Post: #1
Title: حين تُختزل الحقيقة في نصفها: ماذا فعل الجيش السوداني (SAF) — ولماذا لا يبرّئه ضجيج إدانة RSF؟
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 11-08-2025, 11:18 PM
11:18 PM November, 08 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
د. أحمد التيجاني سيد أحمد ٨ نوفمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
منذ اندلاع الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣، امتلأت الشاشات ومواقع التواصل بتقارير تُدين قوات الدعم السريع (RSF) وتُقدّم الجيش السوداني (SAF) كـ«المنقذ الوطني». لكن الحقيقة، كما تكشفها الوثائق والتقارير الدولية، أبعد من هذا التبسيط المخلّ: الجيش النظامي نفسه متورّط في انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بعضها قد يرقى إلى جرائم حرب وفق القانون الدولي الإنساني. وهذا المقال لا يهدف إلى تبرئة أحد، بل إلى إعادة الميزان إلى موضعه الصحيح؛ لأن الحقيقة لا تكتمل بنصفها.
## ١. القصف العشوائي: حين يُصبح المدني هدفًا جانبيًا منذ الأسابيع الأولى للحرب استخدم الجيش السوداني الطيران والمدفعية الثقيلة داخل مناطق مكتظة بالسكان في الخرطوم وأم درمان والجزيرة. وثّقت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) في تقريرها الصادر في ١٠ يوليو ٢٠٢٤ سقوط مئات المدنيين بسبب القصف الجوي الذي استهدف أسواقًا وأحياءً مأهولة، منها سوق مايو وسوق تورة. القانون الإنساني الدولي واضح: استخدام الأسلحة المتفجرة في مناطق مأهولة يُعد انتهاكًا جسيمًا لمبدأي التناسب والتمييز، حتى لو كان الهدف عسكريًا قريبًا.
## ٢. ملف الكلور: اتهامات خطيرة تنتظر الحسم الفني في سبتمبر ٢٠٢٤، بثّت قناة France 24 تحقيقًا مصوّرًا حول هجومين في الجيلي وقري شمال الخرطوم، استخدم فيهما الجيش السوداني براميل تحتوي على غاز الكلور، وفق تحليل خمسة خبراء كيميائيين مستقلين. الولايات المتحدة أعلنت رسميًا في مايو ٢٠٢٥ أن لديها «أدلة كافية» على استخدام SAF للكلور، وفرضت على إثرها عقوبات جديدة. ورغم النفي الرسمي من وزارة الدفاع السودانية، لم تطلب الخرطوم تحقيقًا فنّيًا من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، ما جعل الملف مفتوحًا أمام التحقيق الدولي.
## ٣. الحصار والتجويع كسلاح حرب في مناطق واسعة من الخرطوم والجزيرة، استخدم الجيش سياسة الحصار الكامل وقطع الإمدادات عن المدنيين بحجة منع وصول الغذاء إلى قوات RSF. تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ أشار إلى أن أكثر من ٦٠٪ من سكان الخرطوم المتبقّين يعيشون في ظروف حرمان من المياه والغذاء والدواء بسبب إغلاق الطرق ونقاط التفتيش العسكرية. وفق المادة (٥٤) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، يُعد استخدام التجويع كسلاح حرب جريمة دولية.
## ٤. التدمير الممنهج للبنية المدنية والثقافية سجّلت منظمات محلية ودولية تدمير عشرات المدارس والمستشفيات ودور العبادة بسبب القصف المدفعي والجوي. وفي بعض الحالات، جرى استهداف المستشفيات بشكل مباشر بعد اتهامها بـ«إيواء المتمردين» — مثل مستشفى الشعب في الخرطوم ومستشفى ود مدني في الجزيرة. هذا السلوك يعكس نمطًا ممنهجًا أكثر من كونه أخطاءً عشوائية، ويدخل ضمن دائرة المسؤولية القيادية.
## ٥. الإعلام المنحاز: الجزيرة والعربية نموذجًا من اللافت أن القنوات العربية الكبرى تعاملت مع الحرب السودانية من منظور سياسي منحاز. فـالجزيرة استضافت بصورة متكررة قيادات مرتبطة بالحركة الإسلامية و«الفلول» تحت مسمّى «محللين»، بينما تجاهلت شهادات المدنيين من الخرطوم والفاشر. أما العربية فتبنّت رواية الجيش دون مساءلة، متجنبة التحقيق في المجازر الناتجة عن قصفه الجوي. بهذا الانحياز، صُنعت رواية أحادية تُدين RSF وحدها وتُبرّئ الجيش، لتتحوّل التغطية الإعلامية إلى امتدادٍ للسياسة لا للصحافة.
## ٦. الفارق في الخطاب: من التحذير إلى التباهي قائد قوات الدعم السريع، ورئيس تحالف وسلطة تأسيس السودان، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)،تحدث و أصدر بيانات رسمية دعا فيها إلى تحقيق دولي شامل في كل الانتهاكات، وحذّر جنوده من المساس بالمدنيين أو ممتلكاتهم، مؤكدًا أن كل من يرتكب مخالفات «سيُحاسب بلا تهاون». في المقابل، بثّت وسائل التواصل مقاطع لضباط وجنود في الجيش السوداني المودلج وهم يتفاخرون بقتل المدنيين ويصفون ذلك بأنه «جهاد ضد المرتدين»، في تكرار لخطاب الحركة الإسلامية القديمة الذي شرعن القتل باسم الدين. الفرق في الخطاب يُعبّر عن جوهر الصراع: بين من يطالب بالتحقيق والمساءلة، ومن يفاخر بالانتهاك ويعتبره واجبًا وطنيًا.
## ٧. مبدأ الميزان: العدالة لا تتجزأ نعم، قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم موثّقة في دارفور، ولا يمكن تبريرها أو إنكارها. لكن الاعتراف بذلك لا يعني تقديس الجيش أو إعفاءه من جرائمه. القصف العشوائي، الحصار، الكلور، والتفاخر بالقتل — كلّها ملفات مسؤولية مباشرة للجيش السوداني، ولا يمكن لأي سلامٍ أو عدالةٍ أن تقوم على تجاهلها.
## ٨. نحو تحقيق دولي شامل الحل ليس في الدعاية ولا في التبرير، بل في تحقيق دولي مستقل وشفاف يُشرف عليه مجلس حقوق الإنسان، ويشمل الطرفين دون استثناء. فالحرب لا تنتهي ببيانات النصر، بل بالمحاسبة. ومن دونها سيبقى السودان عالقًا بين جيشٍ يقتل باسم الوطن، وحركات مسلحة تدافع عن نفسها و مواطنيها، بينما الوطن نفسه يُدفن تحت الركام.
## المراجع والوثائق [¹] Amnesty International, “Sudan: Indiscriminate Airstrikes on Civilians in Khartoum,” July 2024. [²] France 24 English, Truth or Fake Investigation: Sudan chlorine attacks, 9 October 2025. [³] U.S. Department of State, Press Release on Sudan Chemical Weapons Determination, 22 May 2025. [⁴] OCHA Sudan Situation Report, 23 February 2025. [⁵] Human Rights Watch, “Sudan: Hospitals under Fire,” August 2024. [⁶] Media Monitoring Unit – African Centre for Peace, Bias in Arab Media Coverage of Sudan War, October 2025. [⁷] Official RSF Statement, “Commander’s Directive on Civilian Protection,” June 2024
[email protected]
Sent from my iPhone
|
|