الشيخ حاج حمد الجعلي.. الدين ليس سوطًا للسياسة لكنه جسر بين القلوب..!! كتبه محمد صالح محمود

الشيخ حاج حمد الجعلي.. الدين ليس سوطًا للسياسة لكنه جسر بين القلوب..!! كتبه محمد صالح محمود


10-07-2025, 07:16 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1759864595&rn=0


Post: #1
Title: الشيخ حاج حمد الجعلي.. الدين ليس سوطًا للسياسة لكنه جسر بين القلوب..!! كتبه محمد صالح محمود
Author: مقالات سودانيزاونلاين
Date: 10-07-2025, 07:16 PM

08:16 PM October, 07 2025

سودانيز اون لاين
مقالات سودانيزاونلاين-USA
مكتبتى
رابط مختصر







طالعت نهار اليوم خبرا عن مبادرة للسجادة القادرية أطلقها فضيلة الشيخ محمد الشيخ حاج حمد الشيخ الجعلي من كدباس، شعرت بالراحة النفسية تجاه المبادرة خاصة وانها جاء من رجل مهموم بالقضية الوطنية وسبق له أن تقدم بمبادرات في الشأن الوطني من أجل حقن الدماء السودان، ومن مدينة (كدباس) حيث تمتزج الأرض بعبق الذكر وتاريخ الصلاح والإصلاح، خرج صوت جديد في زمن الحرب ليعيد التذكير بأن الدين في السودان لم يكن يومًا سوطًا في يد السياسة، بل جسرًا بين القلوب. مبادرة السجادة القادرية التي أطلقها الشيخ محمد الشيخ حاج حمد الشيخ الجعلي ليست مجرد وثيقة دعوية أو نداء صوفي، بل هي محاولة جادة لإعادة بناء الوعي الوطني على قاعدة روحية، تضع “السلام” في مقام العقيدة، و”الوطن” في منزلة الأمانة التي لا يجوز التفريط فيها.

إنها مبادرة تنبع من عمق التجربة السودانية التي طالما ربطت بين التصوف والوجدان الجمعي. فكدباس، تلك الأرض التي حملت لقرونٍ راية المحبة والتسامح، لم تتحدث يومًا بلغة السياسة، لكنها كانت دائمًا تصيغ خطابها بلغة الله والإنسان، بلغة القلب والعقل معًا. ومن هناك، جاء النداء مفعمًا بالحكمة حين قال الشيخ الجعلي: "السلام قيمة شرعية وإنسانية كبرى"، وكأنه يذكّر السودانيين بأن الحرب التي تأكل أبناء الوطن لا يمكن أن تكون من الله، ولا من ضمير هذا الشعب الطيب الذي جبل على الصبر والمروءة.

في مبادرة كدباس تتجلى روح التصوف في أنقى صورها. ليست دعوة حزبية ولا اصطفافًا سياسيًا، بل نداء للضمير الإنساني، يستند إلى الحياد والتجرد، ويضع السجادة القادرية في موقع الوسيط بين المتنازعين، لا الحَكَم عليهم. الشيخ الجعلي لا يطرح شروطًا تفاوضية بقدر ما يدعو إلى استعادة جوهر السودان: بلد يسكنه الإيمان وتربطه الأخلاق، لا السلاح. ولذلك جاءت خارطة الطريق التي تضم وقفًا لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية، وحوارًا شاملًا لا يقصي أحدًا، كأنها محاولة لترميم جسد الوطن من أطرافه الممزقة إلى قلبه الواحد.

واللافت أن هذه المبادرة لم تكتفِ بالرمزية الدينية، بل امتلكت نَفَسًا عمليًا نادرًا في المبادرات السابقة. فحين يتحدث الشيخ عن جمع السلاح ودمج المؤهلين، وعن إشراك الشباب والمرأة في صياغة المرحلة المقبلة، فهو لا يخاطب الغيب، بل يضع يده على جوهر الأزمة: غياب الدولة العادلة والمجتمع المتماسك. وكأنما يريد أن يقول إن إصلاح السياسة لا يبدأ من القصور ولا من البنادق، بل من ضمائر الناس، من عودة الثقة إلى نفوس السودانيين.

وفي خلفية هذا النداء، يلوح المعنى الأعمق: أن الصوفية التي اتُهمت طويلاً بالابتعاد عن الشأن العام، تعود اليوم لتقول كلمتها في زمنٍ امتلأ بالعنف والكراهية. فكدباس هنا لا تقدّم دروسًا في الزهد، بل تقدم “مشروع حياة” مبنيًا على البصيرة. والشيخ الجعلي، وهو يستشهد بالآية الكريمة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾، كأنه يعلن أن طريق الإصلاح لا يُبنى على الغضب، بل على الفهم والرحمة والإيمان بأن الوطن يستحق الغفران قبل المحاسبة.

في سياق الحرب التي مزقت السودان، تبدو هذه المبادرة كضوءٍ يخرج من قلب العتمة. فالمؤسسات السياسية فقدت ثقة الناس، والأحزاب تحولت إلى جزرٍ متنازعة، بينما ظلّت الطرق الصوفية ملاذًا وجدانيًا للناس، تحفظ ما تبقى من الوجدان المشترك. لذلك فإن صوت كدباس، بكل هدوئه واتزانه، أقرب إلى صوت الأم حين تدعو أبناءها إلى المائدة بعد شجارٍ طويل.

قد لا تمتلك المبادرة جيوشًا أو موارد أو نفوذًا سياسيًا، لكنها تمتلك ما هو أندر: المصداقية. وهذا وحده كافٍ لأن يحرّك القلوب قبل البنادق. ومن يدرك التاريخ السوداني يعرف أن الكلمة حين تخرج من قلب كدباس، لا تبقى في محيطها الضيق، بل تنتشر كنسيمٍ يتسلل إلى الوعي العام، يوقظ الضمائر ويعيد التذكير بأن السودان لا يُبنى بالكراهية، بل بالمحبة والصبر والإيمان.

ولعل أجمل ما في المبادرة هو نداؤها الختامي الذي صاغه الشيخ الجعلي بروح من الانكسار الجميل: “إن وطننا أمانة في أعناقنا، والصلح خير”. كلمات بسيطة، لكنها تختصر كل الفقه الإنساني والسياسي معًا. ففي زمنٍ غلب فيه صوت المدافع على صوت الضمير، يخرج صوت كدباس كجرسٍ روحي، يذكّر الجميع أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

إنها ليست مبادرة عابرة، بل فصل جديد في علاقة الدين بالوطن في السودان. عودة للتصوف في ثوبه الأصيل: لا منزوٍ عن الحياة، ولا متورّط في السياسة، بل شاهدٌ عليها، يوجّهها برفق نحو الصلح والخير. لذلك يمكن القول إن مبادرة السجادة القادرية هي بمثابة “ضمير وطني ناطق”، يعلن أن روح السودان ما زالت حيّة، وأن في كدباس من لا يزال يؤمن أن الله سيهدي الذين جاهدوا في سبيل السلام إلى سُبل النور.