Post: #1
Title: الرباعية: إلا الإسلاميون كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 11-09-2025, 05:29 PM
05:29 PM November, 09 2025 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى رابط مختصر
ملخص
" وعلى ضوء ما ذكرنا عن حقيقة "الإخوان المسلمين" فينا، بدا من تنصيب الرباعية لهم خصماً لمبادرتها كمن أردت مساعدتنا حيث لا حاجة لها. فلم تحتج السياسة السودانية طوال دولة "الإخوان" إلى مورد ليس فيها في منازلتهم بكلفة فادحة. ولا يعرف المرء كيف اتفقت للرباعية هذه الوصاية على السياسة المحلية لشعب قالت هي بنفسها إنه من سيقرر مستقبل الحكم فيه.
للأميركيين عبارة هي "لا تساعدني" لمن تطوع لعونك على أمر تعرف أنه من الأفضل ألا يفعل".
لا يدري المرء لم ضيقت الرباعية، التي نهضت بمبادرة أميركية لإحلال السلام في السودان، واسعاً في بيان تدشينها لنفسها في الـ 13 من سبتمبر الماضي بالنص على أن "الإخوان المسلمين" وحدهم من سيخربون مساعيهم الحميدة. فدعت إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر بصفة أولية لتمكين الدوائر المختصة إدخال المساعدات الإنسانية إلى أنحاء السودان بما سيؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار. وبعد قولها إنه سيعقب هذا إطلاق عملية سياسية خلال تسعة أشهر يتواضع الناس خلالها على إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية، قررت أن "مستقبل السودان لا يمكن أن تمليه الجماعات المتطرفة العنيفة التي تنتمي أو ترتبط بصورة موثقة بجماعة ’ الإخوان المسلمين ‘ التي أدى نفوذها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة".
وليس خافياً أنه إذا كان لـ"الإخوان المسلمين" من طاقة للزعزعة الموصوفة، فمسربها المتفق عليه في دوائر "الدعم السريع" وقوى "صمود" ودولة الإمارات هو القوات المسلحة. والاعتقاد في هذا الحلف الوثيق بين الجيش و"الإخوان المسلمين" هو "خط الحزب" في تلك الدوائر. فقال القيادي في "صمود" خالد عمر يوسف خلال حديث إعلامي إنه على رغم المآلات الخطرة والأوضاع الكارثية التي يواجهها السودانيون، يواصل قادة تنظيم "الإخوان" الضغط على قادة الجيش للسير في اتجاه استمرار الحرب.
ولا يعرف المرء إن كان من الدماثة أن تدعو الأطراف المتحاربة إلى السلم وظنك بأحدها أنه حيث هو على مائدة المفاوضات لا أصالة عن نفسه، بل وكالة عن آخرين. فمتى اعترض على أمر، أو كيّفه على وجه آخر خلال التفاوض، كان ذلك مما أملت عليه جماعة من وراء حجاب، ففي هذا اللجام على مفاوض كالقوات المسلحة تهوين لا أدرى كيف ينتظر منه الوسطاء مساومة رابحة.
ليس السودانيون كمن يوصون عن مغبة سلطان الكيزان، فالسودان هو البلد الوحيد الذي عرفهم لا كمعارضين للنظم وحسب، بل في دست الحكم أيضاً عقداً فعقداً حتى بلغت ثلاثاً حسوماً. واقتلعهم السودانيون من الحكم بعصيان سياسي مدني في ثورة ديسمبر عام 2018، مما تعوده في باب العناية ببلده. فكان "الإخوان" في السودان حكومة مستهدفة بمعارضة متينة بينما كانوا في غيره من بلدان ثورات "الربيع العربي" هم المعارضة لحكومة. ووراء اختلاف الوضعين دروس في السياسية السودانية صح أن نرخي لها الآذان بدلاً من التطوع بما اتفق لغيرنا.
