Post: #1
Title: أبو لولو ليس شخصاً، بل رمز لمنهج تحالف تأسيس.. كتبه عبدالغني بريش فيوف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 11-02-2025, 07:00 PM
07:00 PM November, 02 2025 سودانيز اون لاين عبدالغني بريش فيوف -USA مكتبتى رابط مختصر
في خضم الدخان المتصاعد من رماد مدينة الفاشر، وبينما لا تزال صرخات الضحايا تدوي في ضمير الإنسانية، تقدم لنا ميليشيا الدعم السريع، قائدة ما يسمى بتحالف تأسيس، فصلاً جديداً من مسرحيتها العبثية. على خشبة هذه المسرحية، نرى بطلا زائداً عن الحاجة، وغداً أضحى كبش فداء: المدعو أبو لولو، حيث أعلنت الميليشيا عن اعتقاله، ونشرت صورته خلف القضبان كدليل مزعوم على التزامها بالقانون ورفضها للانتهاكات. إنها محاولة ساذجة وغبية لتصوير جرائم الحرب الممنهجة والإبادة العرقية وكأنها انحراف فردي، وشذوذ معزول عن قاعدة السلوك العامة، لكن الحقيقة الساطعة التي لا يمكن حجبها بغربال الدعاية، هي أن أبو لولو ليس شخصاً، بل هو نظام، هو ليس مجرماً منفرداً، بل هو التجسيد الحي للمنهجية التي قام عليها تحالف تأسيس بأكمله. إن اختزال كارثة الفاشر، بكل ما حملته من فظائع موثقة بالصوت والصورة وشهادات الناجين وتقارير الأقمار الصناعية، في شخصية جزار القرن، هو جريمة بحق الذاكرة والعدالة. إنها خدعة تهدف إلى غسل أيدي التحالف بأكمله من الدماء التي أريقت، وتقديم قربان رخيص للرأي العام المحلي والدولي، بينما يستمر المحرك الحقيقي لهذه الجرائم في العمل. تحميل المسؤولية لفرد واحد هو إقرار ضمني بالجريمة، ولكنه في الوقت نفسه محاولة يائسة للهروب من المسؤولية الكبرى: المسؤولية المؤسسية والسياسية والأخلاقية التي تقع على عاتق كل من انضوى تحت لواء هذا التحالف. عزيزي القارئ.. دعونا نتأمل توقيت وطبيعة هذا الاعتقال، الذي لم يأتِ كرد فعل فوري على سلوك شائن، بل جاء بعد أن اجتاحت مقاطع الفيديو المروّعة التي يظهر فيها أبو لولو وهو يعدم مدنيين عزّل بدم بارد، منصات التواصل الاجتماعي، وأثارت غضبا عالميا. جاء الإعلان بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر بالكامل، وارتكبت فيها مذبحة استمرت 48 ساعة وأودت بحياة أكثر من 10000 مدني. جاء بعد أن وثقت منظمة الصحة العالمية مقتل أكثر من 460 شخصاً داخل مستشفى الولادة، وبعد أن تحدث مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل عن أدلة ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وربما الإبادة الجماعية. خلص تقرير مختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل إلى أن أفعال قوات الدعم السريع قد تتماشى مع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. في هذا السياق، يبدو بيان الدعم السريع حول اعتقال عدد من مقاتليها وتشكيل لجان قانونية للتحقيق معهم، نكتة سمجة، إذ كيف يمكن تصديق هذه الادعاءات من ذات الجهة التي نفت نفيا قاطعا، ارتكاب مذبحة المستشفى ووصفت الاتهامات بأنها حملة دعائية مكثفة؟ إن هذا التناقض الصارخ يفضح النية الحقيقية: احتواء الغضب، وتقديم كبش فداء، ثم المضي قدماً في نفس النهج. المشهد الأكثر دلالة، ليس إطلاق أبو لولو للنار، بل هتاف الجنود من حوله باسمه، وهذا لم يكن عملا فرديا في الظلام، بل كان استعراضا للقوة والوحشية في وضح النهار، وسط تشجيع وتهليل من رفاقه. هذا يؤكد أن سلوكه لم يكن انحرافا، بل كان نموذجا يُحتذى به داخل هذه القواتن لقد كان أبو لولو، يطبق العقيدة العسكرية والروح القتالية التي تم تدريبهم عليها: عقيدة الإبادة والتطهير العرقي التي لا ترى في الآخر سوى هدف مشروع للإذلال والقتل.. أبو لولو، لم يكن استثناءا، بل كان القاعدة. تحالف تأسيس: الهيكل السياسي الذي أنتج الوحش.. وهنا نصل إلى جوهر المشكلة، وهو ما تحاول مسرحية الاعتقال التغطية عليه بذكاء خادع، وهو إن قوات الدعم السريع لا تعمل في فراغ سياسي، إنها الذراع العسكري لكيان أوسع وأكثر تعقيدا يُدعى تحالف تأسيس، وهو مظلة تجمع تحتها حركات مسلحة أخرى، وأحزاب سياسية، وكيانات تدّعي أنها مدنية. هؤلاء الشركاء السياسيون والمدنيون في تأسيس، ليسوا مجرد متفرجين أبرياء، بل وفروا، وما زالوا يوفرون، الغطاء السياسي والأيديولوجي لآلة الحرب