Post: #1
Title: بلسانٍ حشدويٍ مبين كتبه صديق أبوفواز
Author: صديق ابوفواز
Date: 11-03-2025, 10:39 AM
10:39 AM November, 03 2025 سودانيز اون لاين صديق ابوفواز-Sudan مكتبتى رابط مختصر
#البعد_الرابع
"بلسانٍ حشدويٍ مبين"
بقلم: صديق أبوفواز 03 / 11 / 2025
♦️ (ثم ماذا بعد سقوط الفاشر وبارا وبداية حصار الأبيض؟)
منذ اندلاع هذه الحرب، ظل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي (حشد الوحدوي) على موقفه المبدئي الرافض لها، إيمانًا بأن لا طرف منتصر في حربٍ لا هي وطنية، ولا هي حرب كرامة كما يروج لها، وإن الحل يبدأ فقط بوقف شامل للقتال وفتح المسارات الإنسانية، وفي نفس الوقت فتح الطريق لاستعادة المسار المدني الديمقراطي.
لقد طالبنا بالهدنة منذ شهور، قبل سقوط الفاشر، بل منذ بداية الحرب قبل عامين ونصف، لا كاستراحة محاربين بل كفرصة لإنقاذ المدنيين ووقف انهيار الدولة.
لكن المفارقة المؤلمة أن الدعوة نفسها عادت اليوم، بعد أن سقطت الفاشر وبارا وبدأ حصار الأبيض، وكأنّ توقيت الهدنة أصبح جزءًا من مشهد تقسيم الوطن لا إنقاذه.
فهل أصبحت دارفور بداية النهاية أم نهاية البداية ؟
لم يكن سقوط الفاشر حدثًا عابرًا في مجرى الحرب، بل لحظة فاصلة أعادت رسم خريطة السودان بدمٍ جديد وحدودٍ غامضة.
فالفاشر لم تكن مجرد مدينة، بل رمزًا لآخر خيوط الدولة المركزية الموحدة في دارفور، وبارا لم تكن سوى الباب الشرقي الذي يربط الإقليمين، دارفور وكردفان، ببعضهما البعض.
واليوم، مع بداية حصار الأبيض، تتشكل ملامح واقع جديد: وهو انفصال فعلي بلا استفتاء، وإن لم يُعلن بعد.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا تتكاثر الأصوات فجأة وهي تنادي بـ"هدنة الثلاثة أشهر"؟
لماذا لم نسمع هذا الحرص الإنساني قبل سقوط الفاشر؟
ولماذا يصبح الحديث عن السلام أكثر ضجيجًا كلما اقتربت لحظة الانقسام؟
هدنة الثلاثة أشهر؛ هل هي إنسانية حقًا؟
إننا نقول ومن حيث المبدأ، لا أحد يرفض الهدنة حين تكون لوقف نزيف المدنيين، لكن السؤال هنا عن توقيتها ومغزاها السياسي.
فالحديث المتصاعد عن "هدنة ثلاثة أشهر" بعد سقوط الفاشر مباشرة، يثير شكوكًا مشروعة:
هل هي هدنة لالتقاط الأنفاس الإنسانية؟ أم استراحة لمليشيا الدعم السريع الجنجويدية لإعادة ترتيب صفوفها، وتثبيت واقع الانقسام قبل الانتقال إلى المرحلة التالية في كردفان؟
إنها هدنةٌ في ظاهرها رحمة، وفي باطنها خطر داهم، فالمليشيا تحتاج الآن إلى وقت لتثبيت سلطتها على الأرض، وتلميع وجهها دوليًا عبر بوابة المساعدات الإنسانية.
والوسطاء الإقليميون والدوليون يعرفون ذلك جيدًا، لكنهم، بوعي أو بلا وعي، وبلا مبالاة، يمضون في ذات الاتجاه، وكأنما الهدف غير المعلن هو تقنين الانفصال عبر الهدنة.
فكردفان هي الإقليم التالي في الطابور، لأن بارا لم تسقط وحدها، بل سقطت معها خطوط الدفاع عن الأبيض، التي تواجه الآن حصارًا يشتد يومًا بعد يوم.
كردفان ليست بعيدة عن مصير دارفور، بل هي الامتداد الطبيعي لها جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
وما يحدث اليوم ليس مجرد معركة على الأرض، بل صراع على هوية السودان نفسه. وإذا استمر هذا المسار، فسنجد أنفسنا أمام واقع يتشكل فيه "كيانان بحكم الأمر الواقع": دارفور المنفصلة ذات السيطرة المليشياوية. وكردفان التي تتهيأ للسقوط في فوضى مشابهة، تمهد للانفصال الصامت.
أما المركز الذي انتقل الى بورتسودان ضعفاً وهواناً، فهو غارق في انقسامه الداخلي، بين سلطة عسكرية متراجعة وقوى مدنية عاجزة عن بناء جبهة موحدة توقف هذا النزيف.
نحن عبر البعد الرابع، وبلسان حشدوي مبين نفرق بين سقوط المدن وسقوط الوعي، فما يسقط في الميدان يمكن أن يُستعاد، ولكن ما يسقط في الوعي الوطني يصعب إحياؤه.
لقد تجاوزت الحرب حدود السلاح، وأصبحت حربًا على الذاكرة وعلى فكرة الوطن نفسه. فحين يُروَّج للهدنة كخلاصٍ، دون أن تُطرح بوضوح قضية وحدة البلاد، نكون قد بدأنا بالفعل في تقبّل الانقسام كأمرٍ طبيعي.
إن المطلوب اليوم ليس هدنةً بين الجيش والدعم السريع، بل هدنة وطنية بين القوى المدنية نفسها.
هدنة تعيد ترتيب الصفوف وتوحيد الموقف في مواجهة مشروع التقسيم.
فالمعركة الحقيقية لم تعد بين عسكري ومدني، ولا بين جيش ومليشيا، بل بين وطنٍ يُراد له أن يعيش موحداً ووطنٍ يُراد له أن يُقسَّم.
في النهاية، لا أحد يملك ترف الصمت بعد اليوم، فما يجري في الفاشر وبارا والأبيض ليس مجرد فصل في حرب، بل بداية خريطة جديدة تُرسم بالدم، والعين تغمض عنها باسم "الهدنة".
والتاريخ، حين يُكتب لاحقًا، لن يسأل من أطلق الرصاصة الأولى، بل من صمت حين كانت البلاد تُساق إلى الهاوية باسم السلام.
صديق أبوفواز الاثنين ٣ نوفمبر ٢٠٢٥م القاهرة
|
|