نبدأ هنا بعبارة جاءت عن "الإخوان المسلمين" على لسان محمود محمد طه (1909-1985) مؤسس الحزب الجمهوري عام 1946 وصاحب دعوة "الرسالة الثانية" للإسلام التي حوكم على بينتها وقضت بإعدامه للردة على عهد الرئيس جعفر نميري (1969-1985). وبينه وبين "الإخوان المسلمين" عداوة لدودة حتى إنهم ممن يشير أصبع الاتهام إلى ضلوعهم في محنته. فقال عنهم، وما يسميهم إلا "جماعة الهوس الديني"، قبل قيام دولتهم عام 1989، "من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني. سوف تكون تجربة مفيدة للغاية إذ إنها بلا شك سوف تكشف مدى زيف شعارات هذه الجماعة. وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسياً واقتصادياً، حتى لو بالوسائل العسكرية، وسوف تذيق الشعب الأمرين، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهي في ما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً".
والقول الفصل هنا هو دعوة طه إلى استنفاد حركة "الإخوان المسلمين" بالصراع معها على مرأى ومشهد من الناس، ومنازلة مشروعها السياسي حتى دست الحكم. وهذه من طمأنينة السياسة السودانية واعتدالها التي زكاها الجيل السياسي الأول. ومع تفاقم الديكتاتوريات فيه لم تنجح أية واحدة منها باستبعاد فصيل سياسي بالعنف. فكل ما هناك أن المشاريع السياسية مثل الاشتراكية والقومية العربية والسودان تستنفد نفسها بنفسها. وهذا ما حدث لـ"الإخوان المسلمين". فمشروعهم طاول الـ30 عاماً ليس لينجح (وإن حاول) بل ليغادر "مقتلعاً من أرض السودان اقتلاعاً". ولم يبقَ لهم سوى إعادة اختراع أنفسهم.
ليس من كلمة راضية بوسع المرء قولها بحق "الإخوان المسلمين" ودولتهم، الإنقاذ. لم يحدث قبلاً أن تعاقد سودانيون صالحون كثيراً لإنقاذ نظام من نفسه كما فعلوا مع الإنقاذ. ولم يصدروا في ذلك عن شفقة به، بل لأنهم اقشعروا من البديل بعده يخرج له من دولة ناقصة مهدودة حتى النخاع بسبب استبدادهم لا يلوون على رشد. فحتى عشية الثورة عليهم عام 2015 اجتمعت طوائف معارضة لهم في "حوار الوثبة" لبوا الدعوة إليه شفقة بالبلد بينما أراد الإنقاذ أن تتجمل به. وكان لقاءً عقيماً.
ومع ذلك ليس "الإخوان"، ما دام أننا قلنا فيهم كل ذلك، سوى حقيقة سياسية اجتماعية سودانية رضينا أو أبينا. وكان الترفع عن هذه الحقيقة واحداً من أخطاء المعارضة الرسمية لهم خلال 30 عاماً وبعد الإطاحة بهم. فكان الطيب صالح سأل خلال أول عهد "الإخوان" في الدولة، "من أين جاء هؤلاء الناس؟" لما اقشعرت نفسه، كسادن للروح السودانية، مما رأى من باطلهم. وصار السؤال الاستنكاري من وجدان مؤرق للطيب صالح سؤالاً تلهج به المعارضة في مقام استنكار "الكيزان" كبشر غير سوي، لا في مقام البحث في هويتهم في المجتمع والسياسة، فيكفي الواحد منهم أن يقول "من أين جاء هؤلاء الناس"، فيبلغ هم ليسوا منا ولسنا منهم.
وحقائق الإخوان المسلمين في السودان كالتالي:
إذا جاءتنا مذاهب الاشتراكية بالمسألة الاجتماعية في السياسة، وجاءت مذاهب القومية العربية بمسألة هوية الأمة، وجاء قوميو الهامش بمسألة الآخر في الوطن، فجاءت الحركة الإسلامية بما هو أخطر من كل ذلك جميعاً وأهم. جاءت للسياسة من منصة الإسلام الذي هو الثقافة التاريخية الروحية للمسلمين السودانيين ممن هم كل السودان إلا قليلاً (97 في المئة). فهم حملة مشروع لم يغِب عن سياسة المسلمين، بخاصة في دولة ما بعد الاستعمار حين صار بوسعهم التفكير المستقل في معاشهم ومعادهم بعد هوان العيش في دولة للكفر. فسبيل المسلم العادي سلس إلى مصطلح حركة "الإخوان" في الدولة، مشوق برموزها الرسالية، وتهفو نفسه لاستعادة ماضٍ كانوا فيه "على أعراف السوابق". فيروى أن المعلم بابكر بدري، الذي حارب في صفوف الثورة المهدية شاباً، قال لأحد الحكام الإنجليز على أيام دولتهم فينا إن دولتهم "عاقلة". فقال له الإنجليزي "لم لا تقول عادلة؟" فقال بابكر بدري "لا عدل بغير الإسلام". ولن يأتي يوم قريب أو بعيد علينا لن يكون للإسلام حضور في دولتنا، كبر أو صغر، وبـ"الإخوان المسلمين" أو بغيرهم.
