عودة إلى مقهى تَكّة في انتظار الاستنارةvix كتبه الأمين مصطفى

عودة إلى مقهى تَكّة في انتظار الاستنارةvix كتبه الأمين مصطفى


11-05-2025, 03:18 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762312724&rn=0


Post: #1
Title: عودة إلى مقهى تَكّة في انتظار الاستنارةvix كتبه الأمين مصطفى
Author: الأمين مصطفى
Date: 11-05-2025, 03:18 AM

03:18 AM November, 04 2025

سودانيز اون لاين
الأمين مصطفى-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





كان الليل يهبط على المدينة كستارةٍ من دخانٍ أزرق، تتسلّل من بين شقوقها أصوات بعيدة، تأتي من محطةٍ ريفيةٍ نائمة على أطراف الحقول. هناك، كان صوته يعبر الأثير كريحٍ تعرف الطريق، يحمل حكاياتٍ من زمنٍ لم يُكتب بعد، مزيجًا من الأسطورة واليقين، من الحلم واليقظة.
قصصه لم تكن حكاياتٍ تُروى، بل كانت إشراقاتٍ صغيرة تضيء العتمة في صدور مستمعيه. كل جملةٍ كانت بوابةً إلى رموزٍ خفية، وكل صوتٍ كان دعوةً إلى تأملٍ لا يعرف حدودًا.
وفي مقهى تَكّة، ذاك المكان العالق بين الغياب والانتظار، اجتمع أولئك الذين رأوا في كلماته طريقًا نحو أنفسهم. كانوا يجلسون حول طاولاتٍ صامتة، يتبادلون النظرات لا الكلمات، كأنهم يخشون أن تهرب المعاني إذا نُطِق بها.
في الزاوية البعيدة، جلست هي فى مودة و اخلاص — لم يكن أحد يعرف اسمها، لكن المقهى كله كان يشعر بوجودها. كانت تصغي إلى صوته الخارج من الراديو القديم كما يُصغى إلى صلاةٍ تُقال في القلب لا على اللسان.
كانت تؤمن أنه يكتبها دون أن يراها، وأن بين الحبر وصدى صوته خيطًا غير مرئيٍّ يصل روحيهما، كأنهما تذكّرا بعضهما من حياةٍ سابقة.
أما هو، فكان حين يكتب، يشعر بظلٍّ أنثويٍّ يمرّ خلف كلماته. لم يكن يعرف هل هو وحي أم ذكرى، لكنه كان يترك لها مقعدًا فارغًا في النص، ينتظر أن تجلس فيه الروح التي تعرف الطريق إليه.
وفي مساءٍ غائمٍ كحلمٍ متأخر، عاد إلى المقهى بعد غيابٍ طويل. جلس أمام كوبٍ باردٍ لم يكتمل منذ آخر حضور. أنصت إلى ضجيج الصمت من حوله، وإلى وقع المطر الذي يطرق الزجاج كأنّه يذكّره بما نسيه.
وفجأة، عبرت الباب.
كانت تشبه القصيدة حين تتجسّد.
خطواتها ناعمة كصفحةٍ أولى في كتابٍ جديد، وابتسامتها تحمل اعترافًا لا يحتاج إلى كلام.
اقتربت، وجلسَت أمامه. لم يقل شيئًا، ولم تأله.
كان اللقاء بينهما أشبه بعودة نجمٍ إلى مداره، لا بداية ولا نهاية، بل استمرار لما لم يبدأ قط.
ابتسم وقال بصوتٍ خافتٍ كصدى المطر:
– "القصص انتهت، لكن الحكاية بدأت الآن..."
خارج المقهى، كانت المدينة تغتسل بالضوء، وكان في الأفق فجرٌ جديد يشبه الوعد.
وهكذا، عادا إلى مقهى تَكّة... صاح الجميع في انتظار "الاستنارة".