تحليل دلالات فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك- انعطافة التاريخ من الأحياء إلى مركز السلطة #

تحليل دلالات فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك- انعطافة التاريخ من الأحياء إلى مركز السلطة #


11-05-2025, 02:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762354161&rn=0


Post: #1
Title: تحليل دلالات فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك- انعطافة التاريخ من الأحياء إلى مركز السلطة #
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-05-2025, 02:49 PM

02:49 PM November, 05 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






لم يكن فوز زهران كوامي ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك مجرد حدث انتخابي عابر، بل تجسيداً لتحولات عميقة في البنية السياسية والاجتماعية الأمريكية. فمدينة مثل نيويورك - بوصفها عاصمة العالم المالي والثقافي -
تمثل مختبراً لتشكيل المخيال السياسي المعاصر، مما يجعل صعود رجل مسلم تقدمي من أصول أفريقية وآسيوية إلى قمة السلطة فيها حدثاً يستحق القراءة المتأنية.
تفكيك صروح السلطة التقليدية
لطالما مثلت نيويورك نموذجاً للهيمنة التقليدية التي يسيطر عليها تحالف النخب المالية واللوبيات السياسية والإمبراطوريات الإعلامية. لكن فوز ممداني يمثل انزياحاً جوهرياً في مصادر الشرعية السياسية.
فلم يعد التمويل الضخم والحملات التلفزيونية الباهظة شرطاً للوصول إلى السلطة، بل حل محلها تنظيم القاعدة الشعبية، وتحالف الأحياء المهمشة، وقوة الإقناع الرقمي.
هذا التحول يشير إلى ولادة "سياسة من تحت" تعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث تستمد الشرعية من القدرة على تمثيل هموم الناس اليومية في السكن والنقل والصحة والتعليم، بدلاً من الولاء لمراكز المال والسلطة التقليدية.
فلسطين كمعيار أخلاقي في السياسة المحلية
جسدت مواقف ممداني من القضية الفلسطينية أحد أبرز مظاهر القطيعة مع السياسة الأمريكية التقليدية. فبينما اعتاد السياسيون الأمريكيون على تجنب هذا الملف أو تبني الرواية الإسرائيلية بشكل آلي، جاء صريحاً:
"لا يمكن أن أدعم العدالة هنا وأصمت عن الظلم هناك". هذا الموقف لم يعد يُنظر إليه كعبء انتخابي، بل تحول إلى شهادة أخلاقية تزيد من مصداقية السياسي في عيون ناخبيه.
هذه الظاهرة تعكس تحولاً أعمق في الوعي الجمعي الأمريكي، حيث لم تعد القضية الفلسطينية قضية خارجية بعيدة، بل أصبحت مقياساً للاتساق الأخلاقي في الخطاب السياسي المحلي. وهذا بدوره يفتح الباب أمام جيل جديد من السياسيين
غير المستعدين للتخلي عن مبادئهم تحت ضغط اللوبيات.
تشكل تحالفات طبقية جديدة
لم يكن فوز ممداني انتصاراً للهويات المنعزلة، بل كان تتويجاً لتحالف طبقي عريض تجاوز الحدود العرقية والدينية. فتحالف فقراء البيض في البرونكس مع السود في هارلم والعرب والجنوب آسيويين في كوينز واللاتينيين في بروكلين واليهود التقدميين
يشير إلى بروز وعي طبقي جديد قائم على المصالح المشتركة بدلاً من الانتماءات الهوياتية الضيقة.
هذا التحالف نجح في تحطيم الثنائية التقليدية بين "المركز" و"الهامش"، وأثبت أن قضايا الإسكان الميسر والرعاية الصحية والنقل العام والعدالة التعليمية يمكن أن تشكل منصة توحد سكان المدينة رغم تباين أصولهم وخلفياتهم.
ثورة التنظيم الرقمي والحراك الاجتماعي
استطاعت حملة ممداني أن تطور نموذجاً جديداً في التنظيم السياسي، يجمع بين القوة التنظيمية التقليدية على الأرض وفعالية الأدوات الرقمية الحديثة.
فمن خلال الاعتماد على المتطوعين الشباب، والحملات الإلكترونية، وإنتاج محتوى مرئي مبتكر عبر منصات مثل TikTok، استطاعت الحملة أن تتحول من مجرد استعراض انتخابي إلى حركة اجتماعية حقيقية.
هذا النموذج القابل للاستنساخ في مدن أمريكية أخرى يشكل تهديداً حقيقياً للآليات الانتخابية التقليدية، ويضعف من سيطرة المموّلين الكبار على العملية السياسية، ويفتح الباب أمام مرشحين من خلفيات متنوعة لخوض المعارك الانتخابية
بقدرات مالية متواضعة لكن برسائل قوية وقاعدة شعبية عريضة.
معركة هوية أمريكا المستقبلية
يتجاوز فوز ممداني حدود نيويورك ليكون فصلاً في المعركة الأوسع على هوية أمريكا المستقبلية. ففي مواجهة خطاب اليمين الشعبوي الذي يجسدها شخصيات مثل ترامب، والذي يرتكز على الخوف والحدود والتفوق العرقي
يمثل ممداني نموذجاً لليسار التقدمي القائم على فكرة الكرامة الإنسانية والمساواة العالمية والاهتمام بقضايا الناس اليومية من سكن وصحة وتعليم.
هذه الثنائية تضع أمريكا أمام خيارات مصيرية: هل ستكون أمريكا قلعة محصنة للأقوياء وأصحاب الامتيازات، أم فضاء مفتوحاً للتنوع والعدالة الاجتماعية؟ فوز ممداني يشير إلى أن الشق الثاني لا يزال خياراً ممكناً، رغم كل التحديات.
من الهامش إلى المركز
يمثل فوز زهران ممداني لحظة تاريخية تعلن انتقال مركز الثقل السياسي من قاعات مجلس الإدارة إلى الشوارع والأحياء. إنها إعلان أن ما كان يُعتبر هامشاً - سواء كان أشخاصاً أو قضايا أو أساليب تنظيم - أصبح الآن قادراً
على التمركز في قلب المشهد السياسي.
السؤال الجوهري لم يعد مقتصراً على كيفية تحقيق هذا الفوز، بل extends إلى مدى قدرة هذه النماذج الجديدة على إعادة تشكيل المشهد السياسي الأمريكي، وإلى أي درجة يمكنها أن تواجه البنى التقليدية العميقة التي لطالما هيمنت
على الحياة السياسية. فوز ممداني ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة من الصراع بين نماذج مختلفة لأمريكا المستقبلية، حيث لم تعد هناك لهجات ممنوعة في الخطاب السياسي العام.