واختارت جماعة "الإخوان المسلمين"، من جهة أخرى، أن تكون حركة مجتمعية بمعنى أن تسعى بمشروعها بين الناس في اتحادات الطلاب أولاً ثم النقابات ومنظمات النساء والشباب والجمعيات المهنية. ولم تتأخر عن أية انتخابات عامة منذ استقلال كسبت منها، بل كانت لها أدوار معروفة في محاربة نظم الديكتاتورية الأولى مثل دولة الفريق إبراهيم عبود (1958-1964) ودولة الرئيس جعفر نميري حتى قبل سقوطه بأعوام قليلة، بل كسبت من مقاومة نظام الفريق عبود كسباً ليس مثله كسب. فيعزى إلى ثورة أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964 بزوغ نجم الدكتور حسن الترابي زعيم الحركة، ونيله أعلى الأصوات طراً في انتخابات دوائر الخريجين عام 1968. وجاءها الناس، والشباب بخاصة، خلال فترة السبعينيات زرافات ووحداناً. ومن ذلك أنها قعدت فقهاً إسلامياً لتحرر المرأة في كتابها "المرأة بين الإسلام وتقاليد المجتمع"، لما رأت نفور المرأة من دعوتها الذائعة أن لا مكان للجنس الآخر فيها. فساءهم أن تبحث المرأة عن التحرر عن طريق الشيوعيين كما كانت الحال، فذللوا ذلك بفقه جريء رد أكثر شكوى المرأة لتقاليد المجتمع لا الإسلام. وثبتت الحركة أرجلها حيث هي في المجتمع لم تغرها دعوات رشحت في أوساط غيرهم من اعتزال للمجتمع الكافر وتحريره بجماعة خالصة مهاجرة ثم الفتح.
ومهما قلنا عن سوءة صعود حركة "الإخوان المسلمين" درج الحكم خلسة بانقلاب عام 1989، فهي لم ترتكب جناية سياسية لم يسبقها خصومها اليوم إليها. فضاقت صفوة اليساريين والليبراليين بالنظام الديمقراطي الذي انتكس بثورة أكتوبر عام 1964، وحل الحزب الشيوعي عام 1965، وشرع في إعداد دستور إسلامي للحكم، فانقلبوا عليه في مايو عام 1969. وانتهوا إلى ديكتاتورية ضروس حلت الأحزاب سوى الاتحاد الاشتراكي، وأممت الصحف وأنشأت جهازاً للأمن القومي بلغ من سقهم هم أنفسهم منه أن حلوه بعد الثورة التي أطاحت بالنظام عام 1985. وأدلج نظام نميري الجيش، فصار قسمه لحماية النظام الاشتراكي، وتمثلت قياداته في هيئات الاتحاد الاشتراكي القيادية. وبدا وكأن دولة الإنقاذ تقتفي أثر نظام نميري لولا أنها دامت لفترة أطول منه بكثير.
وعلى ضوء ما ذكرنا عن حقيقة "الإخوان المسلمين" فينا، بدا من تنصيب الرباعية لهم خصماً لمبادرتها كمن أردت مساعدتنا حيث لا حاجة لها. فلم تحتج السياسة السودانية طوال دولة "الإخوان" إلى مورد ليس فيها في منازلتهم بكلفة فادحة. ولا يعرف المرء كيف اتفقت للرباعية هذه الوصاية على السياسة المحلية لشعب قالت هي بنفسها إنه من سيقرر مستقبل الحكم فيه.
للأميركيين عبارة هي "لا تساعدني" لمن تطوع لعونك على أمر تعرف أنه من الأفضل ألا يفعل.
|
|