Post: #1
Title: في محبة هاشم صديق- شاعرُ القلب وذاكرةُ المسرح السوداني
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-07-2025, 01:32 PM
01:32 PM November, 07 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في رحاب الذكرى الأولى لرحيل الشاعر والمسرحي العظيم هاشم صديق — الذي غادرنا في نوفمبر 2024 تاركًا إرثًا ينبض في عروق الثقافة السودانية — نقف اليوم لا لنرثيه بألم الفراق، بل لنحتفي بالوميض الخالد الذي أضاء الذاكرة الجماعية. إنه وميضٌ يتسلل كضوء القمر عبر غيوم الزمن، يعكس في مرآة الشعر وجهَ شعبٍ يتوق إلى الكرامة، وعلى خشبة المسرح ضميرَ أمةٍ ترفض الصمت. هاشم صديق، ابن الخرطوم الذي وُلد في أحيائها الشعبية عام 1938، لم يكن مجرد فنان؛ كان صوتًا ينبض بحرارة النيل، وذاكرةً حيّة تروي قصصَ الثورات والأحلام المكبوتة. هاشم لم يكن شاعرًا فحسب؛ كان نبضَ مكانٍ وزمانٍ ومجتمعٍ يعاني ويحلم. من حيّ الحوار في أم درمان، حيث تتداخل أصوات الباعة الجائلين مع همسات الجيران البسطاء، خرج يكتب بلغة العامة، يحمل آمالهم كما يحمل النهر أتربةَ الضفاف الخصبة. وحين اقتحم عالم المسرح في ستينيات القرن الماضي، لم يدخله كممثل يرتدي أقنعة، بل كثائرٍ يحوّل الخشبة إلى ساحة وعي عام. كتب مسرحيات مثل «الزير سلام» و**«الفيل والحرية»**، تكشف الستار عن الظلم الاجتماعي والسياسي، مستلهمًا من التراث الشعبي السوداني والعربي، لصنع فنٍّ منحازٍ للمهمشين. كان يؤمن أن الكلمة ليست زينةً لغوية، بل سيفٌ أخلاقيّ يقطع أغلالَ الخوف، وأن الفنَّ يجب أن يكون منطلقًا للحقِّ والكرامة الإنسانية، وللوطن الذي يئن تحت وطأة الاستبداد. هاشم: شاعر الشعب كان شعره يفتح نوافذٍ واسعة على الحياة اليومية، يعيد لها بريقَها كما يعيد الندى للأرض اليابسة بعد ليلة عطشى. لم يكن يكتب عن الحب كعاطفةٍ فرديةٍ مجردة، بل كحبٍّ جماعي يتجسّد في الشارع، في الحلم، في صمود الإنسان أمام عواصف الزمن. في قصيدته الشهيرة «نحنا ناس عزاز علينا» يقول بلسان الشعب:
(نحنا ناس عزاز علينا حلمنا قدر خطانا وما بنرهن صِدق الود لا للريح ولا للزمن الجانا)
نبرته استمدَّت حرارةَ الواقع: من شوارع الخرطوم المزدحمة، من أيّام الثورة في 2019 حيث رَنَّ صوته في المظاهرات، ومن صوت الأم التي تنتظر ابنها في ليالي القلق. لم يكن شاعرَ تزيينٍ صرف، بل شاعرُ تجربةٍ حيّة يمزج اللهجة السودانية بالفصحى ليخلق لغةً شعبيةً نابضة بالأصالة، وأضاف إليها نَفَسًا مسرحيًا يجعل القصيدةَ حوارًا حيًا مع الجمهور. هاشم: مسرحيُّ الوعي في مسرحياته — التي كانت عمادَ الوعي المسرحي السوداني الحديث، بدءًا من تأسيسه فرقةَ «المسرح الحر» في السبعينيات — نجد وضوحَ الفكرة كالشمس على فمِ الصحراء، قوةَ الرسالة كفيضان النيل، وسلاسةَ التعبير كنسمة الصباح. كتب للمسرح كما لو كان يجلس بين الناس، يسمع همساتِهم، يحفظ آلامهم، ثم يصعد الخشبة ليعيد إليهم صورتَهم أكثر إشراقًا وصدقًا. أعماله لم تكن عروضًا تُشاهد بعينين باردتين، بل خبرات شعورية تُعاش بكل الجوارح: ضحكٌ يخفي دمعةً، وصراخٌ يحمل أملًا. في «الزير سلام»، على سبيل المثال، حوّل الأسطورةَ الشعبية إلى نقدٍ للطغيان، مستخدمًا الغناءَ والرقصَ السودانيين ليجعل المسرح جسرًا بين الماضي والحاضر، بين الحكاية والأمة، فتتحول الأسطورة إلى مرآة يرى فيها الجمهور نفسه، بعذاباتِه وآمالِه. لماذا نحتفي بهاشم اليوم؟ لأن البلاد تمر بأشد أوقاتها ظلامًا وحزنًا؛ حربٌ أهلية تمتد منذ 2023 مزّقت نسيج الوطن، وشعبٌ يتوق إلى صوتٍ يذكره بإنسانيته. الذاكرة الوطنية تحتاج من يوقِظها، يذكّرها بأن الإنسان قادر على الصمود مثل شجرة التبلدي في مواجهة العواصف، وعلى الحلم رغم ثِقَل الحجارة في جيوب الحزن. هاشم صديق رمزٌ لفنٍ إنسانيّ ووطنيّ في آن، وتذكيرٌ بأن الثقافة ليست ترفًا نخبويًا، بل خط الدفاع الأخير عن معنى الحياة والهوية التي تتحدى الاندثار.
