العامل النفسي الذي عمّق الأزمة الوطنية كتبه إسماعيل عبد الله

العامل النفسي الذي عمّق الأزمة الوطنية كتبه إسماعيل عبد الله


10-03-2025, 11:44 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1759531487&rn=0


Post: #1
Title: العامل النفسي الذي عمّق الأزمة الوطنية كتبه إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 10-03-2025, 11:44 PM

11:44 PM October, 03 2025

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




في تناول أسباب الفشل الوطني منذ خروج بريطانيا العظمى، وإخفاق النخب المدنية والعسكرية (الوطنية)، في استكمالها لما بناه البريطانيون – السكك الحديدية ومشروع الجزيرة والنقل النهري، وتحطيمهم لكل ما تم إنشاؤه إبان تلك الحقبة، درجنا على نقد الحكومات المتعاقبة والأفندية الذين كانوا رموزا لها، ولم نكترث للجانب السلوكي النفسي، والموجهات التربوية والمفاهيمية التي يتم غرسها في العقول، وتجاهلنا المحصلة النهائية للفرد الذي يكون رجل الدين والسياسة والاقتصاد والجيش والقضاء، الرجل الذي تتكون بنية وعيه في الأسرة الصغيرة والمحيط المدرسي، فسلوك الأبوين والمعلم هو المحدد الأساسي لمستقبل هذا الرجل، فنحن نشيد بالمدرسة اليابانية في التربية والتدريب على السلوك الجماعي الإيجابي، والحرص على تخلق الأطفال بالأخلاق الحميدة والتعاون فيما بينهم، هذا الغرس الطيب أتى أكله كطفرة اقتصادية هائلة أثرت العالم، وسلم مجتمعي خفض معدل الجريمة إلى نسبة ضئيلة، البناء (التحتي) كما يحلو لمنظري النظام القديم، هو الأساس الذي يقوم عليه صرح الدولة وصلاح المجتمع، إذا كان معتمداً على العلم والأخلاق، بعكس ذلك يكون الناتج مجتمع غارق في الرذيلة والفساد والظلم والحرب والدمار والخراب، وكما حدثنا إرثنا التقليدي أن الأعمال بخواتيمها، فالحرب التي أحرقت السودان هي نتاج طبيعي لفشل النظام التربوي الأسري والمدرسي.
أخطأت الأسرة حين استفزت ابنها بالسؤال الاستنكاري: (هو احسن منك في شنو؟)، هذه المفردات أوجدت الصراعات السياسية والاجتماعية وأسست للفساد الاقتصادي، ابتداءً من انقلاب "عبود" إلى كارثة "البرهان"، ودهورت الخدمتين المدنية والعسكرية، لمسنا هذه الخصيصة في معاناة آبائنا مع الوظيفة الحكومية، المغتربون والمهاجرون الذين لم يخدموا في السلك الحكومي السوداني، هم الوحيدون المعافون من داء (الكنكشة) ونرجسية الأنا وتضخمها، يبدأ هذا الداء اللعين من صفوف المدرسة الابتدائية ويحفزه المعلم، بتكسير مجاديف التلميذ الذي لم يحالفه الحظ في المرة الأولى، فيوسم بوسم (الطيش)، والذي غالباً ما يلتحق بالجيش أو الشرطة ليفرغ هذه الشحنات السالبة على المجتمع والسياسة والاقتصاد، فبديهياً أن ينقلب عبود على الحاكم المدني، ويفعل ذات الشيء جعفر النميري، ويسير على ذات الدرب تلميذاه البشير والبرهان، إنّ من الموجهات الكارثية الصادرة من معلمي المرحلة الثانوية أنهم يستحقرون المهن العسكرية، ويخبرون طلابهم المقبلين على الامتحان المؤهل للدخول إلى الجامعات والمعاهد العليا، بأن من يحرز النسبة الأقل سيكون مصيره الفشل – دخول الكلية الحربية، لذلك جاء العداء سافراً بين العسكري والمدني، كلاهما يحتقر الآخر ويسأل (هو أحسن مني في شنو؟)، لذلك تآمر العسكري على "حمدوك"، ولأن "جبريل" أيضاً يرى نفسه دكتوراً وأن "حمدوك" ليس بأحسن منه!!.
لقد ولّدت هذه التفاضلية المهنية تفاضليات قبلية وعرقية وجهوية، فطوّرت السؤال الاستنكاري إلى سؤال جماعي هو الأكثر استفزازاً، استهدف القبيلة والعرق والجهة (هم أحسن منكم في شنو؟)، فاعتقل البشير الترابي وأذله وأقعده بمنزله إلى أن توفاه الله ندماً وحسرةً أضعفت قلبه، فسقط مغشياً عليه بمكتبه ومات، وأراد "البرهان" أن يفعل نفس الشيء مع "حميدتي"، لكن هذه المرة انكسرت الجرة، وسالت الدماء المختزنة فيها وغطت مساحات الوطن، فالذي يرى في شخصه الأفضلية لا يؤمن بقيمتي التعاون والشراكة، ويرى في هاتين القيمتين مجرد منافسة وسطو على حقه الأصيل بأصالة الجهة والقبيلة والعرق، على مؤسستي الأسرة والمدرسة أن تعملا على تلقين الطفل والتلميذ، حقيقة أن أفضليته تكمن في مدى تقديمه الخير للناس، بصرف النظر عن قبائلهم أو جهاتهم التي قدموا منها أو أعراقهم، وعلى المستوى الحكومي الأعلى أن يتعاون الوزراء مع رئيسهم بغض الطرف عما يملكون من إجازات علمية تفوق تلك التي يملكها الرئيس، فالنهضة الشاملة ترتكز على تضافر الجهود كل حسب موقعه، لا التناحر الداخلي البيني المبني على شرور الأنا المتضخمة. من موقعي بالمؤسسة التي أشغل فيها منصباً إدارياً رفيعاً، دائماً أوجه الموظفين أن يعيروا بالاً لما لدى كل واحد منهم من قيمة، وأن ينأى كل واحد منهم بنفسه عن شيئين، ما يميز زميله عنه من مهارة، وما يتقاضاه زميله من أجر.

إسماعيل عبد الله
[email protected]