Post: #1
Title: المُؤرِّخُ الكَسُولُ وَعَرَّابُهُ الانقِلَابِيُّ الثَّانِي يا كَحِيل!!! كتبه الأمين مصطفى
Author: الأمين مصطفى
Date: 10-29-2025, 10:32 PM
11:32 PM October, 29 2025 سودانيز اون لاين الأمين مصطفى-السودان مكتبتى رابط مختصر
يقولون إنَّ التاريخَ لا يرحمُ، لكنَّ صاحبَنا – المُؤرِّخَ الكَسُولَ – اكتشفَ أنَّ التاريخَ في الحقيقةِ رجلٌ طيِّبٌ، يمكنُ إرضاؤهُ بفنجانِ نسيانٍ صغيرٍ وبعضِ الغفلةِ الفاخرةِ! فكلَّما ضاقتْ به الحقائقُ، هرولَ نحوَ الرواياتِ كمنْ يبحثُ عن مقعدٍ شاغرٍ في باصِ المجدِ، وكلَّما أثقلَهُ التوثيقُ الدقيقُ، استنجدَ بأقوالِ “العرّاب” الذي لا يملُّ من إعادةِ تصميمِ الماضي على مقاسِ بطولتِه المزعومة. عَرَّابُ الانقِلابيِّ الثَّاني – كما يُلقِّبهُ البعضُ بمودّةٍ عجيبةٍ – لم يكتفِ بأنْ يعبثَ بالحاضرِ حتى جعلهُ لوحةَ فوضى، بل مدَّ يدَهُ الكريمةَ إلى الماضي ليضعَ اسمَهُ بينَ شهداءِ الفكرِ والثوراتِ! ففي روايتِه الشهيرةِ التي نثرتها قناةُ الجزيرةِ في سلسلةِ “شاهد على العصر”، جلسَ العرّابُ بوقارِ من اكتشفَ العجلةَ قبلَ الفراعنةِ، وأخبرَنا، بكلِّ ثقةِ المُلهمينَ، أنَّهُ الشرارةُ الفكريّةُ التي أشعلتْ ثورةَ أكتوبر 1964، وأنَّ كلمتَهُ الناريّةَ في الندوةِ كانتْ كفيلةً بإسقاطِ النظامِ العسكريّ وإشعالِ الثورةِ الشعبيّة. لكنْ مهلاً يا جماهيرَ الخير! دعونا نُبطئُ الخطى قبلَ أن نُصفّقَ بحماسٍ. فمنْ يعودُ إلى أرشيفِ الجامعةِ ومحاضرِ تلكَ الندوةِ وشهاداتِ من حضروا، يدركُ أنَّ سيادتَهُ لم يكنْ مدعوًّا من الأصلِ! بل لم يُرَ في المكانِ أصلًا، لا هو ولا أيُّ سياسيٍّ خارجَ أسوارِ الجامعةِ. ومع ذلك، دخلَ “العرّابُ” المشهدَ بعدَ عقودٍ من الغيابِ البطوليّ، وأعادَ ترتيبَ الصورِ القديمةِ ليجدَ لنفسِه زاويةً مناسبةً في مقدّمةِ الإطارِ! آهٍ يا براعةَ “الكسلِ التاريخيّ”! حينَ يُلقى بالوثيقةِ جانبًا وتُستبدلُ بخُطبةٍ تلفزيونيّةٍ مصقولةٍ بالإعجابِ الذاتيّ، فيتحوّلُ الوهمُ إلى حقيقةٍ بالتكرارِ، تمامًا كما يتحوّلُ إعلانُ الشامبو إلى نظريةٍ علميّةٍ في الجمال. ولأنَّهُ مُؤرِّخٌ كسولٌ يعشقُ الانقلاباتِ وعرّابيها، فلنْ يُتعبَ نفسَهُ بأسئلةِ الحضورِ والغيابِ. ما يهمُّهُ هو هذا الشغفُ الفلسفيُّ لدى “العرّابِ” بإعادةِ كتابةِ التاريخِ بحيثُ يبدو دومًا في الصفِّ الأولِ، وسطَ الهتافِ، بينما التاريخُ نفسُهُ يقفُ في آخرِ الصفِّ حائرًا يسأل: “هو كان هنا ولا لأ؟”. لكنَّ التاريخَ – على كسلِه – لا يُخدَعُ طويلًا. فالتوثيقُ لا يُكتَبُ بالرغباتِ، والثوراتُ لا تُصاغُ بأثرٍ رجعيٍّ من مقاعدِ البرامجِ التلفزيونيّة. وإنْ كانتْ ثمَّةُ عِبرةٌ تُقالُ، فهي أنَّ “الانقلابيَّ الثاني” – مثلَ الأوَّلِ – لم يكتفِ بانقلابٍ على السلطةِ، بل انقلبَ أيضًا على الحقيقةِ ذاتِها، وضربَها “بمنهجٍ تأويليٍّ” حتى صارتْ تتصبَّبُ عرقًا من الحيرةِ. ثمَّ ذهبَ العرّابُ الأوَّلُ والثاني إلى قبورِهم، واصطحبا الحقيقةَ معهما في إجازةٍ مفتوحةٍ إلى أجلٍ غيرِ مسمّى، بينما الحواريونَ – رحمَ اللهُ حماستَهم – ما زالوا يُعيدونَ تدويرَ الأكاذيبِ بحماسِ موظَّفٍ في مصنعِ البلاستيكِ… إلّا إذا كانَ المُتلقّي " كَحِيل"!!
|
|