Post: #1
Title: قراءة تحليلية في المشهد السوداني: بين التعبئة للحرب وجراح الفاشر
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 10-29-2025, 05:34 PM
06:34 PM October, 29 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
لحظة وجودية في تاريخ الدولة السودانية
يمر السودان بلحظة تاريخية حرجة تتقاطع فيها السياسة مع السلاح، والسلطة مع البقاء، في مشهد يعكس أزمة وجودية عميقة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. تتجاوز الأزمة حدود الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتكشف عن مأزق أيديولوجي وسياسي يتمثل في محاولة بعض القوى، وعلى رأسها الحركة الإسلامية، استثمار الحرب كأداة للبقاء واستعادة نفوذها بعد سقوطها بثورة ديسمبر 2019. في المقابل، تقف قوى مدنية وسياسية تحذر من أن استمرار الحرب يعني انهيار الدولة واندثار ما تبقى من النسيج الوطني. أولاً: الاستراتيجية السياسية للحركة الإسلامية – التعبئة كأداة بقاء في اجتماعات مغلقة جمعت قياداتها السياسية والعسكرية، توصلت الحركة الإسلامية، بقيادة علي كرتي، إلى تقدير موقف يرى أن أخطر ما يواجهها يتمثل في: الضغوط الدولية (الآلية الرباعية ومنبر جدة)، التي تسعى لفصلها عن الجيش واستبعادها من أي تسوية قادمة. وقف إطلاق النار، الذي تعتبره الحركة تهديدًا لمكاسبها الميدانية وإعادة لـ"قوى الثورة" إلى الساحة السياسية. بناءً على ذلك، أطلقت الحركة حملة "التعبئة العامة" كخيار وجودي، تتضمن: تعبئة دينية وإعلامية لتبرير الحرب تحت شعارات مثل "المجد للبندقية". عزل العناصر "المتساهلة" داخل الجيش أو الرافضة للتصعيد. إفشال المبادرات الدولية التي تدعو إلى وقف الحرب. من منظور الحركة، هذه الاستراتيجية عقلانية لحماية مشروعها السياسي والديني، لكنها في الواقع حولت الحرب إلى أداة سياسية في صراع على الشرعية والسلطة، متجاهلة الانهيار الاقتصادي الكارثي (تضخم يفوق 300%) والنزوح الجماعي الذي تجاوز 10 ملايين سوداني وفق تقديرات الأمم المتحدة. ثانياً: المأساة الميدانية – الفاشر كرمز لانهيار الدولة والضمير بينما تُدار غرف التعبئة في الظل، يعيش المدنيون في الفاشر وبارا جحيماً يومياً. وثّقت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشونال انتهاكات مروعة شملت: قصفاً عشوائياً للأحياء السكنية أدى إلى مقتل المئات. عمليات اغتصاب ونهب واسعة، تجاوزت 500 حالة موثقة خلال عام 2025. تجويعاً ممنهجاً عبر منع المساعدات، مما أدى إلى مجاعة في مخيمات مثل زامزام وأبو شوك. يقول بابكر فيصل، القيادي في تحالف "صمود"، إنّ قوات الدعم السريع تتحمل المسؤولية الكبرى عن هذه الجرائم، لكنه يضيف أن الجيش بدوره دعم ميليشيات قبلية زادت الوضع اشتعالاً. ويرى أن "القبلية والجهوية أصبحت وقوداً للحرب"، وأن خطاب الكراهية المنتشر على وسائل التواصل "غرس بذور تقسيم دائم بين السودانيين". بهذا المعنى، تحولت الفاشر من ساحة مواجهة عسكرية إلى جرح رمزي في جسد الوطن، يعكس مدى تفكك السلطة وفقدان الضمير الجمعي. ثالثاً: قراءة نقدية – من يدير الحرب ولمصلحة من؟ تكشف القراءة النقدية أن الحرب الحالية ليست فقط مواجهة عسكرية، بل نتيجة مباشرة لفشل المشروع السياسي للحركة الإسلامية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021. فعندما عجزت عن السيطرة عبر الأدوات السياسية، لجأت إلى "التعبئة الدينية والعسكرية" لاستعادة المشهد. ويلاحظ مراقبون أن الخطاب التعبوي الجديد، بشعاراته الدينية والعسكرية، يُستخدم لتبرير الحرب ضد "الخونة والعملاء"، وهو ما يفتح الباب أمام انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين، كما حدث في دارفور. السؤال الجوهري الذي يطرحه المراقبون هو: كيف تدعو هذه الحركة إلى "الدفاع عن الوطن" بينما تحوّل خطابها الإعلامي إلى أداة لتمزيق المجتمع؟ الإجابة تكمن في أن أولويتها ليست الوطن بل البقاء السياسي والأيديولوجي، ولو كان الثمن هو تفكك السودان نفسه. رابعاً: المشاريع المتصارعة – حرب حتى النهاية أم سلام للبقاء؟ من قلب المأساة، يبرز مشروعان متضادان يحددان مستقبل البلاد: الاتجاه الداعمون الأسس المخاطر مشروع التعبئة والتصعيد الحركة الإسلامية، فصائل داخل الجيش استمرار الحرب حتى "النصر الكامل" واستعادة المشروع الإسلامي تفكك الدولة، مجاعة واسعة، تدخل خارجي مشروع السلام والانتقال المدني قوى مدنية (تقدم، صمود)، بعض الضباط، دعم دولي وقف فوري لإطلاق النار، عزل القيادات المثيرة للجدل (البرهان، حميدتي)، انتقال مدني عودة الإسلاميين عبر الانتخابات أو انهيار المؤسسة العسكرية
يرى مراقبون أن المشروع الثاني، رغم مخاطره، هو الأكثر واقعية وإنسانية، لأنه يوقف نزيف الدم ويعيد بناء الثقة الوطنية. أما مشروع التعبئة فيغذي الحرب الأهلية ويهدد بانفصال دارفور وكردفان وتحول السودان إلى "صومال جديد" في قلب إفريقيا.
على مفترق طرق
يقف السودان اليوم على حافة الهاوية. المشهد لا يمكن اختزاله في صراع بين جيش وميليشيا، بل هو صراع بين رؤيتين للوجود الوطني:
رؤية ترى خلاصها في الحرب والتعبئة الأيديولوجية.
ورؤية تنشد السلام كشرط للبقاء واستعادة الدولة.
ومع سقوط الفاشر الكامل، تتجاوز الأسئلة حدود السياسة إلى سؤال وجودي:
هل يبقى هناك وطن يمكن العيش فيه بعد أن تبرد جمرة الحرب؟
الجواب ليس في البنادق ولا في غرف العمليات، بل في عودة الشعب كمصدر وحيد للشرعية، وفرض إرادته لوقف الحرب قبل أن يُمحى اسم السودان من خرائط التاريخ والجغرافيا معاً.
|
|