Post: #1
Title: صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (14) الغزيون في حاجة إلى الدعم المادي لا الدعم النفسي
Author: مصطفى يوسف اللداوي
Date: 11-08-2025, 04:36 PM
04:36 PM November, 08 2025 سودانيز اون لاين مصطفى يوسف اللداوي-فلسطين مكتبتى رابط مختصر
صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (14) الغزيون في حاجة إلى الدعم المادي لا الدعم النفسي بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي وضعت الحرب العدوانية الإسرائيلية نسبياً أوزارها، وتوقفت شكلياً صورها الوحشية، وغابت مشاهدها القاسية، وتغير شكلها الدموي وقصفها المدوي، وتراجعت حدة الغارات وغابت عن السماء الطائرات، وأخذت بعد إقرار خطة "ترامب" للسلام، ودخولها حيز التنفيذ، أشكالاً أخرى مختلفة أقل حدةً مما كانت، وأخف ضغطاً على السكان مما سادت، رغم الخروقات الإسرائيلية المتكررة، والغارات المحدودة المحددة الأهداف والغايات، إلا أن الظروف قد تغيرت، والأوضاع قد تبدلت.
واليوم التالي في قطاع غزة بعد تحريره وانسحاب جيش العدو منه، بدأت ترتسم معالمه، وتتشكل مظاهره لدى الجانب الشعبي الفلسطيني، والأساس فيه والثابت الذي يقوم عليه، هو العودة إلى الديار، والبقاء في البلاد، والإقامة فوق ركام البيوت المدمرة، واستعادة الحياة رغم الألم، واستئناف العيش رغم الجرح، والمباشرة في تنظيف الشوارع وفتح المساجد وإعمار الأسواق والمحال التجارية، وتسوية الجدران وبناء الخيام، واستعادة الحياة المفقودة، وبعث الحياة في الأمل الذي أرادوا خنقه وعملوا على وأده.
أمام هذه الوقائع المستجدة، وبدلاً من أن تخف المؤسسات الدولية والهيئات الإنسانية إلى مساعدة أهل قطاع غزة وتمكينهم من العودة إلى مناطقهم، واستعادة حياتهم فيها، وتسهيل إقامتهم فوق ركام بيوتهم المدمرة، وتقديم مختلف أشكال الدعم المادي لهم، وتوفير مستلزمات العيش البسيطة التي تمكنهم من مواصلة الحياة، إذ هم في حاجة إلى كل شيء، وتنقصهم كل حاجة، فهم يبحثون عن الطعام والشراب ومياه الشرب النقية ومياه الخدمة، ويحلمون في خيمةٍ غير بالية تسترهم وتؤويهم، ويحتاجون إلى الثياب الثقيلة التي تقيهم برد الشتاء القادم وزمهرير الطقس القارص.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة ويعانون منها، ارتفعت أصواتٌ دولية تنادي بالعمل على رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ومعالجة آثار الحرب النفسية عليهم، والاهتمام بأطفالهم الذين عاشوا الحرب وذاقوا ويلاتها، وتركت عليهم آثاراً نفسية لا تنسى، وحفرت في نفوسهم مآسي عميقة وجراحاً بليغة، قد تبقى عالقة فيهم وملاصقة لهم، وستنعكس يقيناً على مستقبلهم، وستؤثر على مسار حياتهم.
وطالبت بعض الدول الأوروبية بتخصيص ميزانياتٍ مالية كبيرة للاهتمام بالصحة النفسية للمواطنين الفلسطينيين، ومعالجة آثار فقدانهم لأحبابهم، إذ فقدوا الولد والأب والأم، والأخ والأخت والجار والقريب والحبيب، والبيت والمأوى والعمل والمدرسة والتعليم، فضلاً عن آلاف الجرحى والمصابين، وآلاف المعوقين والمتضررين وأصحاب العاهات المستديمة والإعاقات الدائمة، بعد فقد البعض لعيونهم، أو بتر أطرافهم، أو إصابتهم بأنواعٍ مختلفة من الشلل نتيجة تلف أجهزتهم العصبية وإصابتهم في أعمدتهم الفقرية ورؤوسهم حيث مراكز الحس والسيطرة.