الوحشية التابعة لميليشيا الدعم السريع. لقد صمتوا صمت القبور، بينما كانت مدن دارفور تُحرق قرية تلو الأخرى، لقد برروا التقدم العسكري للميليشيا باعتباره تحريرا ومسارا نحو الديمقراطية ومحاربة الفلول والإسلاميين، بينما كان هذا التقدم مرادفاً للنهب الممنهج، والاغتصاب كسلاح حرب، والإعدامات الميدانية. لا يمكن لأي حزب سياسي أو منظمة مدنية أن تدعي البراءة وهي شريكة في تحالف تقوده ميليشيا تمارس التطهير العرقي. إن المسؤولية تضامنية، والسكوت عن الجريمة هو مشاركة فعلية فيها. إن أي مكسب سياسي يأمل هؤلاء الشركاء في تحقيقه، هو مكسب ملطخ بدماء أطفال الفاشر ونساء وشيوخ بارا. لقد راهنوا على حصان خاسر أخلاقيا، وباتوا جزءا لا يتجزأ من المشروع الإجرامي، وعندما يرتكب الذراع العسكري للتحالف إبادة جماعية وتطهير عرقي، فإن الذراع السياسي والمدني لذلك التحالف يتحمل المسؤولية كاملة، إذ لا يمكن فصل رأس التحالف عن جسده، فكلهم في مركب واحد، مركب يتجه نحو محكمة التاريخ، ومحكمة الجنايات الدولية. المسؤولية السياسية: تقع على عاتق الأحزاب التي قدمت الشرعية لتحركات الميليشيا. المسؤولية الأخلاقية: تقع على عاتق الكيانات "المدنية" التي صمتت عن الفظائع مقابل وعود بمقاعد في حكومة مستقبلية. المسؤولية الجنائية: تقع على عاتق القادة العسكريين والسياسيين الذين خططوا وأمروا ونفذوا هذه الجرائم. تحالف تأسيس، هو أبو لولو، بصيغة الجمع، حيث كل بيان سياسي يصدرونه لتبرير الحرب هو بمثابة الرصاصة التي أطلقها أبو لولو، وكل اجتماع يعقدونه تحت مظلة هذا التحالف، هو بمثابة الهتاف الذي شجع أبو لولو على مواصلة القتل. شهادات من الجحيم وعدوى الوحشية.. ما حدث في الفاشر، وما يحدث الآن في شمال كردفان، ليس مجرد انتهاكات عابرة كما تحب ميليشيا الدعم السريع أن تصفها. إنها منهجية عمل، وفصل جديد في حرب إبادة ممتدة، حيث ان شهادات الناجين الذين وصلوا إلى طويلة تروي قصصا تفطر القلب عن قتل الأطفال أمام ذويهم، وعن استهداف الفارين بالنهب والاعتداء. هذه ليست أضرارا جانبية للحرب، بل هي أهداف الحرب نفسها: كسر إرادة مجتمعات بأكملها، وتغيير ديمغرافية الأرض بالقوة، وإرهاب كل من يقف في طريق المشروع. قد حذر كبار مسؤولي الأمم المتحدة من هذا الخطر بوضوح تام، فولكر تورك، رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تحدث عن تصاعد خطر الانتهاكات والفظائع ذات الدوافع العرقية. توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية، أبلغ مجلس الأمن أن الرعب مستمر، وشكك صراحة في جدية التزام ميليشيا الدعم السريع بأي تحقيق. والأخطر من ذلك، هو امتداد هذه الوحشية خارج دارفور، وما وثقته الأمم المتحدة في بلدة بارا بشمال كردفان، من فظائع واسعة النطاق وعمليات انتقامية ذات دوافع عرقية، ومقتل 50 مدنياً بينهم متطوعون في الهلال الأحمر، يؤكد أننا أمام وباء إجرامي ينتشر. إنه يثبت أن ما جرى في الفاشر، ليس حادثا معزولا، بل هو نموذج العمل الذي تسعى قوات الدعم السريع، الذراع العسكري لتأسيس، إلى تعميمه في كل منطقة تسيطر عليها. في النهاية، يجب أن يكون واضحاً للجميع، في السودان وخارجه، أن العدالة لن تتحقق بتقديم أبو لولو كقربان. إن العدالة الحقيقية تبدأ من الاعتراف بأن أبو لولو هو العرَض وليس المرض، المرض هو البنية الكاملة لتحالف تأسيس، هذا الخليط غير المقدس من الطموح السياسي الوحشي والقوة العسكرية الغاشمة التي لا تعرف قانوناً ولا أخلاقاً. إن المسؤولية لا تقع فقط على من ضغط على الزناد، بل على كل من عبّد له الطريق، وكل من صفق له في العلن، وكل من همس له بالتبريرات في الغرف المغلقة. المسؤولية تقع على القادة السياسيين الذين رأوا في هذه الميليشيا حصان طروادة للوصول إلى السلطة، وتغاضوا عن سجلها الدموي الحافل. إن أي محاولة لتلميع صورة هذا التحالف عبر التضحية ببعض الأفراد، هي إهانة لذكاء الشعب السوداني ولأرواح الضحايا. أبو لولو، ليس مجرد فرد، بل هو عقيدة ونظام، وهو الوجه الحقيقي لتحالف تأسيس عندما تسقط أقنعة الخطاب السياسي، فلا تنطلي المسرحية الغبية! إن المحاسبة يجب أن تطال الهيكل بأكمله، من القمة إلى القاعدة، حتى لا يتكرر مشهد الفاشر في مدينة سودانية أخرى غداً.
|
|