Post: #1
Title: تحالف تأسيس على مفترق التاريخ بين شائعات الخيانة وإرادة التصحيح كتبه احمد التيجاني سيد احمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 10-10-2025, 06:39 PM
06:39 PM October, 10 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
تحالف “تأسيس” على مفترق التاريخ بين شائعات الخيانة وإرادة التصحيح
د . احمد التيجاني سيد احمد
تضج الساحة السودانية اليوم بشائعاتٍ عن “عودة حميدتي إلى حضنه القديم” — أي إلى الحركة الإسلامية التي دمّرت البلاد. لكن هذه الرواية المكرورة تتجاهل حقيقة أساسية: حميدتي لم تُنْجِبه الحركة الإسلامية، بل استخدمته كسلاحٍ مؤقتٍ لحماية البشير والنظام، ثم تخلّت عنه عندما تجاوزها.
وعندما تجاوزها فعلاً، اعترف بأخطائه، وانضم إلى صفوف الشعب، ووقّع على الاتفاق الإطاري دعمًا للتحول المدني، ثم ذهب إلى دارفور ليحلّ سوء الفهم بين مكونات القبائل، ويمنع اندلاع نزاعات جديدة. في تلك اللحظة، تحوّل من أداةٍ في يد اللجنة الأمنية الكيزانية إلى أحد الأصوات التي تبنّت روح الثورة الديسمبرية. ذلك التحوّل لم يكن صدفة، بل تعبيرًا عن وعيٍ متدرّجٍ خرج من رحم التجربة والمواجهة والاعتذار.
لقد صنعته التجربة القاسية، لا المدرسة الأيديولوجية، ثم اختبرته النيران حتى أدرك أن بناء الدولة لا يتم بالولاء، بل بالمسؤولية والمواطنة.
١. من أداةٍ للحماية إلى حاملٍ لرسالة حين استدعت الحركة الإسلامية حميدتي في سنواتها الأخيرة، كانت تبحث عن استقرارٍ زائف يحمي رأس النظام. لكن الرجل الذي بدأ حارسًا، انتهى شاهدًا على سقوطهم. تجربته الطويلة جعلته يدرك أن القوة بلا مشروع وطني تتحوّل إلى عبء، وأن السلاح بلا رؤية لا يصنع دولة. ومن هنا بدأ التحول من “رجل أمن” إلى زعيمٍ سياسيٍّ يتحسس طريق الإصلاح.
٢. العالم لم يدعمه لأنه إسلامي، بل لأنه أنجز ما عجزت عنه الدولة دعمت أوروبا والإقليم حميدتي لأنه نجح في وقف تهريب البشر عبر الصحراء، لا لأنه ينتمي إلى منظومة عقائدية. كان رجل نتائج لا شعارات، وأثبت قدرة على إدارة الملفات المعقدة بواقعية. وإن استطاع أن يوظّف تلك الواقعية اليوم في مشروع وطني جامع، فسيكون بذلك قد حوّل التجربة الأمنية إلى خبرةٍ لبناء الدولة.
٣. تحالف “تأسيس” ليس عباءة لأحد “تأسيس” ليس غطاءً لحميدتي ولا لأي قائد، بل منصة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. وجوده ضمن المشروع لا يُضعف التحالف، بل يمنحه فرصةً تاريخية لتصحيح العلاقة بين القوة والسياسة. لقد اعتذر بشجاعةٍ عن الأخطاء، وبقي عليه أن يخطو الخطوة التالية: تحويل القوة إلى مؤسساتٍ وطنيةٍ تخضع للدستور والرقابة الشعبية.
٤. الرباعية تبحث عن مصالحها... وعلينا أن نبحث عن وطننا تعمل الرباعية الدولية (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) على هندسة تسوية تحفظ مصالحها الاقتصادية والأمنية. لكنّ السودان لا يُبنى بتسويات الخارج، بل بإرادة أبنائه. وهنا تبرز مسؤولية “تأسيس” وحميدتي معًا: أن يرفضا الوصاية، ويقودا مشروعًا وطنيًا يُعيد للسودان سيادته ووحدته، بعيدًا عن الكيزان وعن كل أجندةٍ خارجية.
٥. المدنية المسلحة حين تصير جسراً للسلام ليس العيب في حمل السلاح، بل في الغاية من حمله. فإن تحوّل الدعم السريع إلى قوة وطنية منضبطة بالمدنية والديمقراطية، فذلك هو النصر الحقيقي. والقائد الذي خبر الحرب هو الأقدر على فهم أن السلام هو السلاح الأقوى لبناء الدولة.
٦. السودان لا يُختزل في الماضي لقد تغيّر الوعي الجمعي للسودانيين بعد ديسمبر. لم تعد الشعارات الدينية أو الجهوية قادرة على خداع الناس. السودان اليوم يعرف طريقه: وحدة الصفوف، والعدالة، والمدنية، والديمقراطية. وهي الطريق التي يمكن لحميدتي أن يسلكها ليصير قائد تأسيسٍ لا قائد ميليشيا.
٧. إلى كتّاب السودان القديم ومثقفيه يا كتّاب السودان بالشمال واليمين، الطريق أمامكم ليس للعودة إلى الوراء، بل للمضي نحو المستقبل بشجاعةٍ وضمير. منذ خمسينات القرن الماضي وأنتم تلقون القول على عواهنه، تكرّرون ذات المفردات الميتة وتبرّرون ذات الخراب. كأنّ أقلامكم تعيش في مقهىٍ مغمورٍ بالدخان، لا تسمع أنين الوطن ولا ترى دماءه. تكتبون ما يرضي الزبون السياسي ثم تتهيأون لزبونٍ آخر. أنتم عنوانُ الاغتراب بين الفكر والواقع، بين الحبر والضمير. أما جيل التأسيس، فيكتب بدمه لا بحبره، ويقيس الوطنية بقدر ما يقدّم للوطن لا بما يأخذ منه.
ومضة الختام الطريق أمامنا جميعًا ليس للعودة إلى الوراء، بل للسير نحو المستقبل بشجاعة. لقد آن أوان أن تتحوّل القوة إلى مشروع وطني، وأن تُبنى الدولة بوحدة الصفوف، والمدنية، والديمقراطية. ومن جعل من التجربة درسًا، ومن الألم وعيًا، هو وحده القادر على حمل راية السودان الجديد.
الخلاصة الدولة لا تُبنى بالسلاح ولا بالشعارات، بل بوحدة الصفوف، والمدنية، والديمقراطية. وإذا جعل حميدتي من قوته وسيلةً لتحقيق هذه الثلاثية، فسيكتب التاريخ أنه لم يكن “سلاح البشير”، بل بذرة الدولة السودانية الجديدة التي تنهض من رماد الحرب إلى فجر التأسيس.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس ١٠ اكتوبر ٢٠٢٥ روما – إيطاليا
|
|