آلية ايقاف الحرب واعادة توحيد السودان كتبه بشير عبد القادر

آلية ايقاف الحرب واعادة توحيد السودان كتبه بشير عبد القادر


11-04-2025, 11:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762297723&rn=0


Post: #1
Title: آلية ايقاف الحرب واعادة توحيد السودان كتبه بشير عبد القادر
Author: بشير عبدالقادر
Date: 11-04-2025, 11:08 PM

11:08 PM November, 04 2025

سودانيز اون لاين
بشير عبدالقادر-فرنسا
مكتبتى
رابط مختصر







لعل الكثير من السودانيين داخل السودان وخارجه يتسألون كيف بمكن ان تقف هذه الحرب العبثية والمأسوية في السودان، ويتسأل بعضهم هل له دور في الامر أم أن الامر كله في يد القوى الدولية والإقليمية من جانب، وفي يد من يحمل السلاح وله قدرة على التأثير على القبول او الرفض او حتى المعاكسة للقرار الدوليَ من جانب اخر!
من المؤكد أن الإجابة على السؤال من ناحية عملية ليست بالأمر الهين بل هو امر معقد للغاية وأن كانت الإجابة النظرية سهلة الى حد كبير ولكنها ليست قابلة للإنزال على ارض الواقع.

أولا يجب الاعتراف بصحة وجود قوى دولية وإقليمية لها يد لما يجرى في السودان من مأسي كبرى وأن تلك القوى تهمها مصالحها في المقام الأول، وان التوازن او الاختلال بين مصالح تلك الدول يمكن ان يعجل او يؤخر من إيقاف الحرب في السودان! لأن بعض تلك الدول يهمها الاستفادة من موقع السودان الجيوسياسي الاستراتيجي على البحر الأحمر لإقامة قاعدة عسكرية وبعضها يريد السيطرة على الموانئ البحرية السودانية، وبعض الدول يهمها السيطرة على الموارد الطبيعية كالماء والأرض والثروة الحيوانية والاستفادة القصوى منها لصالحه، وبعضها يهمها الثروات المعدنية كاليورانيوم والذهب والنحاس وغيره من المعادن، تضارب مصالح تلك الدول ساهم في إشعال الحرب واستمرارها.

من المؤكد ان وجود حكومة وطنية مدنية كان يمكنها ان تصل الى اتفاقيات مرضية مع كل تلك الدول من خلال سياسية win-win ، اي ايجاد "اتفاقات أو علاقات تحقق الفائدة للطرفين أو لجميع الأطراف المعنية"، وحينها يمكن لهذه القوى الدولية والإقليمية ان تكف ايديها عن مساعدة أطراف الحرب في السودان، وتقوم بالتسابق لتقديم المساعدات اللازمة للنازحين بل المساهمة في إعادة الاعمار والتنمية، كما أن وجود حكومة مدنية كان يمكن عبرها تفعيل دور المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية والمنظمة الإسلامية وغيرها للقيام بدور الوساطة داخليا بين السودانيين أنفسهم وخارجيا بين السودان ودول الإقليم.

بعد استيعاب السودانيين لوجود تدخل أجنبي في هذه الحرب العبثية، لا تهمه سوى مصلحته ولو على حساب تدمير السودان، عندها يفهم السودانيون ضرورة وحدتهم وبناء دولتهم المدنية، وان القوة في الاتحاد، وحينها فقط يمكنهم ان يوقفوا الاستعمار المباشر او غير المباشر لبلادهم ويوقفوا استنزاف بل سرقة الدول الأجنبية لمواردهم الطبيعية وثرواتهم المعدنية، بل يستطيعون حينها ان يملوا شروطهم على الدول الأجنبية التي تريد الدخول في شراكات اقتصادية معهم.

انتباهه السودانيين كشعب وكمؤسسات دولة لضرورة وحدة السودان تفرض عليهم القيام بالدور الوطني الأهم الا وهو العمل الجاد على تفعيل المصالحة الوطنية من خلال رفض خطاب الكراهية والقبلية والجهوية، ولقد أدت مأسي الحرب لتوفير فرصة تلاحم وطني الان اكثر من ذي قبل من خلال التعاون المجتمعي في كل منطقة، خاصة أن جميع السودانيين ماعدا تجار الحرب والانتهازيين قد تضرر من الحرب واصبحوا ما بين مشردين ولاجئين ونازحين او مهاجرين ومغتربين "مرهقين ماديا" بسبب التحويلات المالية لمساعدة أسرهم، وأدى ذلك لبروز التكافل بصورة أكبر بكثير من قبل، فتم تقاسم اللقمة في التكايا وغيرها، وتداخلت الاسر والعائلات وحدث تعارف حقيقي بين مواطنين من مختلف جهات السودان، وانتج زيجات بين اسر من جهويات وقبائل متنوعة لم يكن من السهل ان تتم من قبل، مما يزيد من تقوية اللحمة الاجتماعية وارتفاع الانتماء الوطني السوداني فوق الانتماء الجهوي والقبلي الضيق.


