Post: #1
Title: التجربة الرواندية.. حين واجهت أمة جراحها بالعدالة لا بالاستبداد كتبه عاطِف عبدالله قسم السيد
Author: عاطِف عبدالله قسم السيد
Date: 11-08-2025, 06:26 PM
06:26 PM November, 08 2025 سودانيز اون لاين عاطِف عبدالله قسم السيد-UAE مكتبتى رابط مختصر
من المثير للانتباه أن بعض دعاة الحرب في السودان، من مقدمي المحتوى الرياضي الرخيص على "اليوتيوب"، أصبحوا من أكثر الأصوات دفاعاً عن الاستبداد، وترويجاً لخطاب الكراهية والتعبئة العمياء خلف الجيش، مستخدمين منابرهم لتغبيش وعي الناس عبر تسويق معلومات مشوهة عن التاريخ والسياسة والمجتمع.
فمنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، لم يتوقف هؤلاء عن صبّ السباب على "الدعم السريع" والقوى المدنية التي تنادي بإيقاف الحرب، مدّعين أن الدعوة للسلام خيانة أو ضعف، وأن الحل يكمن في "القبضة الحديدية" وحكم الفرد القوي.
ولتبرير هذا النموذج، يستدعون تجارب خارجية بجهلٍ فادح، من بينها التجربة الرواندية التي تُقدَّم خطأً بوصفها "نهضة بلا أحزاب" و"تحت قيادة رجل واحد".
لكن الحقيقة أن نهضة رواندا لم تكن معجزة فردٍ، بل ثمرة مسار طويل من المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، والإصلاح المؤسسي، والمساءلة الصارمة عن الجرائم التي ارتُكبت أثناء الإبادة الجماعية عام 1994.
رواندا واجهت ماضيها بشجاعة، لم تُدفن الجراح تحت شعارات النصر، ولم يُختزل الوطن في شخص القائد.
أنشأت الدولة محاكم "غاتشاكا" الشعبية لمحاسبة مرتكبي الجرائم، وأقامت برامج للعدالة التصالحية أعادت الاعتبار للضحايا، ودمجت المجرمين التائبين في المجتمع بعد المحاسبة.
تحت رعاية بول كاغامي نفسه، لم يكن التركيز على عبادة الفرد، بل على بناء مؤسسات قوية، وتعزيز المواطنة، والهوية الجامعة، والحدّ من الخطاب القبلي الذي قاد إلى المأساة الأولى.
النهضة الرواندية كانت نتيجة نظام منضبط، ومجتمع تعلم من كلفة الكراهية، ومشروع وطني اعتمد على التعليم والنساء والتكنولوجيا، لا على تقديس الجيش ولا على عسكرة الدولة.
أما أولئك الذين يستشهدون برواندا لتبرير حكم الفرد، فهم يتناسون أن كاغامي لم يأتِ من فراغ، وأن نجاح رواندا لم يتحقق بالقهر بل بالانضباط، ولم يُبنَ على الحرب بل على المصالحة.
إن السودان اليوم يحتاج إلى وعيٍ يرفض الخلط المتعمد بين القوة والانفراد، وبين الأمن والاستبداد.
فما من نهضة تنبت في ظل الكراهية أو السلاح، ولا من عدالة تقوم على تغييب الحقيقة.
ورواندا، التي صارت تُضرب بها الأمثال في النهوض بعد المأساة، لم تصل إلى ذلك إلا لأنها قالت "لا للحرب" و"نعم للعدالة والمصالحة".
_______________________________________________ عاطِف عبدالله قسم السيد Atif Abdalla Gassime El-Siyd
|
|