من عظمة السلطان علي دينار إلى خراب الفاشر: الذكرى (109) لاستشهاده كتبه مكي ابراهيم مكي

من عظمة السلطان علي دينار إلى خراب الفاشر: الذكرى (109) لاستشهاده كتبه مكي ابراهيم مكي


11-06-2025, 07:45 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762458304&rn=0


Post: #1
Title: من عظمة السلطان علي دينار إلى خراب الفاشر: الذكرى (109) لاستشهاده كتبه مكي ابراهيم مكي
Author: مكي إبراهيم مكي
Date: 11-06-2025, 07:45 PM

07:45 PM November, 06 2025

سودانيز اون لاين
مكي إبراهيم مكي-TX
مكتبتى
رابط مختصر






يوافق اليوم السادس من نوفمبر الذكرى التاسعة بعد المائة (109) لاستشهاد السلطان *علي دينار بن الأمير زكريا بن السلطان محمد الفضل*، أحد أعظم رجالات السودان، ورمز السيادة والعزة والكرامة والوطنية في سلطنة دارفور..

لقد وقف في وجه المستعمر البريطاني، ودافع عن وطنه حتى آخر لحظة من عمره، وسقط شهيدا في أرض المعركة، معلنا نهاية حقبة تاريخية لسلطنة عظيمة امتد مجدها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وانطلقت من قلب دارفور..

هناك في *ريف الملم – كيلا – بقرية الشاواية بمنطقة "زونقا كرو"* بولاية جنوب دارفور، وعلى سفوح شرق جبل مرة، تقف أطلال - *قصر القمير* - شامخة تروي قصة مجد السلطان علي دينار. عبق المكان الذي شهد صرخة ميلاده الأولى لا يزال حاضرا، وتحمل جدران القصر آثار الزمن، وتنقش ملامح تاريخ مجيد لا يبهت ولا ينتهي، شاهدة على فخر دارفور وعراقتها، وعلى عظمة الماضي وفخامة الإرث..

وعلى بعد أميال قليلة غرب القصر، ينهض جبل تاورا شامخا كحارس للزمن، مطلا على قرية كيلا السلطان، حيث تحتضن القبة *قبر الأمير يحيى بن السلطان أحمد بكر*، جد السلطان علي دينار من ناحية والدته *الميرم كلتومة نونو بنت علي كرمي* حفيدة الأمير يحيى بن السلطان أحمد بكر. استقر هناك مع عشيرته إلى جانب الأمير زكريا بن محمد الفضل والد السلطان، والأمير نورين محمد الفضل، والأمير عبد الله ود دود بنجي ، والعديد من الأمراء وأحفاد السلاطين الذين نشأوا وترعرعوا في كيلا وتفرقوا في الأمصار.

وعلى بعد أميال قليلة شرق الملم، ترقد والدة السلطان الميرم كلتومة بنت علي كرمي في قرية أبو جلدي، تلك القرية الوادعة التي قصدتها – كما يروى – قادمة من كيلا طلبا للعلاج بعد أن أصيبت بلدغة ثعبان، عند ابن عمها الفكي إسحاق بابا، أحد أحفاد الأمير يحيى السلطان بكر..

غير أن الأجل سبق الشفاء، فأسلمت روحها الطاهرة هناك، ودفنت في ثرى القرية، فصار ضريحها قبة شامخة ومعلما بارزا يقصده الزائرون، شاهدا على سيرة أم أنجبت بطلا خلد اسمه التاريخ. وهكذا أضفت تلك المعالم التاريخية على منطقة الملم بعدا حضاريا فريدا، وجعلتها قبلة للباحثين والمهتمين بتاريخ السودان ودارفور، ومتحفا مفتوحا يحكي للأجيال سيرة المجد والعراقة..

في هذه الأرض الطيبة نشأ السلطان علي دينار، فتفتحت بصيرته على معاني القيادة والمسؤولية، ونبت مجده من جذور تلك الأرض، لينطلق منها لإعادة سلطنة أجداده من عاصمتها التاريخية الفاشر، التي بلغت شأوا عظيما في فترة حكمه، وأصبحت منارة للعلم، وقبلة للعلماء، ومركزا للاقتصاد والتجارة مع مختلف دول العالم. ومنها خرجت كسوة الكعبة المشرفة، وزاد حجيج بيت الله الحرام الذين كانوا ينطلقون من الفاشر – أبو زكريا – إلى ديار الحجاز..

اليوم تطل علينا هذه الذكرى وبلادنا تئن تحت وطأة حرب دامية وأحداث مأساوية قضت على الأخضر واليابس، ودفع أهلنا في السودان عامة، ودارفور والفاشر على وجه الخصوص، أثمانا باهظة. فقد تدمرت الفاشر بالكامل، تلك المدينة التي كانت يوما منارة للحضارة والتاريخ، فهجر أهلها وتفرقوا، وقتل أبناؤها، وأحرقت نار الفتنة كل شيء فيها. مشهد موجع هز الضمير الإنساني قاطبة..

وفي هذه الذكرى، ووسط ما تمر به بلادنا من منعطفات عصيبة تهدد وحدتها وتماسكها وتقوض مجدها، نقف أمام التاريخ مؤمنين بأن دارفور ستنهض من رمادها كما نهضت من قبل، شامخة، عزيزة، حرة، محافظة على روحها الأصيلة، وعلى إرث الكرامة الذي جسده السلطان علي دينار وأبناؤه من مختلف المجتمعات، الذين عرفوا بالتسامح والتعايش السلمي على مدى قرون طويلة..

———
مرفق مع المقال جانب من الصور الأرشيفية لقصر السلطان علي دينار الصيفي بالملم، التقطت عام 1952، حين كان القصر لا يزال يحتفظ ببعض معالمه، منها مئذنة مسجد السلطان. تُحفظ هذه الصور في قسم الأرشيف والمجموعات الخاصة بمكتبة جامعة درهام البريطانية.
وقد أُنتج هذا الفيديو بواسطة شركة يوهو للإنتاج الإعلامي (Yoho Media Production) ضمن مشروع متاحف غرب السودان، وهو واحد من أربعين فيلماً قصيراً أُنتجت للمتاحف في أم درمان ونيالا والأبيض، بتمويل من صندوق الحماية الثقافية التابع للمجلس الثقافي البريطاني، وبالشراكة مع وزارة الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة في الحكومة البريطانية..