Post: #1
Title: في ذكرى ميلاد عبد الخالق محجوب (23 سبتمبر 1927): الحركة الشعبية سودان جديد مركب مكنة جنوب (الحلقة ا
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 10-02-2025, 12:18 PM
12:18 PM October, 02 2025 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى رابط مختصر
في ذكرى ميلاد عبد الخالق محجوب (23 سبتمبر 1927): الحركة الشعبية سودان جديد مركب مكنة جنوب (الحلقة السابعة)
قلنا أن عبد الخالق محجوب نزع الجنوبي من "جونبيته"، التي لم تزد عن كونها مظلمة تاريخية جرداء داخلتها صناعة كما كشف عنها دوقلاس جونسون، لعقد زمالة جديدة لمخاطرة أخرى في الوطن. لم يرد لنا أن نكتفي بلطم الخدود على الماضي، بل لطام التاريخ. ولكن جنوبية الجنوبي مما لا ترغب الأطراف المباشرة للسياسة وسطه التخلي عنها. وسنرى في هذا المقال كيف أن الحركة الشعبية، التي ألغت الجنوب كمسألة منبتة عن المسألة السودانية، عادت لتملك الجنوبة بقوة في أول سانحة عرضت لها.
عند سانحة عشوائية ركبت الحركة مكنة الجنوبة
زعمت ما زعمت الحركة الشعبية عن دعوتها للسودان الجديد إلا أنها دعوة له من حركة مكنتها جنوبية سودانية كما يقال. فما تعاقدت مع حكومة السودان في نيفاشا في 2005 حتى أسفرت عن جنوبيتها بلا لبس. فاعتزلت جبال النوبة وشمالييها الذين فدوها بالمهج واستقلت بترتيب كفل للجنوب الانفصال بالاستفتاء إن لم يعجبه الحال في السودان. ورمت لجبال النوبة بترهة هي المشورة الشعبية في السودان القديم لا فكاك. وما يزال عبد العزير الحلو ممروراً من ذلك الخذلان مرائر أفقدته البوصلة فانقطعت بركته.
ولم تسفر جنوبية الحركة مثل سفورها في أعقاب ذائعة تجدد الرق في السودان في 1987. فوقعت لها من السماء للترويج لقضيتها بخاصة حين انتقلت ببؤرة نشاطها إلى أمريكا من أثيوبيا بعد سقوط حكومة الدرق في 1991. ففي أمريكا من ابتلوا بالرق مثل الأمريكيين السودن أو على خصومة مع العرب مثل اللوبي الإسرائيلي من يصغي ويتضامن معها بقوة ما جاءت تشكو من رق من عرب خاصة. ووجد قرنق هواه و"ضرى" حتى أنه قال يوما في كلمة له في أمريكا إن قاعدة النظام السياسي والاجتماعي في السودان هو الأبارتايد. ويعرف قرنق أن الأبارتايد لا ينطبق تعريفاً على الوضع في السودان. وبتبني هذه المظلمة التاريخية في سانحة عشوائية سنحت ارتدت الحركة لجنوبيتها دون الاختراق السوداني الجديد المنتظر. فلم تطرأ للحركة هذه المظلمة في ميثاقها الباكر في 1983. فعدت حتى ما ذاع عن الرق يومها دساً من الاستعمار الذي استثمر حتى في ثقافات السودانيين ل"يفرق ويسد".
ولا أعرف واقعة واعدة أرادت الحركة الشعبية الكسب من ترويجها وارتدت وبالاً عليها. فأفسدت ما بين قرنق وبونا ملوال الذي كان وضع قلمه الجريء البليغ تحت خدمة الحركة. علاوة على اضطرار الحركة نفسها النأي عن الذائعة حين صارت مركب سفهاء للمحتالين مثل الشاعرة الأمريكية السوداء كولا بوف. وانكشف الاحتيال وراء المساعي التي قامت لتحرير الرقيق بدفع الفدية عنهم. وبلغ من احتيالها أن قال الإعلامي الأمريكي الرمز لمحدثه عنها: "يعني اتخمينا" كما سيرد.
