفة بل استراتيجية: هو كسر دورة التكرار التاريخي (حروب 1955، 1983، 2003)، والاعتراف بأن الحرب لا تبني دولة. تاريخياً، أنتجت الحروب في السودان انفصال الجنوب (2011) دون استقرار
بينما يفتح السلام باباً لدولة مدنية تفكك مركزية الخرطوم (التي تسيطر على 80% من الموارد) وتستوعب التنوع (عرب، نوبيين، فور، إلخ).الخروج من الحلقة المفرغة: شجاعة إنقاذ النسيج الوطنيتحول النقاش العام إلى حقل اتهامات
الداعم للحرب يصف الآخر بـ"الخيانة"، والداعي للسلام يراه "أسيراً للوهم".
هذه "الدهشة" هي سلاح نفسي يطيل الصراع. السؤال التحليلي الجوهري: ليس "من بدأ؟" (البرهان أم حميدتي)، بل "من يمتلك الشجاعة للإنقاذ؟".تاريخياً، يُسجل التاريخ المنقذين لا المنتصرين فقط (مثل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا).
السلام هنا انحياز للحياة ضد الفناء، للسودانيين الذين أصبحوا وقوداً لحروب لا يجنونها. هو دعوة لمستقبل قائم على المشاركة والعدالة، لا الثأر. في ظل فشل محادثات جدة (2023-2025)، يبقى السلام الخيار الوحيد لكسر الحلقة، مفتوحاً
على إعادة بناء لا إغلاقاً على تسوية هشة.