Post: #1
Title: الفاشر: من نصر الميدان إلى واقعية الدولة — أصداء خطاب القايد الرئيس حميدتي بعد التحرير كتبه د. أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 10-29-2025, 10:39 PM
11:39 PM October, 29 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
«تحرير الفاشر ليس دعوةً للانفصال، بل بداية لوحدةٍ وطنيةٍ جديدة تُكتب بدماء الشرفاء.» — محمد حمدان دقلو، رئيس المجلس الرئاسي للتأسيس وقائد قوات الدعم السريع
١. من لغة البندقية إلى لغة الدولة لأول مرة منذ اندلاع الحرب، يتحدث القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي) بلسانٍ واضح يعكس انتقالًا في الوعي السياسي من منطق الميدان إلى منطق الدولة. في خطابه بعد تحرير الفاشر، لم يتحدث عن النصر بلغة الاستعراض، بل بلغة المسؤولية الوطنية. أكد على وحدة السودان، رفض الانقسام، وأعلن بوضوح أن تحرير الفاشر لم يكن مشروع انفصال، بل خطوة نحو سلامٍ دائمٍ ووحدةٍ متجددة.
العبارات المحورية مثل: «أي شخص يدعو لانفصال دارفور أو كردفان أو الشمال هو شخص لم يقرأ المشهد.» و«تحرير الفاشر تحول لصالح وحدة السودان سلامًا أو حربًا.» تعبّر عن تحوّل جوهري في خطاب قوات الدعم السريع، من خطاب مقاومةٍ محليةٍ إلى خطاب تأسيسٍ وطنيٍ شاملٍ يؤكد وحدة التراب السوداني ورفض أي مشروع تفتيت.
٢. الواقعية السياسية والجرأة في الاعتراف تميّز الخطاب بواقعيةٍ نادرة في تاريخ القيادات العسكرية السودانية؛ فقد أقرّ القائد العسكري بوقوع تجاوزات في الفاشر، وأعلن أن لجان التحقيق وصلت المدينة وبدأت عملها، وأن نتائجها ستُنشر للرأي العام. هذه الجملة وحدها تمثل سابقة في الوعي المؤسسي، وتؤسس لمبدأ المساءلة والمكاشفة داخل الجيش الجديد قيد التأسيس.
كما وجّه و هو يلبس قبعة رييس سلطةً التحالف بمراجعة فورية لأي مدني محتجز وإطلاق سراحه، ودعا المنظمات الدولية والإقليمية إلى دخول الفاشر ودارفور لتقديم الإغاثة. هذا التحول من المنع إلى الدعوة هو جوهر الدولة المدنية الجديدة التي تبنى على الشفافية واحترام القانون.
٣. من الفاشر إلى بارا: الاستفتاء الشعبي الحقيقي في لحظة رمزية، أشار حميدتي إلى خروج سكان مدينة بارا ترحيبًا بالدعم السريع بعد تحريرها، واعتبره «استفتاءً حقيقيًا». هذه العبارة تُظهر إدراكًا سياسيًا بأن الشرعية لا تُمنح بالبندقية بل بقبول الناس. لقد أراد أن يقول إن مشروع التأسيس ليس مشروع سلطةٍ، بل مشروع تحريرٍ اجتماعيٍ وسياسيٍ يعيد الثقة بين الشعب والجيش.
٤. الجيش والدولة: من الوصاية إلى الخدمة من النقاط الأكثر جرأة في الخطاب قول القائد: «الجيش ليس حاميًا للدستور، بل حاميًا لحدود الوطن.» بهذه العبارة، أعاد تعريف العلاقة بين المؤسسة العسكرية والدولة، وأعلن عمليًا نهاية فكرة «الجيش الحاكم». كما شدّد على أن شرط أي تفاوض هو قيام حكومة مدنية كاملة الدسم وجيش جديد (لنج) خاضع لرئيس مدني. وهذا ما يتطابق مع رؤية تحالف تأسيس السودان التي تنادي بجيش قومي موحد، ومؤسسات جديدة غير خاضعة للإرث الكيزاني.
٥. التوازن بين الصراحة والرسائل الإقليمية في خطابه أيضًا، اتهم حميدتي صراحةً جماعات إرهابية مدعومة من دول راعية للإرهاب بالمشاركة في الحرب ضد مشروع التغيير. هذا الاتهام الموجّه يفتح بابًا واسعًا للنقاش الدولي حول دور دولة عربية بالتحديد في تأجيج الصراع السوداني. لكن الخطاب، في الوقت ذاته، لم يُغلق باب السلام، بل أكد: «نحن لا نرفض السلام… نحن مع السلام والعدالة والديمقراطية الحقيقية.» هنا تظهر نبرة تصالحية محسوبة تجمع بين الصلابة في الميدان والمرونة في السياسة، وهي السمة التي بدأت تُميز القيادة الرئاسية التأسيسية في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة.
٦. السودان الجديد: بين الواقعية والممكن إن خطاب القايد حميدتي ليس مجرد بيان سياسي؛ إنه وثيقة انتقال وطني تُعبّر عن بداية عهد جديد تُبنى فيه الدولة على أسسٍ من الصدق، والمساءلة، والوحدة. لقد تحدث الرجل بلسان من خاض الحرب ويبحث الآن عن السلام، وبعقل من اكتوى بنيران المركزية ويريد أن يُطفئها بمشروع سودان جديد عادل ومتوازن.
ولعل أهم ما في الخطاب أنه كسر الصورة النمطية القديمة لقائد الميدان، وأعاد تعريفه كرئيس مجلسٍ رئاسيٍّ مؤسسٍ لدولةٍ مدنيةٍ قادمة.
الفاشر اليوم ليست مدينة محررة فقط، بل منصة انطلاق لسلامٍ دائمٍ وعدالةٍ شاملةٍ، وميلاد السودان الجديد الذي لن يُحكم بعد اليوم بالعقيدة أو القبيلة.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي مؤسس في تحالف تأسيس ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
|
|