أزمة الكثيرين في هذا البلد أنهم لا يفهمون ألاعيب الإعلام ولا يدركون معنى عبارة " إعلام موجه" ومن فرط بساطتهم ينفعلون مع كل مشهد تلتقطه أعينهم، أو كلمة تُكتب لاستدرار عواطفهم دون أن يتأملوا ، أو يتفكروا جيداً.
بالأمس ضجت الأسافير بلقطة فيديو يظهر فيها المجرم قاتل شعبه، البرهان، وهو يذرف دموع التماسيح أثناء تفقده (المزعوم) لأهلنا الذين نزحوا إلى الدبة هرباً من محارق جنجويد البرهان وكيزانه في الفاشر.
وبالطبع، رافقت المقاطع عبارات صيغت بعناية تتحدث عن إنسانية (القائد) البرهان، فابتلعها بعض البسطاء بصدق مدهش، وما كان لي إلا أن أرفع حاجبي دهشة من هذا القدر من السذاجة.
فالبرهان لم يكن يوماً إنساناً سوي الفطرة أو سليم الضمير، "حتى يُنتظر منه أن يتحلى بأدنى قدر من الحس الإنساني الذي يدفع صاحبه للتعاطف مع من يتألمون و يعانون." وليس هو بقائدٍ، بل مجرد دميةٍ يحركها خبثاء الكيزان كيفما شاءوا. ولو لا أخطاء ثورة ديسمبر، وانفعالاتنا السريعة تجاه الأحداث والمتغيرات دون تروٍ، لما اقترب أمثاله من مثل هذا المنصب الذي شغله بأدنى درجات الكفاءة وأعلى درجات الخبث والقبح والإجرام.
فالمنطق يقول أنه ما من قائدٍ فذٍ وكفءٍ وإنسانٍ، يقبل أن تُهجر شرائح واسعة من أبناء وطنه، ثم يزورهم في معسكرات النزوح ليصافحهم ويذرف الدموع وسطهم.
ولو أن نزوح أهل الفاشر كان حالة استثنائية لقبلنا من البرهان هذا السلوك، لكن الواقع يقول أنه منذ اندلاع هذه الحرب ظلت انسحابات الجيش تتكرر، مما اضطر المواطنين إلى الفرار من قراهم ومدنهم وبيوتهم، حتى بات أغلب سكان السودان بين نازحٍ في الداخل أو لاجيء في دول الجوار والمنطقة العربية. فأين كانت دموع البرهان طوال سنوات الحرب الماضية؟! وهل بدأت الانتهاكات وموجات النزوح بعد سقوط الفاشر فقط؟ بالطبع لا. فكل ما في الأمر أنهم يحاولون استثمار معاناة ومأساة أهل الفاشر لتحقيق مآرب يعرفونها جيداً. لكن بعضنا لا يريد أن يفهم، ولذلك يمنحهم الفرصة تلو الأخرى.
وقبل أن تنفعل مع دموع البرهان، يا مواطن يا بسيط، أسأل نفسك أولاً: هل يبكي المُتسبب في المأساة حقاً؟ وهل يمكن لمن يُصر على الحرب ويرفض إيقافها أن يكون صاحب قلب رحيم؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة