Post: #1
Title: رسالة إلى الإخوة والأخوات السودانيين في المهجر كتبه محمد بدوي مصطفى
Author: محمد بدوي مصطفى
Date: 10-12-2025, 07:21 PM
07:21 PM October, 12 2025 سودانيز اون لاين محمد بدوي مصطفى -Germany مكتبتى رابط مختصر
إخوتي وأخواتي،
اسمحوا لي يا سادتي أن أبدأ مقالي بصورة تركت أثرها في نفسي وفي نفوس الملايين. بالأمس رأينا منظرا لا ولن يغيب عن الذاكرة الجمعية لشعوب الأرض المناضلة من أجل الكرامة:
شعبٌ بأكمله يعود إلى ركام بيوته في غزة، بلا مأوى، بلا كهرباء، بلا ماء، بلا ضمانات أيّ كانت للغد القريب، ومع ذلك يعود، نعم، يعود راجًا يحمل أعباءه وأطفاله حفاة عراة. أهل غزة الكرام لم يعودوا بالأمس لأن ليس لديهم خيار إلى العودة، الشعب الفلسطيني يعود لأنه ظلّ دائما يؤمن بأن الكرامة لا تُشترى، وأن الأرض، حتى وهي مدمرة، أغلى من المنفى مهما كان مريحًا. هذه الصورة، رغم قسوتها، هي تجلٍّ نادر للشجاعة، للوطنية، لنكران الذات في أبهى معانيه.
أليس من المؤلم أن نرى شعبًا محاصرًا، مكلومًا، يختار العودة والبناء تحت النار، بينما نحن – أبناء السودان المنتشرين في الأرض – لا يزال كثير منّا ينتظر "الظروف المناسبة" للعودة؟ متى كانت الأوطان تنتظر؟ ومتى كانت الأوطان تُبنى في أوقات الراحة؟
لقد مرّ وطننا السودان بسنواتٍ صعبة ومؤلمة، فرّقت أبناءه في بقاع الأرض، وألقت على عاتق كثيرين هموم الغربة وضيق العيش. ومع ذلك، ظلّت فينا روح السودانيين الأبية، روح الكرم والعطاء والتكافل، التي لم تنكسر رغم كل ما جرى.
كثيرٌ من الأسر السودانية في أوروبا والغرب يبذلون الغالي والنفيس، يدعمون أهلهم في مصر، وفي الخليج، وفي بلدان أخرى، يتحمّلون مصاريف الإقامة والتعليم والعلاج والمعيشة. وهذا موقف نبيل نفخر به، لكنه في الوقت نفسه يذكّرنا بمسؤوليتنا الكبرى: أن نعيد هذه الطاقة الخيّرة إلى أرضنا، إلى السودان الذي ينتظر أبناءه.
إن التاريخ علّمنا أن الأوطان لا تُبنى بالانتظار، بل بالفعل. يا سادتي فلتنظروا إلى الشعوب التي نهضت من تحت الركام — ألمانيا بعد الحرب العالمية، رواندا بعد المأساة، غزة اليوم رغم الحصار والدمار — لم ينتظروا أحدًا، بل صنعوا الأمل بأيديهم، وبإرادتهم بدأوا من جديد.
والسودان اليوم يحتاج إلينا جميعًا: يحتاج إلى شبابٍ يعودون ليقفوا في صفوف الجيش والشرطة، وفي المدارس والمستشفيات، وفي المزارع والمصانع، وفي كلّ مؤسسات الدولة والخدمة العامة. يحتاج إلى المعلّم الذي يزرع العلم، والطبيب الذي يطبب الجراح، والمهندس الذي يخطط، والطالب الذي يحلم، والمرأة التي تربي وتبني.
إن الحياة لن تبدأ إذا لم نبدأ نحن. فلنكن نحن جيل النهوض، جيل الفعل والبناء، لا جيل الانتظار. ولنعلن من اليوم أن عامنا القادم هو عام العودة إلى الوطن، عام البناء والأمل.
عودوا إلى السودان لا كضيوف، بل كأصحاب البيت. عودوا لتصنعوا الغد بأيديكم، ولتكتبوا فجرًا جديدًا في تاريخ هذا الشعب العظيم. فالسودان لن يبنيه أحد غير أبنائه، ولن ينهض إلا بإيمانهم، وصبرهم، وعملهم.
فلنبدأ الخطوة الأولى… خطوة العودة، وخطوة الحياة. ولنؤمن أن الغد أفضل، ما دمنا نحن من يصنعه.
(كونستانس، الموافق ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥)
--
|
|