في محبّة هاشم صديق…
نلتقي اليوم من مدن العالم وقراه — من الشتات السوداني في القاهرة ولندن وواشنطن — في ظروفٍ متباينة، لكن بقلبٍ واحد ينبضُ بإيقاعِ قصائده. نحتفي به لا لنتشبّثَ بالماضي كطوق نجاة، بل لنصنع مستقبلًا ممكنًا على أساس قيمه الخالدة:
الصدق، كنهرٍ لا يخدع مجراه.
الجمال، كزهرةِ اللوتس في مستنقعاتِ النيل.
الحرية، كطائرٍ يحلّق فوق جبال النوبة.
الانتماء، كجذورِ الشجرة في تربة الوطن.
الأمل، كفجرٍ يطلّ بعد ليلةٍ طويلة.
ونرفع صوته عاليًا، كما في إحدى قصائده:
الكلمة ما بتنضب لو رقبوها ألف عين الكلمة لمن تبقى حق بتشق صُدور الطين *هاشم صديق لم يرحل. الكبار لا يموتون؛ يتحولون إلى نبضٍ يسكن اللغة كالروح في الجسد، والمسرح كالدم في العروق، والأغنية كالريح في الأوراق، وذاكرة الناس كنجومٍ في سماء الليل. إرثه يعيش في كل مسرحية تُعرض في الخرطوم، في كل قصيدة تُردَّد في المظاهرات، وفي كل قلب سوداني يرفض الاستسلام. رحم الله هاشم صديق، وأبقى محبته وذكراه حيّة كما كانت كلمته حيّة بيننا، تضيء دروب الأجيال القادمة. #في_محبة_هاشم_صديق #ذاكرة_الوطن #الثقافة_لا_تموت #هاشم_صديق_خالد
تلخيص مسرحيّة «الزير سلام» (مقتضب ومركّز)
الفكرة العامة: مسرحية مبنية على عناصر من الأسطورة والتراث الشعبي تُوظَّف لنقد السلطة والطغيان والتناحر القبلي، وتحويل الصراع الفردي إلى رمزٍ للصراع الوطني والاجتماعي.
المحتوى والهيكل: تستخدم المسرحية حكيًا شعريًا ومقاطع غنائية ورقصاتٍ شعبية، لتروي قصة بطل يتصارع مع قوى الظلم داخل مجتمعٍ مَمزق. تتداخل ذاكرة الماضي مع واقع الحاضر، فتتحوّل الأسطورة إلى مرآة سياسية.
الرمزية: الزير يمثل الإنسان الذي يُجرّ إلى صراعٍ لا نِهاية له؛ الخشبة تصبح فضاء مواجهةٍ بين الذاكرة والسلطة، والموسيقى والرقص الشعبيان وسيلتا تأكيدٍ على استمرار الحياة الثقافية كعلاجٍ للجرح الجماعي.
الأسلوب المسرحي: مزج بين التمثيل التقليدي والتقنيات التعبيرية، مع اعتماد على الجماعة المسرحية كجوقةٍ تُمثل صوت الشعب وتُحرّك الأحداث دراميًا.
الهدف: إيقاظ وعي الجمهور، استنهاض حسّ المسؤولية، وإثارة تساؤلات حول العدالة والذاكرة والهوية.
|
|