مبادرة الشيخ محمد الجعلي.. إنعاش للروح السودانية في زمن الجراح كتبه الشامي محمد

مبادرة الشيخ محمد الجعلي.. إنعاش للروح السودانية في زمن الجراح كتبه الشامي محمد


10-07-2025, 07:18 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1759864716&rn=0


Post: #1
Title: مبادرة الشيخ محمد الجعلي.. إنعاش للروح السودانية في زمن الجراح كتبه الشامي محمد
Author: مقالات سودانيزاونلاين
Date: 10-07-2025, 07:18 PM

08:18 PM October, 07 2025

سودانيز اون لاين
مقالات سودانيزاونلاين-USA
مكتبتى
رابط مختصر





في زمنٍ أثقلت الحرب فيه ضمير الوطن، وتفرّق فيه الناس بين نزوحٍ وموتٍ وحيرة، يطلّ صوت الشيخ محمد الشيخ حاج حمد الشيخ الجعلي، شيخ السجادة القادرية بكدباس، كصوتٍ يحمل في طيّاته نغمةَ الرحمة قبل السياسة، ودفءَ الإنسانية قبل المصالح. فـ«مبادرة كدباس للسلام ولمّ الشمل» لا تُقرأ بوصفها بيانًا أو مشروعًا سياسيًا، بل تُحسّ كنبضةٍ في قلب السودان، جاءت من عمق الوجدان الشعبي لتعيد التذكير بما نُسي: أن الوطن لا يُبنى بالقوة، بل بالعطف، ولا يشفى بالانتقام، بل بالمغفرة.

الشيخ الجعلي، وهو وريث مدرسة صوفية عريقة، لم يتحدث بلغة الشعارات، بل بلغة الإنسان الذي رأى الألم في عيون الناس وقرر أن يقول: كفى. فالمبادرة تمثل انتصارًا للضمير الاجتماعي على الضجيج السياسي، ونداءً إلى استعادة ما هو أعمق من السلام الموقّع على الورق — السلام الذي يبدأ من القلب، من البيت، من القرى والطرقات، من عودة الثقة بين الجيران، ومن دفن الخوف الذي استقرّ في النفوس.

من الناحية الاجتماعية، تُعد هذه المبادرة واحدة من أكثر الدعوات أصالةً في السنوات الأخيرة، لأنها تنطلق من فهمٍ دقيق لطبيعة المجتمع السوداني: مجتمع عرف التعايش قبل أن يعرف الدولة الحديثة، وأقام نسيجه على التراحم قبل القوانين. لذلك جاءت كدباس — بما تمثله من رمزية روحية ووطنية — لتذكّر الجميع أن ما يجمع السودانيين ليس الانتماء السياسي، بل ذاكرة الخير، والودّ، والوجه الطيب الذي لا ينسى.

هذه المبادرة لا تقف عند حدود “وقف الحرب”، بل تذهب أبعد من ذلك نحو إعادة ترميم الروح الوطنية الممزقة. فهي تقول إن البناء لا يبدأ بالإعمار المادي، بل بإصلاح العلاقات بين الناس، وإعادة الثقة، ونشر ثقافة الغفران. وهي بذلك تُعيد إلى الواجهة واحدة من أهم القيم التي تميّز الشخصية السودانية: الكرم الأخلاقي والقدرة على الصفح.

في خضمّ صراعٍ أنهك كل شيء، تحاول كدباس أن تُعيد للإنسان السوداني توازنه الداخلي؛ فأن يعيش الناس بلا أحقاد، هو أعظم من أن يربح طرفٌ حربًا. وما يلفت في مبادرة الشيخ الجعلي أنها لم تُصغ بلغة الأوامر، بل بلغة الرجاء، وكأنها تقول للسودانيين: لستم خصومًا في ساحة معركة، أنتم إخوة جُرِحَ بعضكم أكثر من الآخر.

المغزى الإنساني للمبادرة يتجلّى في إحياء فكرة الجماعة الوطنية التي انكمشت في زوايا الخوف واليأس. فحين تتحدث كدباس عن “لمّ الشمل”، فإنها لا تعني السياسيين وحدهم، بل تعني الأطفال الذين كبروا في أصوات القصف، والأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهن، والنازحين الذين حملوا بيوتهم على ظهورهم، وكل قلبٍ سوداني يتوق إلى لحظة صمتٍ وطمأنينة.

لقد قدّمت مبادرة الشيخ محمد الجعلي درسًا بسيطًا وعميقًا في آنٍ واحد: أن الدين حين يُستنطق في لحظة الألم يتحول إلى طاقة رحمة، وأن التصوف السوداني، بموروثه الإنساني العريق، لا يزال قادرًا على مدّ الجسور حين تُهدم الطرق. إنها مبادرة تنتمي إلى وجدان الناس قبل مؤسسات الدولة، وتعيد تعريف السلام لا كاتفاق، بل كحالة إنسانية يعيشها السودان إذا قرّر أن يصفح وينهض من جراحه.