Post: #1
Title: السودان بين التيه والوعي: هل نضيع لنصل كتبه الصادق حمدين
Author: الصادق حمدين
Date: 10-12-2025, 07:29 PM
07:29 PM October, 12 2025 سودانيز اون لاين الصادق حمدين-UK مكتبتى رابط مختصر
هولندا
مدخل تمهيدي؛ في متاهة الوعي هل تيه السودانيين قدر أم اختيار؟ ابتدرت مقالي بهذه العبارة الاستهلالية والاستفهامية لتكون مدخلا تمهيديا إلى صلب المقال، لأن في الاجابة عليها يكمن الحل، أو كما أتصوره نظريا على الأقل، وربما أكون مخطئا.
في خضم المأساة السودانية الراهنة، وبين ركام الحرب والانقسام، يلوح سؤال فلسفي بقدر ما هو سياسي: هل التيه الذي نعيشه اليوم قدر لا مهرب منه، أم خيار اتخذناه على أمل الوصول إلى دولة العدالة؟ وهل وعينا بما نمر به كافٍ لنحوّله إلى نقطة انطلاق نحو دولة الديموقراطية والحرية، أم أننا ببساطة ننقاد، كما القطيع، إلى الهاوية دون إدراك؟
التيه كمرحلة وعي: في رواية “ذاكرة التيه”، تختصر العبارة المحورية للرواية هذا المعنى المؤلم: “تتوه لتصل”. عبارة تحتمل الأمل واليأس معًا، وتشبه ما يعيشه السودان اليوم. لكن يبقى السؤال الأهم: هل نحن نتوه بوعي أم بجهل؟ وهل نؤمن فعلًا أن في نهاية هذا التيه غاية وطنية كبرى، أم أن التيه أصبح نمطًا وجوديًا نعيد إنتاجه باستمرار؟
تاريخنا لا يبدأ من أبريل: يحاول الإعلام الموالي لما يُعرف بـ”جماعة الشر” اختزال المأساة السودانية في لحظة انفجار الصراع في 15 أبريل 2023، مع تصوير "قوات الدعم السريع" كأنهم سبب الكارثة الوحيد، بل وترويج فكرة أنهم “أداة تطهير” تغسل أوساخ الوطن وأدرانه بـ”صابونة أبو فيل”، في تشبيه ساخر يخفي محاولات تبييض صفحات الماضي البئيس.
لكن الحقيقة أن ما جرى في أبريل لم يكن بداية، بل تتويجًا لمسار طويل من التشوهات السياسية، والتسويات الفوقية، والتغاضي عن الجرائم، وتمييع العدالة، والإفلات من المساءلة والعقاب، وبيع الأحلام الوطنية في سوق المصالح الضيقة. السودان لم يدخل أزمته من بوابة 2023، بل انحدر إليها على مدى عقود، منذ الاستقلال وحتى اليوم، بتراكم أخطاء ومساومات وغياب مشروع وطني جامع.
النسيان الجماعي والتكرار المأساوي: البشر، بطبعهم، يميلون إلى التعامل مع ما يرونه أمامهم، ويتجاهلون الجذور التاريخية التي صنعت حاضرهم، يتذكر الناس المجازر لحظة وقوعها، ولكنهم قلما يعودون إلى مقدماتها. ولعل المثال الأقرب ألى المقارنة والمقاربة لما نعيشه اليوم من مآسي، هو ما جرى في رواندا. فالكثيرون يظنون أن مأساتها بدأت بمجازر عام 1994، متجاهلين إرهاصاتها التي تعود إلى أحداث أعوام 1959 و1972، والتي كانت إنذارات مبكرة، لو أُخذت بجدية، ربما كانت خطط المجازر قد أُفشلت. وربما كان بالإمكان تجنب الأبادة الجماعية.
وهكذا هو حالنا اليوم لا يمكننا اختزال معاناتنا في لحظة حرب، ولا يمكن ابراء الجناه الجدد "الكيزان وحلفائهم" بحجة انهم فقط اخطأوا في معالجة راهنهم السياسي. علينا ان نقرأ تاريخنا بصدق، ونتأمل تيهنا كفعل اختياري، إن كنا نطمح فعلا إلى الوصول لوطن واحد يعيش فيه الجميع بسلام.
وما نعيشه في السودان اليوم ليس استثناءً. إنه نتيجة مباشرة لتجاهل التاريخ، وتكرار الأخطاء، وتغييب العدالة، وتهميش الوعي.
ويبقى السؤال مفتوحًا ومؤلمًا: هل نحن نعيش هذا التيه ونحن ندرك أنه طريق إلى الخلاص، أم أننا فقدنا البوصلة تمامًا، وصرنا نركض في دائرة مغلقة من الانقياد والانهيار؟ لا أملك إجابة جاهزة، لكن ما نحتاجه الآن ليس فقط الخروج من الحرب، بل الخروج من عقلية النسيان الجماعي، ومن التعايش مع التزييف، ومن الرضا بالتيه كقدر.
وهل ما يزال أمامنا وقت لنحول تيهنا إلى طريق نحو الوطن، أم أننا اخترنا ان نكون شهودا صامتين على اندثارنا؟ ربما افتقر أيضا إلى آليات الأجوبة الجاهزة والمعلبة، ولكن ما نحتاجه هو وعي لا يرضى بالتفسير السطحي، وشجاعة تقرأ التاريخ كما هو، لا كما يروى لنا على لسان "الحبوبات".
ربما يكون أول الطريق نحو الديمقراطية والحرية هو الاعتراف الصادق بأننا تهنا… والبدء بوعي حقيقي في البحث عن الطريق الذي يقودنا إلى دولة الحرية والعدالة والسلام.
الصادق حمدين - هولندا [email protected]
|
|