غريبٌ أمر هذه الدول التي علا صوتها، وبان غضبها، وأظهرت حرصها وغيرتها على مستقبل الأجيال الفلسطينية، وبدت خائفة على نتائج الحرب النفسية عليهم، وتريد أن تخلصهم منها وتجنبهم آثارها، وتخشى أن يكبروا وتكبر معهم معاناتهم، وتصاحبهم آلامهم، وهي نفسها التي خصصت عشرات المليارات من الدولارات لدعم العدو الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، وفتحت لجيشه ثكناتها ومستودعاتها، وسخرت له مصانعها الحربية ومعامل ذخيرتها المدمرة، ولم تبخل عليه بشيءٍ من أسلحتها الفتاكة، وطائراته المقاتلة، وذخائره التي لا تزول آثارها مع الأيام أبداً، وبقيت حتى آخر أيام العدوان تمده وتزوده بما يحتاج إليه، رغم الاعتراضات الشعبية، والمظاهرات المناهضة للحرب والمنددة بالعدوان على قطاع غزة.
لا ننكر أبداً أن الفلسطينيين في قطاع غزة في حاجةٍ إلى الرعاية النفسية بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة عليهم، فقد أصابهم القرح والجرح والحزن والألم، نتيجة الفقد والقتل والخراب والدمار والتشرد والنزوح والتجويع والحصار والخوف والإذلال.
لكنهم جميعاً يحتسبون ما أصابهم عند الله سبحانه وتعالى، ويترحمون على شهدائهم، ويؤمنون بأن مقامهم عند الله عز وجل أعلى وأسمى، ويدعونه سبحانه وتعالى لأن يشفي الجرحى ويعافي المصابين، وأن يخفف من آلامهم وأن يعجل بشفائهم، وهم جميعاً يسرون عن بعضهم، ويخففون من آلام أنفسهم، إذ أنهم جميعاً قد ابتلوا وأصيبوا، ونالهم جميعاً جانبٌ من آثار الحرب والعدوان، لكنهم يشعرون بمعية الله معهم، وأنه لن يتركهم ولن يتخلى عنهم، وسيبقى إلى جانبهم، وهم يؤجرون على ما أصابهم، ويرتفع عند الله وبين الناس قدرهم.
الفلسطينيون ليسوا بحاجةٍ لغير الله عز وجل يسري عنهم ويخفف من آلامهم، فلن يعيد الدعم المعنوي شهداءهم، ولن يشفي جرحاهم، ولن يفرج من السجون والمعتقلات الإسرائيلية عن معتقليهم، ولن يجدي ربتهم على الظهور، وابتسامتهم في الوجوه، وتمسيدهم للرؤوس، ومداعبتهم للأطفال وتقديم الحلوى والسكاكر لهم، في نسيان الفلسطينيين لجريمتهم، ومسامحتهم على مشاركتهم في الحرب عليهم.
فإن صدقت هذه الدول التي تدعي غيرتها في مواقفها، وتريد أن تقدم العون والمساعدة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فلتضغط لوقف الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق القطاع المختلفة، ولتسير قوافل المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغيره إلى القطاع، ولتطالب بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر لضمان مرور وعبور الشاحنات إليه، وضمان خروج الجرحى والمصابين من القطاع إلى مستشفيات العالم، فحاجة الفلسطينيين اليوم في غزة ماسةً جداً إلى السكن والإقامة، وتوفير الطعام والشراب والدواء والعلاج ورعاية الجرحى والمصابين وضمان علاجهم، فما جدوى دعمهم نفسياً والسكين ما زالت تحز رقابهم، والجوع والفقر والحاجة يقرص بطونهم.
يتبع ......
|
|