جامعة إفريقيا.. منارة لا يُطفئها رماد الحرب كتبه د. ياسر محجوب الحسين

جامعة إفريقيا.. منارة لا يُطفئها رماد الحرب كتبه د. ياسر محجوب الحسين


10-25-2025, 10:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1761428163&rn=0


Post: #1
Title: جامعة إفريقيا.. منارة لا يُطفئها رماد الحرب كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 10-25-2025, 10:36 PM

10:36 PM October, 25 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة


بين ذراعي الخرطوم الحانيتين، وعند ملتقى النيلين، حيث يعانق التاريخ ضفاف العلم، تقف جامعة إفريقيا العالمية شاهدةً على صمود القارة وإصرارها على الحياة. ليست مجرد صرحٍ أكاديمي، بل قارةٌ مصغّرة تتشابك فيها ألوان البشر ولهجاتهم، وتتآلف أروقتها بلغاتٍ متعددة توحّدها روح العلم والإيمان.



منذ تأسيسها باسم "المركز الإسلامي الإفريقي" حتى تحولها إلى "جامعة إفريقيا العالمية"، ظلت الجامعة قبلةً لطلاب العلم من مختلف أرجاء القارة السمراء. واليوم، ينهل من معينها أكثر من عشرين ألف طالب وطالبة من نحو تسعين دولة، يلتقون على مقاعدها حاملين أحلاما كبيرة لموطن إفريقي أكثر علما، وعدلا، ونورا. خريجوها ينتشرون في ربوع القارة كأنهم نهرٌ من الكفاءات، يسقون مجتمعاتهم علما وخدمةً وإلهاما.



ما يميّز هذه الجامعة ليس فقط هذا التنوّع البشري المدهش، بل قدرتها الفريدة على صناعة الفكر وتوليد المعرفة عبر مؤتمرات علمية باتت علامات فارقة في الذاكرة الأكاديمية الإفريقية. فمنذ ملتقى الجامعات الإفريقية الذي تزامن مع القمة الإفريقية في الخرطوم، مرورا بـ (مؤتمر الإسلام في إفريقيا) الذي جمع 360 عالِما وباحثا من ثلاث قارات، وأثمر أربعة عشر كتابا ومجلدا علميا بثلاث لغات، أثبتت الجامعة أنها ليست مؤسسة تعليمية فحسب، بل محرّكٌ فكريّ حقيقي.



لقد احتضنت قاعاتها مؤتمرات تركت أثرا عميقا، مثل مؤتمر تخليد المزروعي رمز الفكر الإفريقي، ومؤتمر طرق الحج في إفريقيا الذي أحيا ذاكرة الطريق الروحي العريق بين شعوب القارة، ومؤتمر العلاقات الصينية العربية والإفريقية الذي أعاد قراءة موازين التعاون بين الجنوب والجنوب. ثم جاء مؤتمر الهدايات القرآنية ليربط بين القيم والمجتمع، قبل أن تختتم الجامعة عام 2023 بمؤتمر "خطاب الكراهية في المجتمع السوداني: التحديات والحلول"، الذي فتح نوافذ الفكر على أسئلة التعايش والسلم الاجتماعي.



ورغم أن نيران الحرب الأخيرة اتت على بنيتها التحتية ومعاملها ومكتباتها وقاعاتها، فإن الجامعة لم تنحنِ. فكما تنبت الزهرة في شقوق الصخر، عادت تحاول النهوض بجهود ذاتية جبارة من منسوبيها – أساتذةً وطلابا وموظفين – يرمّمون بقلوبهم ما هدمته البنادق. في زمنٍ غاب فيه الدعم الرسمي، نهضت الجامعة بإرادةٍ تصنع المعجزات، لتقول للعالم: إن الفكرة لا تُقصف، وإن العلم لا يموت.



واليوم، وهي تتهيّأ لعقد مؤتمرها الدولي القادم في يناير 2026 تحت عنوان "دور الجامعات في إعادة الإعمار عقب الحروب والأزمات"، تعلن جامعة إفريقيا العالمية أنها لا تكتفي بتضميد جراحها، بل تمضي لتكون منبرًا لإعادة بناء الوطن والإنسان.



من بين أنقاض الحرب، تتلألأ قاعاتها من جديد، وكأنها تهمس بمقولة خالدة:



"قد يحترق السقف، لكن المصباح لا ينطفئ."



هذه الجامعة، التي حملت إفريقيا في اسمها، ما زالت تحملها في وجدانها وسويداء قلوب أساتذتها البررة، وتكتب فصول نهضتها من جديد: بالحرف، والفكر، والإيمان بأن الغد أجمل.