Post: #1
Title: غصص فاطمة احمد إبراهيم وقصصها كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 10-08-2025, 04:25 AM
04:25 AM October, 07 2025 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى رابط مختصر
(أعد مع دار عزة لطبعة جديدة من كتابي "فاطمة أحمد إبراهيم: عالم جميل". وقلت "ابدر" بهذه)
أقرأ منذ أيام ما توفر لي من أعداد مجلة "صوت المرأة" (قبل 1964) التي ترأست تحريرها الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم منذ يوليو 1955. وأريد بذلك إعداد ورقة عنها إلى مؤتمر الجمعية الأمريكية للدراسات السودانية الذي ينعقد بجامعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا (18 إبريل 2003). وقد قلت أمس أني اخترت هذا الموضوع بالذات لأني رأيت الباحثين الناشطين في مسألة المرأة السودانية تجاهلوا المجلة وهم يدلون بآراء قاطعة حول قيمة الاتحاد النسائي. وربما كان هذا بسبب تعذر الحصول عليها هنا. وقد يكون عذر الباحث بتنائي مصادره من نوع العذر الذي هو أقبح من الذنب. كما أردت بحديثي عن المجلة أن أنبه إلى أن عيد ميلادها الخمسين سيكون في يوليو 2005. وربما كانت هذه مناسبة للوقوف عند أثرها في حركة المرأة الاجتماعية وتدبير توفيرها على الإنترنت حتى لا يضل عنها باحث. وقد أسعدني أن أسمع أن الأستاذة فاطمة تحتفظ بمجموعة كاملة منها كما قالت في حديثها إلى السيدة نفيسة المليك. جددت لي هذه القراءة لصوت المرأة قناعتي كقارئ مخضرم لها أن الأستاذة فاطمة ليست هي الاتحاد النسائي الخالق الناطق. فحركة المرأة التقدمية لأوسع وأذكى وأبقى من هذه المقايسة على فرد كما يفعل جماعة من محبيها أو خصومها. ولا أقول هذا استخفافاً بأستاذتنا، بل إعزازاً لها. فقد تجمعت سحب خير هذه الحركة حول فدائيتها يوم خرجت وهي في شرخ الصبا في أخطر سكك التقدم قاطبة وهي تحرير المرأة من قبضة الأبوية الغليظة في خمسينات القرن الماضي. ولقد أعطت فاطمة المرأة صوتاً حين عافته الناس وظنته منقصة وعورة. وقد جسد هذا المعني رسم كاريكاتوري للدكتور ود الريح (الطالب وقتها) في عدد من المجلة (يناير 1961). ففيه رسم إعرابياً مزدهياً بعصاته وسوطه العنج ينهر بائع صحف ينادي "صوت المرأة، صوت المرأة" ويقول: "عان الجنى. كمان المرأة عندها سوط". ولقد توقفت طويلاً عند مقدمات هذا الخروج الخطر لفاطمة. فقد قالت في حديث لها نشر في كتاب هنا أنها كانت لا تحب خدمة المنزل بينما تفرغ أخوتها للأنس والقراءة أو غيرها مما يوسع الأفق ويبني الشخصية. كما وقفت عند نبلها الذي أخرجها من أمن البيت إلى زحام الشارع من أجل قضية المرأة والمستضعفين. فقد جاءت يوماً متأخرة إلى الغداء من المطبعة وأحرجها أن أهلها كانوا ينتظرونها لأنهم قوم يجلسون نساء ورجالاً إلى مائدة واحدة. ولم تكد تبدأ الأكل حتى طرقت الباب صبية معروقة تعرض بضاعة للبيع. وأشفقت فاطمة من هزالها ودعتها للغداء ولم تقبل البنت. ثم دس والد فاطمة بعض المال في يد البنت فانصرفت. أصرت فاطمة أن تتبعها حيث مشت لتعرف بيتها وتحسن إليها. وهنا عنفها الوالد قائلاً لها: "هل تظنين أن بوسعك حل مشاكل الناس أجمعين". وحاولت فاطمة الأكل فغصت بحلقها اللقم وازدردتها بالماء. وتوقفت عن الأكل بالكلية. وكان والدها يرقبها من طرف خفي. فنهض وعانقها وقال: "كنت أظن ما تقومين به كلام اتحاد نسائي ساكت. ولكن علمت الآن أن ما تقومين به صادر عن شفقة حقيقية بالمستضعفين. أعفي عني يا بنتي. ومن اليوم والله ما أسمع فيك كلمة ولا أقبل فيك كلمة. أكلي لقمة عشان خاطري". ومن يومها لم يعتب عليها في شيء. كتبت مرة أقول إننا ربما أطلنا الحديث عن جيل الثلاثينات وجيل الستينات وعن مساهمتيهما في موضوع الهوية الثقافية لشعبنا وبلدنا. وربما أهملنا الحديث عن جيل الأربعينات والخمسينات الذي جاءنا بفكرة الشعب نفسها وبالشعب. وقد أوحى لي بذلك كتاب "تلك الأيام" لمؤلفه الأستاذ كامل محجوب ولقاءاتي بالزميلين حسن سلامة وعلي محمد بشير. وقد حكي كامل في كتابه كيف خرج في صباه الباكر في آخر الأربعينات يبحث عن الشعب في ريف النيل الأبيض بين جماعة من الناشطين الإسلاميين. ثم اهتدى إلى الشيوعيين الذين وظفوا نبله هذا وجعلوه مسؤولا عن منطقة الجزيرة. ولم يلبث بينهم سنوات حتى جاء بالمزارعين للخرطوم في موكب حاشد يقوده مزارعون أشاوس يفرضون اتحادهم فرضاً على حكومتها. وقس على هذا ما قام به المرحوم الشفيع أحمد الشيخ في جبهة العمال حتى قال عنه أستاذنا عبد الخالق محجوب أنه بنى لعمال السودان مجداً. وكانت هجرة فاطمة إلى النساء أكثر هذه الهجرات مجازفة. وقد بينت في حديث سبق كيف أنها اضطرت إلى تغليظ الحجاب حول جسدها قطعاً للذرائع. وهو حجاب لم يفرضه عليها والد متعسف، بل ضرورات التقية في بلد يعاف نساءه ويلجمهن ك"حوايانات" كما كان يقال. وقد شادت فاطمة مثل جيلها الخمسيني مجداً لنساء السودان. ولم تشد هذا المجد بغير ذكاء جم واستثمار حسن من نساء بلا حصر هششن لها لأنها بشرت بمواطنة جديدة للمرأة قوامها أنهن لسن ضحايا وإنما موضوع لنضالهن صوب إنسانية جديدة.
|
|