Post: #1
Title: أزمة المثقف السوداني- تشظي الهوية والبحث عن أفق متجذر#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 10-22-2025, 09:32 PM
09:32 PM October, 22 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يعيش المثقف السوداني اليوم في مفترق طرق وجودي، حيث تتشابك أزمة الهوية مع انفصال النخبة عن الواقع المعيش. ليست الأزمة مجرد انقسام أيديولوجي أو تراجع فكري، بل هي حالة من التشظي الفكري والقيمي تجعل المثقف تائهاً بين الانتماءات المتناقضة: بين التصوف والماركسية، بين الأصالة والاغتراب، بين الطموح الثوري والمصلحة الشخصية. هذا الواقع يفرض تساؤلاً ملحاً: كيف يمكن للمثقف السوداني أن يستعيد دوره التنويري في سياق معاصر يحترم خصوصيته الثقافية ويستجيب لتحديات مجتمعه؟تشريح الأزمة: بين المسبحة والمانيفستو التيه الفكري والالتباس الأيديولوجي يعاني المثقف السوداني من حالة تيه فكري تنعكس في تنقله غير المتماسك بين مرجعيات متباينة. تارةً يغرق في التراث الصوفي، متمسكاً بـ"وحدة الوجود" في حلقات الذكر، وتارةً يتبنى مصطلحات ماركسية مثل "نفي النفي" أو "الصراع الطبقي" دون تمثل حقيقي أو ربط واضح بسياقه الحضاري. هذا التذبذب ليس تعبيراً عن تنوع خلاق، بل عن فقدان مشروع فكري متجذر ينطلق من هموم المجتمع السوداني وتاريخه. إن التماهي مع نماذج مستوردة دون تهيئة أو تأصيل يعكس أزمة هوية عميقة، تجعل المثقف يتحرك في فضاء فكري مشوش، بعيداً عن أرضية صلبة.الانفصال عن الواقع والاستغراق في الأوهام في عصر تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي، يعيش العديد من المثقفين في فضاء افتراضي يحكمه "الواي فاي" وصخب الشاشات، مما يوسع الفجوة بين خطابهم النظري والواقع اليومي. يحلمون بـ"كاميرات آخر موديل" و"بدلات دبلوماسية" و"منظمات المجتمع المدني الراقي"، بينما يواجهون صعوبات مادية بسيطة مثل دفع فاتورة الكهرباء أو شراء كتاب. هذه المفارقة تكشف عن انفصال خطير بين الطموح الفكري والواقع العملي، مما يجعل خطاب المثقف منفصلاً عن نبض الشارع وهموم الناس.تجليات الأزمة: من التنظير إلى المصلحة المثقف العضوي والمصلحة الشخصية تحت شعارات مثل "المثقف العضوي" أو "الإنسان الكوني"، تحولت المقولات النضالية لدى البعض إلى أدوات لتحقيق مكاسب شخصية. المنح الدولية، السفريات، والمناصب في المنظمات أصبحت أهدافاً تخفي وراءها طموحات مادية مما أفقد المثقف مصداقيته وجعل خطابه عرضة للسخرية. لقد أصبحت اللغة الثورية في بعض الأحيان مجرد جواز عبور إلى الترقي الاجتماعي، مما يعكس تحولاً خطيراً في دور المثقف من نصير للقضايا العامة إلى باحث عن الامتيازات الخاصة.ازدواجية الخطاب والانفصام القيمي تتجلى الأزمة في تناقض صارخ بين الخطاب والممارسة- يتحدث المثقف عن الحرية بينما يظل أسيراً للجان التنظيمية والمناصب، يستشهد بماركس نهاراً وينشد مع البرعي ليلاً، وينتقد "الوعي الزائف" بينما يعيشه في تفاصيل حياته اليومية. هذا الازدواج ليس مجرد تناقض سلوكي، بل هو انفصام قيمي يهدد جوهر الدور التنويري للمثقف، ويستدعي مراجعة نقدية عميقة لإعادة تعريف دوره ومسؤولياته.