من الجنينة إلى الفاشر يكتب الدم السوداني قصة وجع لا تنتهي كتبه الطيب محمد جادة

من الجنينة إلى الفاشر يكتب الدم السوداني قصة وجع لا تنتهي كتبه الطيب محمد جادة


10-30-2025, 11:00 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1761822001&rn=0


Post: #1
Title: من الجنينة إلى الفاشر يكتب الدم السوداني قصة وجع لا تنتهي كتبه الطيب محمد جادة
Author: الطيب محمد جاده
Date: 10-30-2025, 11:00 AM

12:00 PM October, 30 2025

سودانيز اون لاين
الطيب محمد جاده-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




في غرب السودان، تمتد المأساة من مدينة الجنينة إلى الفاشر، على طول طريقٍ تناثرت عليه الجثث والذكريات الممزقة، لتكتب فصلاً جديداً من فصول الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون في دارفور على يد مليشيات الدعم السريع، وسط صمت دولي مريب يُثير الأسى والدهشة معاً.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، تحولت مدينة الجنينة – عاصمة ولاية غرب دارفور – إلى بؤرة للدمار والقتل المنظم. تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية وثّقت جرائم مروعة: قتل جماعي، حرق للأحياء السكنية، اغتصاب، ونهب شامل للمنازل والممتلكات.
لم تترك المليشيات بيتاً آمناً ولا مأوى إلا واستباحته، واستهدفت بالأساس المجموعات السكانية من قبائل محددة، في نمط يُعيد إلى الأذهان أبشع ما شهدته دارفور عام 2003.
الناجون من الجحيم تحدثوا عن مشاهد مروعة: جثث تُترك في الطرقات، نساء يفررن بأطفالهن إلى الحدود التشادية حفاة، وشيوخ يختبئون في الجبال دون ماء أو دواء. ومع ذلك، لم تُعلن أي جهة دولية حتى اليوم عن تحرك حقيقي لوقف هذه الكارثة الإنسانية.
ما إن خمدت نيران الجنينة قليلاً حتى انتقلت المأساة شمالاً إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تحولت خلال عام 2024 إلى آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، وأصبحت هدفاً رئيسياً لمليشيات الدعم السريع.
منذ أشهر، يعيش نحو مليون ونصف المليون نسمة في المدينة تحت حصار خانق: الغذاء نادر، المياه شحيحة، الدواء مفقود، والمستشفيات خارج الخدمة. كل يوم تسقط قذائف على الأحياء السكنية والأسواق والمخيمات. عشرات المدنيين يُقتلون أسبوعياً، والنازحون لا يجدون مأوى سوى بين الركام.
تقارير الأمم المتحدة الصادرة في أكتوبر 2025 أكدت مقتل أكثر من 90 مدنياً في شهر واحد فقط، فيما أعلنت منظمات إنسانية عن مقتل تسعة من موظفيها أثناء محاولتهم إيصال المساعدات إلى مخيم زمزم، الذي بات رمزاً لمعاناة دارفور الجديدة.
ليست هذه أعمال حرب عشوائية، بل عمليات منظمة تستهدف المدنيين بشكل مباشر. الدعم السريع – وفق شهادات موثقة – يعتمد سياسة “الأرض المحروقة”: تدمير القرى والمخيمات، قطع الإمدادات الغذائية، وحصار المدن إلى أن تنهار.
الهجمات على مخيمات النازحين كزمزم وكُتُم والطلّع، إضافة إلى قصف الأسواق الشعبية والمراكز الصحية، تشكل في مجملها نمطاً واضحاً من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بل ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية بحسب معايير القانون الدولي.
ورغم فظاعة ما يجري، يقف المجتمع الدولي متفرجاً، يكتفي بالبيانات والتصريحات، دون اتخاذ أي خطوات عملية. لم تُفرض عقوبات فعالة على قادة المليشيات، ولم يُفتح تحقيق دولي جاد، ولم تُوفّر الحماية للمدنيين.
حتى مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يتحمل مسؤولية حفظ السلم والأمن الدوليين، بدا عاجزاً أمام الانقسامات السياسية ومصالح الدول الكبرى. هذا الصمت لا يقل خطورة عن الجريمة ذاتها، لأنه يمنح الجناة شعوراً بالإفلات من العقاب، ويُغريهم بالمزيد من القتل.
تقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 12 مليون سوداني نزحوا داخلياً أو لجأوا إلى دول الجوار منذ اندلاع الحرب، معظمهم من إقليم دارفور. الحدود التشادية امتلأت بعشرات الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون في ظروف مأساوية. الأطفال بلا تعليم، النساء بلا مأوى، والرجال بين قتيل ومفقود.
وفي الداخل، يعيش ملايين في خوف دائم من القصف أو الاغتصاب أو الاختطاف، بينما الاقتصاد السوداني ينهار، والنظام الصحي يكاد يختفي.
الصور القادمة من الفاشر والجنينة تُذكّر العالم برواندا 1994 والبوسنة في التسعينات. لكن الفرق أن العالم هذه المرة يرى ويسمع، ثم يصمت.
ما يحدث في دارفور اليوم ليس شأناً سودانياً داخلياً فحسب، بل قضية إنسانية وأخلاقية عالمية. فحين يُقتل المدنيون على الهوية، وتُدمَّر المدن على رؤوس ساكنيها، فإن السكوت يصبح تواطؤاً، والصمت جريمة.
ينبغي على الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، أن يتحركوا فوراً لوقف القتال، وإرسال بعثة حماية مدنية عاجلة، وفرض ممرات إنسانية آمنة. كما يجب توثيق الجرائم ومحاسبة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، دون استثناء أو مساومة.
من الجنينة إلى الفاشر، يكتب الدم السوداني قصة وجع لا تنتهي. عشرات الآلاف من الأرواح أُزهقت، وملايين هجّروا من بيوتهم، والعالم يكتفي بالمشاهدة.
إن دارفور اليوم لا تحتاج إلى بيانات الشجب، بل إلى إرادة دولية حقيقية توقف نزيفها المستمر، لأن صمت القبور هذا لن يغفره التاريخ.