إذن من الجوانب المضيئة الان بروز مفهوم الوطنية ودولة المواطن الذي كان المستعمر وكثير من عملائه من بعده قد عملوا على محاربته بسياسة فرق تسد، وبرزت جمعيات ومنظمات سودانية دخل السودان وخارجه تعمل في مجال العمل الإنساني والاسعافي ومساعدة النازحين. هذه الجمعيات يمكنها ان تتطور لتصبح منظمات مجتمع مدني تقوم باستقطاب القيادات الدينية ونجوم المجتمع والمؤثرين إعلاميا للقيام بدور محوري في نشر الوعي بضرورة إحلال السلام وبناء الوحدة الوطنية، من خلال حملات توعوية شاملة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتنظيم ندوات ولقاءات جماهيرية في الأحياء والمدارس والجامعات وصولًا إلى تخصيص خطب الجمعة والبرامج الدينية لترسيخ قيم التسامح والتعايش ونبذ العنف. كما ينبغي أن يركّز الإعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي على إبراز أهمية الوحدة الوطنية كخيار استراتيجي لا بديل عنه لتحقيق التنمية والاستقرار، مع تسليط الضوء على النماذج الناجحة للتعاون بين أبناء الوطن بمختلف انتماءاتهم.

كما على حكومة الأمر الواقع التركيز في الجانب التعليمي والاهتمام بالمناهج الدراسية كخطوة أساسية نحو ترسيخ هذا الوعي بحتمية الوحدة الوطنية عبر إدراج مادة التربية الوطنية التي تبرز إيجابيات التنوع الإثني والقبلي بوصفه مصدر ثراء لا انقسام، مع تعزيز مفهوم المواطنة القائمة على المساواة والعدالة والانتماء المشترك، كما ينبغي أن تتضمن هذه المناهج دعوة صريحة للتوافق حول ميثاق وطني للسلام والعدالة وحقوق وواجبات المواطنة، ليصبح بمثابة مرجعية فكرية وأخلاقية للأجيال القادمة.

ولإرساء السلام الاجتماعي، يتطلب الأمر تعزيز الثقة بين جميع فئات المجتمع عبر إنشاء لجان مجتمعية لتسوية النزاعات المحلية، وتنفيذ حملات مصالحة ميدانية في المناطق التي تأثرت بالحرب، بما يساهم في رأب الصدع الاجتماعي وإعادة اللحمة الوطنية، وبهذا تتكامل جهود التوعية والتعليم والمصالحة لتشكّل أساسًا متينًا لبناء سودان موحّد تسوده العدالة والسلام الدائم.

ثم تأتي المرحلة الأهم الا وهي تشكيل الحكومة الانتقالية التوافقية التي تُعدّ بمثابة الخطوة المفصلية في مسار بناء الدولة المدنية الحديثة، إذ يُفترض أن تضمّ القوى السياسية والمجتمعية المتفق عليها، بما يعكس روح الشراكة الوطنية والتمثيل المتوازن لكافة المكوّنات المجتمعية.

وتتحمل هذه الحكومة مسؤولية وضع خطة واضحة للمرحلة الانتقالية تتضمن جدولًا زمنيًا محددًا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، بحيث تضمن مشاركة الجميع دون إقصاء الا من ثبتت ادانته او أجرم في حق الشعب، كما تعمل هذه الحكومة الانتقالية على مراجعة القوانين والتشريعات لتواؤم مع مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية، وكذلك تقوم بإصلاح مؤسسات الدولة لتصبح أكثر كفاءة وشفافية واستقلالية، وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة الأجهزة الإدارية والعدلية والأمنية لضمان خضوعها لسلطة القانون والمساءلة العامة، كما ينبغي أن تُطلق الحكومة برنامجًا وطنيًا للتحضير للانتقال الديمقراطي، يقوم على ترسيخ ثقافة المشاركة السياسية، وبناء الثقة بين المواطن والدولة، بما يمهّد لقيام نظام ديمقراطي مستقرّ يعكس إرادة الشعب ويؤسس لسلام دائم ووحدة وطنية راسخة.