نحو أفق جديد: المثقف المتجذر والمعاصر إن تجاوز هذه الأزمة يتطلب إعادة تعريف دور المثقف السوداني انطلاقاً من رؤية تجمع بين الأصالة والمعاصرة. المشكلة ليست في تنوع المرجعيات الفكرية، بل في غياب مشروع وطني متكامل يستمد قوته من خصوصية المجتمع السوداني من تاريخه وثقافته وتحدياته الراهنة. المثقف المنشود ليس من يرتدي "فنائل جيفارا" أو "الجلابيب الضكر"، بل من يمتلك فكراً ناضجاً يوازن بين الانتماء للتراث والانفتاح على العصر، بين النقد الحاد والالتزام الأخلاقي.العودة إلى الفطرة: حكمة الشعب والبساطة الخلاص من هذه الأزمة يبدأ بالعودة إلى فطرة الصدق والبساطة، إلى الإحساس العميق بهموم الإنسان العادي، الذي هو مادة الوعي لا مجرد موضوعه. المثقف الحقيقي ليس من يحفظ المصطلحات أو يجيد التنظير من صالونات الخرطوم، بل من يجد الحكمة في "سحنة الراعي"، في "سكات الليل"، وفي "ظل النخل". هناك، في قلب التجربة السودانية الأصيلة، تكمن القدرة على صياغة فكر يجمع بين الروح والعقل، بين الإنسان والأرض.خاتمة: نحو مشروع فكري أصيل إن أزمة المثقف السوداني ليست قدراً محتوماً، بل دعوة للتجديد والإصلاح. المطلوب اليوم هو بناء مشروع فكري ينطلق من الواقع السوداني، يحترم تنوعه الثقافي، ويستلهم من حكمة شعبه. المثقف المنشود هو من يصالح بين المسبحة والعقل، بين الوعي والنزاهة، بين الفكر والحياة. وهكذا فقط يمكن للمثقف أن يستعيد دوره كبوصلة تنويرية، تحمل رؤية معاصرة تتجذر في أصالة المجتمع السوداني وتفتح آفاقاً للتغيير الحقيقي. يعيش المثقف السوداني اليوم في مفترق طرق وجودي، حيث تتشابك أزمة الهوية مع انفصال النخبة عن الواقع المعيش. ليست الأزمة مجرد انقسام أيديولوجي أو تراجع فكري، بل هي حالة من التشظي الفكري والقيمي تجعل المثقف تائهاً بين الانتماءات المتناقضة: بين التصوف والماركسية، بين الأصالة والاغتراب، بين الطموح الثوري والمصلحة الشخصية. هذا الواقع يفرض تساؤلاً ملحاً: كيف يمكن للمثقف السوداني أن يستعيد دوره التنويري في سياق معاصر يحترم خصوصيته الثقافية ويستجيب لتحديات مجتمعه؟تشريح الأزمة: بين المسبحة والمانيفستو التيه الفكري والالتباس الأيديولوجي يعاني المثقف السوداني من حالة تيه فكري تنعكس في تنقله غير المتماسك بين مرجعيات متباينة. تارةً يغرق في التراث الصوفي، متمسكاً بـ"وحدة الوجود" في حلقات الذكر، وتارةً يتبنى مصطلحات ماركسية مثل "نفي النفي" أو "الصراع الطبقي" دون تمثل حقيقي أو ربط واضح بسياقه الحضاري. هذا التذبذب ليس تعبيراً عن تنوع خلاق، بل عن فقدان مشروع فكري متجذر ينطلق من هموم المجتمع السوداني وتاريخه. إن التماهي مع نماذج مستوردة دون تهيئة أو تأصيل يعكس أزمة هوية عميقة، تجعل المثقف يتحرك في فضاء فكري مشوش، بعيداً عن أرضية صلبة.