Post: #1
Title: ودّ الأصيل وحوليات الغفلة السودانية-في سجالات هذه الجمعه#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 10-16-2025, 05:05 PM
05:05 PM October, 16 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر ودّ الأصيل وحوليات الغفلة السودانية
بسمِ الأصالةِ والوجعِ المُعزّى
في كل جمعةٍ من زمنٍ يميل على عكازه، نحتاج أن نضحك قليلًا كي لا نصير من ضحاياه. نضحك لا لأنّ الحال تُبسط، بل لأنّنا – كما قال المجذوب –
“ضحكنا وكان الضحك منّا بكاءً، وقلنا سلامًا، وكان السلام دماءً.”
ذلك الضحك السوداني العجيب الذي يخرج من بين حطام المدن كزهرةٍ في رماد، هو آخر أشكال الوعي وأول طرائق المقاومة. ومن بين هذا الركام يطلّ "ود الأصل"، فيلسوف بلا مدرسة، حكيمٌ بالفطرة، وساخرٌ بالتجربة. ليس من طينة المتفلسفين الذين يزنون المفاهيم بميزان أرسطو، بل هو من مدرسة الشاي والظلّ والوجع المتناسل، يكتب حولياته على جدران الانتظار في بورتسودان، ويقول في صمته أكثر مما يقول الخطباء في قاعات المؤتمرات.
حولية أولى: الدولة كأيقونة للفشل الوراثي
يقول ودّ الأصيل، وهو يقلب سكر الشاي بعصبية الفاقدين:
“الدولة عندنا ليست فكرة، بل غنيمة تتوارثها القبائل، يخطّط لها منظر في المقهى، ويحملها جنديّ على كتفه!”
منذ الاستقلال ونحن نعيد التراجيديا نفسها: نرفع شعارات الحرية والعدالة، ثم نختتمها بنداءٍ للبقاء. تتغيّر الوجوه، ويثبت منطق السلطة. كل حاكمٍ يلعن من سبقه ليعيد سيرته، وكل حزبٍ يولد من رحم الخيبة ليكرّسها.
يقول ودّ الأصيل مبتسمًا بحزنٍ ساخر:
“نحن الشعب الوحيد الذي يغيّر الحكومة بالحماس، ثم يستقبلها بالتصفيق لنفس الخطاب القديم.”
حولية ثانية: المثقف الذي يكتب بالمنشور
في زمن التحوّل، صار المثقف عندنا يكتب "بوستًا" لا مقالة. يحلّل الحدث في ساعة، وينسى التاريخ في دقيقة. تسأله عن الوعي فيقول: “موجود في الفيس!” بينما كان صلاح أحمد إبراهيم يصرخ منذ عقود:
“نحن جيلُ الكلماتِ المُجهضة، نحمل الفكرةَ ولا نلدُها.”
ودّ الأصل يرى أن الخطر الحقيقي ليس في الجهل، بل في ثقافة التعليق التي صارت بديلًا للفعل، وفي تحويل اللغة إلى رمادٍ بلا نار.
“جيلٌ بأكمله يظن أن الثورة تبدأ من الكيبورد، لكن لم تنطلق ثورة من خانة التعليق.”
حولية ثالثة: الحرب التي ضاع عنوانها
حين اشتعلت الحرب الأخيرة، قال ودّ الأصل وهو يحدّق في الدخان:
“هذه أول حربٍ في العالم لا يُعرف فيها العدوّ من الصديق، كلّهم يرفعون علم الوطن، ويقصفون الوطن.”
إنها ليست حرب جيوش، بل حرب أفكارٍ ميتة، وخيالات رجالٍ تعبوا من التفكير فاتّجهوا إلى الرصاص. الحرب عنده مرآةُ الخيبة، حيث اختلط الولاء بالرزق، والشجاعة بالمكسب، والشعار بالاستثمار.
“صارت الحرب مشروع عملٍ… فيها مرتبات، وتِرِند، وبيانات!” حولية رابعة: الاقتصاد كفنٍّ للبقاء
سمع ودّ الأصيل خبيرًا اقتصاديًا يقول:
“الاقتصاد السوداني في طريق التعافي.” فضحك حتى انسكب شاي اللبن وقال: “طريقٌ طويلٌ بلا لافتة… كل مرة نقيف نصلّح العجلة!”
في وطنٍ يُصنع فيه الخبز بالمزاج، ويُدار السوق بالحيلة لا بالعلم، يتحوّل الاقتصاد إلى فنٍّ للبقاء لا للنموّ. النّاس يعيشون بالشطارة، ويضحكون على العوز كما يضحكون على النكات السياسية.
“نحن لا نعرف أن نصنع الوفرة، لكننا نحترف العيش في الفقر كأنه إنجاز.”
حولية خامسة- الدين حين صار وسيلة للتمويل
منذ اختلط الدين بالسياسة، صار المنبر منصّة انتخابية، وصار الإمام يمدح الحكومة بدل المطر. يقول ودّ الأصيل- “هنا الإيمان يحتاج إلى فحصٍ فنيّ مثل السيارات، لأن كثيرين يسيرون به دون فرامل.”
هو لا يسخر من الدين، بل ممن جعلوه شعارًا للنهب لا نظامًا للأخلاق. وفي صوت صلاح أحمد إبراهيم يتردّد قوله:
“ما زلت أؤمن رغم السنين، أن اللهَ في جانبِ الفقراء.”
🧭 حولية سادسة: الفكرة والخَيْبة
كتب ودّ الأصيل في دفتَره المهترئ:
“كل ثورةٍ في السودان تبدأ بشاي الباعة وتنتهي بمؤتمرٍ صحفي.”
الخيبة ليست في الناس، بل في الزمان، زمنٌ يتواطأ مع النسيان ويعيد تدوير الفشل كما يُعاد تدوير الحديد.
“نحن شعبٌ تعلّم الصبر، لكنه لم يتعلّم التغيير.”
حولية سابعة: معنى الوطن
قال ودّ الأصيل في لحظة صفاءٍ تحت شجرة النيم:
“الوطن ليس ترابًا، الوطن أن تجد نفسك ولا تخاف.”
لكن الخوف صار الخبز اليومي، والنكتة – التي كانت نجاةً – صارت تهمة. ورغم كل شيء، لا يزال يحب هذه الأرض كما أحبها المجذوب:
“بلادي وإن جارت عليّ عزيزة، وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرامُ.”
🌙 حولية أخيرة: الضحك كفلسفة
في المساء، جلس ودّ الأصيل يكتب آخر كلماته على ورقٍ رطبٍ من رطوبة البحر الأحمر:
“أنا لا أكتب تاريخًا، بل أكتب وجعنا كي لا ننساه.”
ثم رفع رأسه إلى السماء وضحك ضحكةً طويلة تشبه البكاء، ضحكةُ من فهم أن السخرية آخر أدوات البقاء العقلي في وطنٍ فقد منطقه. وقال:
“في فرنسا كتبوا حوليات الملوك والثورات، أما أنا فأكتب حوليات الغفلة السودانية — تاريخنا المدهون بزيتٍ فارغٍ وذاكرةٍ مكسورة.”
ووقّع اسمه بخطٍ مرتعش- ودّ الأصيل – مواطن يضحك كي لا يموت.
وفي الختام قالها زيوزو بصراحةٍ تشبه الجرح:
“أنا لست غضبان، بل بلغتُ حدّ الحزن الساخر، والفوضى غير الخلّاقة.” ونهاية القول كما قل الشاعر الراحل محمد المهدي المجذوب ---- من ذا الذي يبلغ الاشياخ عني اني لدي مسابحهم أثيم #
|
|