Post: #1
Title: الفصل بين الجنسين في مدارس الخرطوم: حين تُدار التربية بعقلية الحرب كتبه عاطِف عبدالله قسم السيد
Author: عاطِف عبدالله قسم السيد
Date: 10-05-2025, 04:55 AM
04:55 AM October, 04 2025 سودانيز اون لاين عاطِف عبدالله قسم السيد-UAE مكتبتى رابط مختصر
بقلم: عاطف عبدالله أصدرت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم قرارًا يقضي بمنع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع المراحل الدراسية، حكومية كانت أم خاصة، دون أي استثناء. القرار صيغ بعبارات فضفاضة تستند إلى "القيم الدينية" و"الأعراف الحميدة"، لكنه في جوهره ليس سوى محاولة لتكريس مشروع أيديولوجي سلفي في وقت تُركت فيه المدارس بين أنقاض الحرب، مدمرة بلا معلمين ولا كتب ولا مقاعد. من يتأمل في واقع التعليم اليوم يدرك حجم المفارقة: أكثر من 80% من مدارس الخرطوم إما دُمرت أو خرجت عن الخدمة، آلاف الأطفال بلا فصول أو مناهج، او مقاعد، والمعلمون بلا رواتب أو تدريب. مع نقص حاد في المعلمين، وسط هذا الخراب، يأتي الوزير الموقر ليحدثنا عن "الأخلاق" و"القيم" وكأن مشكلة السودان الكبرى هي جلوس الأطفال معًا داخل فصل واحد، لا غياب المدرسة من أساسها. ثم عن أي "دين حنيف" يتحدثون؟ الإسلام لم يأتِ قط ليبني جدرانًا عازلة بين الرجال والنساء في فضاءات العلم والعبادة. في صدر الإسلام، كان الرجال والنساء يتوضأون من إناء واحد، ويؤدون الصلاة في المسجد ذاته دون حواجز أو ستائر. ولو كان الاختلاط محرمًا كما يزعمون، لكان الحرم المكي أولى بالفصل، وهو المكان الأقدس الذي يجتمع فيه ملايين المسلمين رجالًا ونساءً من كل بقاع الأرض. إن قرار الفصل هذا ليس سوى انعكاس لعقلية الحرب التي تسعى إلى تحويل مؤسسات التعليم إلى معسكرات أيديولوجية، لا فضاءات للعلم والمعرفة. عوضًا عن التفكير في كيفية إعادة إعمار المدارس، وتوفير الكتاب المدرسي، وتحفيز المعلمين على العودة إلى الفصول، ينشغل القائمون على أمر التعليم بفرض أجندة سياسية مغلفة بخطاب ديني انتقائي. إن هذا القرار ليس مجرد عبث إداري، بل هو امتداد مباشر لمحاولات الإسلاميين إعادة التمكين عبر السيطرة على التعليم. فبعد أن انهارت مؤسسات الدولة في الخرطوم، يسعى تيار الإسلام السياسي لإعادة بناء نفوذه عبر المدرسة، بتحويلها إلى معسكر أيديولوجي، وتربية جيل جديد على ثقافة الانغلاق والعزلة بدلاً من الانفتاح والمعرفة. المطلوب من الوزارة ليس مزيدا من القيود، بل التحرر من عقلية الوصاية. المطلوب هو مدرسة آمنة، مفتوحة، حرة، يتعلم فيها الطفل كيف يفكر، لا كيف يُفصل عن زميله. ففي النهاية، لا تُقاس التربية بعدد الجدران التي تفصل الطلاب، بل بقدرتها على أن تفتح أمامهم أبواب المستقبل.
_______________________________________________ عاطِف عبدالله قسم السيد Atif Abdalla Gassime El-Siyd
|
|