الانفصال عن الواقع والاستغراق في الأوهام في عصر تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي، يعيش العديد من المثقفين في فضاء افتراضي يحكمه "الواي فاي" وصخب الشاشات، مما يوسع الفجوة بين خطابهم النظري والواقع اليومي. يحلمون بـ"كاميرات آخر موديل" و"بدلات دبلوماسية" و"منظمات المجتمع المدني الراقي"، بينما يواجهون صعوبات مادية بسيطة مثل دفع فاتورة الكهرباء أو شراء كتاب. هذه المفارقة تكشف عن انفصال خطير بين الطموح الفكري والواقع العملي، مما يجعل خطاب المثقف منفصلاً عن نبض الشارع وهموم الناس.تجليات الأزمة: من التنظير إلى المصلحة المثقف العضوي والمصلحة الشخصية تحت شعارات مثل "المثقف العضوي" أو "الإنسان الكوني"، تحولت المقولات النضالية لدى البعض إلى أدوات لتحقيق مكاسب شخصية. المنح الدولية، السفريات، والمناصب في المنظمات أصبحت أهدافاً تخفي وراءها طموحات مادية مما أفقد المثقف مصداقيته وجعل خطابه عرضة للسخرية. لقد أصبحت اللغة الثورية في بعض الأحيان مجرد جواز عبور إلى الترقي الاجتماعي، مما يعكس تحولاً خطيراً في دور المثقف من نصير للقضايا العامة إلى باحث عن الامتيازات الخاصة.ازدواجية الخطاب والانفصام القيمي تتجلى الأزمة في تناقض صارخ بين الخطاب والممارسة- يتحدث المثقف عن الحرية بينما يظل أسيراً للجان التنظيمية والمناصب، يستشهد بماركس نهاراً وينشد مع البرعي ليلاً، وينتقد "الوعي الزائف" بينما يعيشه في تفاصيل حياته اليومية. هذا الازدواج ليس مجرد تناقض سلوكي، بل هو انفصام قيمي يهدد جوهر الدور التنويري للمثقف، ويستدعي مراجعة نقدية عميقة لإعادة تعريف دوره ومسؤولياته.نحو أفق جديد: المثقف المتجذر والمعاصر إن تجاوز هذه الأزمة يتطلب إعادة تعريف دور المثقف السوداني انطلاقاً من رؤية تجمع بين الأصالة والمعاصرة. المشكلة ليست في تنوع المرجعيات الفكرية، بل في غياب مشروع وطني متكامل يستمد قوته من خصوصية المجتمع السوداني من تاريخه وثقافته وتحدياته الراهنة. المثقف المنشود ليس من يرتدي "فنائل جيفارا" أو "الجلابيب الضكر"، بل من يمتلك فكراً ناضجاً يوازن بين الانتماء للتراث والانفتاح على العصر، بين النقد الحاد والالتزام الأخلاقي.العودة إلى الفطرة: حكمة الشعب والبساطة الخلاص من هذه الأزمة يبدأ بالعودة إلى فطرة الصدق والبساطة، إلى الإحساس العميق بهموم الإنسان العادي، الذي هو مادة الوعي لا مجرد موضوعه. المثقف الحقيقي ليس من يحفظ المصطلحات أو يجيد التنظير من صالونات باريس، بل من يجد الحكمة في "سحنة الراعي"، في "سكات الليل"، وفي "ظل النخل". هناك، في قلب التجربة السودانية الأصيلة، تكمن القدرة على صياغة فكر يجمع بين الروح والعقل، بين الإنسان والأرض.خاتمة: نحو مشروع فكري أصيل إن أزمة المثقف السوداني ليست قدراً محتوماً، بل دعوة للتجديد والإصلاح. المطلوب اليوم هو بناء مشروع فكري ينطلق من الواقع السوداني، يحترم تنوعه الثقافي، ويستلهم من حكمة شعبه. المثقف المنشود هو من يصالح بين المسبحة والعقل، بين الوعي والنزاهة، بين الفكر والحياة. وهكذا فقط يمكن للمثقف أن يستعيد دوره كبوصلة تنويرية، تحمل رؤية معاصرة تتجذر في أصالة المجتمع السوداني وتفتح آفاقاً للتغيير الحقيقي.
|
|