Post: #1
Title: المرأة في قلب الأزمة السودانية تصنع التغيير بنفسها كتبه مها طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 10-25-2025, 10:33 PM
10:33 PM October, 25 2025 سودانيز اون لاين مها الهادي طبيق-Sudan مكتبتى رابط مختصر
عندما تنهار الدول ، بسقوط النظام السياسي تتداعى معه منظومة القيم التي تحفظ العدالة والأمن والكرامة الإنسانية . وفي السودان ، الذي يعيش أحد أعقد انهياراته في التاريخ الحديث ، كانت المرأة في قلب المأساة — الضحية الصامتة للحرب والسياسة معًا . لكن وسط هذا الانكسار العميق ، تولد إمكانية جديدة هي إمكانية التحوّل من المأساة إلى الوعي ، ومن الضعف إلى الفعل ، ومن الضحية إلى الفاعلة التي تعيد للمجتمع روحه وتصنع التغيير .
الحرب في السودان كانت شكلًا مضاعفًا من العنف ضد النساء . النساء قتلن بالرصاص وبالنزوح ، والفقد ، والاغتصاب ، والجوع ، والتهميش المركّب . فقدن بيوتهن وأزواجهن وأمنهن ، وحتى حقّهن في البكاء العلني . حملن على أكتافهن دولةً منهارة — من طوابير الخبز إلى معسكرات النزوح — بينما ظلّ خطاب السلطة والمجتمع ينظر إليهن بوصفهن “ تابعات ” . إن الاعتراف بأن المرأة كانت في مركز الحرب ، هو الخطوة الأولى نحو التحرّر الحقيقي .
ورغم قسوة الواقع ، أثبتت النساء أنهن حافظات استمرارية الحياة في قلب الكارثة . في القرى المدمّرة نظّمن المبادرات المحلية . في الأسواق حافظن على دوران الاقتصاد الصغير . وفي المعسكرات نظّمن التعليم المؤقت والغذاء والمياه . هذا الجهد غير المرئي هو ما جعل السودان يصمد جزئيًا أمام الانهيار الكامل . غير أن الاعتراف بهذا الدور لا يكفي . يجب تحويله إلى قوة مؤسسية داخل مشروع وطني لإعادة البناء .
ويبدأ التحوّل من المظلومية إلى الوعي حين تدرك المرأة أنها فاعلة قادرة على التحليل والفهم . حين تسأل عن جذور العنف بدل أن تخضع له ، تبدأ رحلتها نحو التحرّر . هنا تقدّم النسوية المجتمعية أدوات الفهم والتحليل — كيف يتقاطع العنف مع السلطة ، وكيف تُعيد العلاقات الاقتصادية إنتاج التهميش . الوعي هو بداية القوة ، والقوة تجب ألا تفهم بانها انتقامًا ، وإنما إعادة تعريف للذات ولموقع المرأة في الفضاء العام .
وفي مرحلة إعادة البناء الاجتماعي ، تظهر النساء كمحرّك رئيسي لترميم النسيج الممزق . فهنّ من يعِدن بناء الثقة بين المكوّنات ، ويقدن مبادرات المصالحة ، ويدمجن النازحين في مجتمعاتهم الجديدة . لذلك يجب أن تكون مشاركتهن في مفاوضات السلام والعدالة الانتقالية وإعادة الإعمار مشاركة جوهرية . فاللواتي شهدن الخراب هن الأقدر على رسم طريق البناء .
غير أن هذا التحوّل لا يكتمل دون تفكيك الخطاب الأبوي الذي ما زال يرى المرأة “ منكوبة ” تحتاج للحماية ” في صنع القرار . هذا المنظور يرسّخ التبعية ويقيد المبادرة . أما النسوية المجتمعية فتسعى إلى نقل الفكرة من “حماية النساء إلى تمكين النساء من الحماية إلي الإدارة والتخطيط . فالمرأة فاعل استراتيجي في النجاة الجماعية .
لقد راكمت النساء السودانيات خلال الأزمات رأس مال اجتماعيًا هائلًا — من التضامن والصبر والتنظيم الشعبي — لكنه لم يتحول بعد إلى سياسة أو مؤسسات . ومن الضروري البناء على هذا الرصيد لتأسيس شبكات نسوية قاعدية في مناطق النزاع تعمل على توثيق الانتهاكات ، وتنظيم الموارد المحلية ، وإطلاق مبادرات تعليمية وصحية ، ودعم السلام الأهلي والمصالحة . هكذا فقط تنتقل المرأة من الناجية إلى المنقذة .
وحين تمتلك النساء وعيًا نابعًا من التجربة ، يتحول الألم إلى رؤية . فالمأساة تصبح مشروعًا للعدالة والمشاركة والنهضة . والمرأة السودانية قادرة على أن تكون القوة المحرّكة لميلاد وطني جديد ، إذا أُتيح لصوتها موقع حقيقي في مسار التأسيس . فهي شريكًا في كتابة مستقبل السودان .
لقد أثبتت التجربة السودانية أن من حفظ الحياة في لحظات الفوضى هنّ النساء . لذلك فإن إعادة بناء السودان يجب أن تبدأ من حيث وقفت النساء — من القرى التي قاومت ، ومن المعسكرات التي نظّمت نفسها دون دولة . فالمشروع النسوي المجتمعي مشروع لإعادة تعريف القوة والقيادة والوعي في وطنٍ يتعافى من رماده . المرأة السودانية تجاوزت الاعتراف ، وتكتب فصول التغيير بنفسها .
مها الهادي طبيق 25 أكتوبر 2025
[email protected]
|
|