ولم يمنع نصح الناصحين العاطفين الحركة من انتهاز سانحة الرق لاستقطاب التضامن معها. ومن هؤلاء الناصحين رقية عمر وألكس دي وال في كتابهما "الغذاء وأسباب القوة في السودان" (1977). فأخذ الكتاب على قرنق قوله أن حكومة الإنقاذ الأصولية تصدر حصادها البشري من الرقيق إلى أقطار الدنيا محطمة أبعاد نسيج هوية السودانيين الأفارقة غير المسلمين. وزاد دي وال بقوله إن قرنق يعلم علم اليقين أن الأمر على غير الوجه الذي صوره، وأن الرق نفسه لم يكن باباً معتمداً في أجندة حركته الأصلية.
ولأن لكل كلام مقال، في قول الكتاب، فقول قرنق اقتضاه مقام الجمهور الأمريكي الذي خاطبه. فالدوائر المؤثرة في أمريكا استأثرت بخبر الرق السوداني بعد أن كذبه الزعيم الأسود المسلم لويس فركان كما سنرى. وأخذ المؤلفان على الحركة القومية الجنوبية رهنها مراميها البعيدة بمشاغل تلك الدوائر المحلية. وقال إنه متى تكذب الخبر، وكان ذلك شاغل جهات بعضها ممول من حكومة السودان، أدى إلى إحراج الحركة الجنوبية باشتباه الناس حتى في مظالمها الدقيقة الثابتة التي لا تحتاج إلى تطويل أو تهويل.
مقال دي وال في "اليسار الجديد"
واستقل دي وال بمقال لوحده في مجلة اليسار الجديد (يناير-فبراير 1998) يهادى الحركة الشعبية دون أن تتظلم بالرق وتجري به في ############ات أمريكا كما يقولون. وبدأ بتفكيك خطاب الرق السوداني في أمريكا. فليس لذلك الرق في ما دار حوله في أمريكا حقيقة باطنة فيه بمعزل عن الطريقة التي تشكل بها الخطاب والموضوع في غمرة المصالح المتدافعة حولهما. فالجدل الدائر حول اتهام السودان بالرق، في قوله، هو بالأحرى جدال حول أجندة المنظمات السياسية والإنسانية والدينية الناشبة في السياسة السودانية بأكثر من انه شغف بمصائر المسترقين أنفسهم.
فبعد استبشاع دي وال ما كان يجري من وقائع استرقاق في السودان قال للحركة إنه ليس أوسع أبواب العذاب البشري في حرب الجنوب. فالرق ليس سياسة معتمدة للدولة المركزية الظالمة وإن غضت الطرف عنه. والتمس من الراحل قرنق ألا يشتط في وصف هذه الممارسة الخسيسة كنشاط راتب للدولة تُصدر ضحاياها إلى أقطار الدنيا. وقال إن الراحل يعلم عنها بأفضل مما يصرح.
والتفت لتفكيك استجابة أمريكا لذائعة الرق السوداني. فقال بأن وضع الرق السوداني في صدارة الاهتمام الأمريكي هو حيلة أمريكية صهيونية. قصدت بها هذه الجماعة الأمريكية تحجيم نفوذ الشيخ لويس فركان، الزعيم الأمريكي الأسود والمتهم بمعادة السامية، الذي نفي واقعة النخاسة السودانية. وكان نجم لويس آنذاك في صعود وهو يقود المسيرة المليونية السوداء إلى واشنطن. وخشيت تلك الدوائر أن يُعدي فركان أهله السود بكراهة السامية خاصة وأن تحالف السود واليهود التاريخي لأجل الحقوق والحريات كان يحتضر آنذاك. وقد تنبأ دي وال بأن موضوع الرق سيعود بالخيبة للحركة الشعبية في خاتمة الأمر. فمن رأيه أن ذائعة الرق السوداني كما هي في الوسائط الأمريكية لن تصمد طويلاً أمام العين الفاحصة وتوارد الحقائق. وقال إنه متى افتضحت المبالغة التي تكتنفها فلربما أساء ذلك إلى المظالم الأساسية للحركة الشعبية التي لم يكن الرق أصلاً فيها.
ورد دي وال ما ذاع عن تجدد الرق في السودان إلى ما سماه صدأ الريف أو تصدعه. (ما يرد هامش مني) فكانت الواقعة التي شاعت مما يعرف ب"رق الرهن". وهي حيلة تاريخية وعالمية ترهن بها أسر في ضنك مسغبة أولادها وبناتها لجماعة أخرى في أمن من العيش ليجتازوا المحنة. فتخدم البنات والأولاد الأسر التي ارتهنوا بها. ويمكن لأسرهم، متى زال كربهم، استردادهم بدفع رسم عن كفالتهم. ولا يكون رقاً إلا حين تفشل الأسرة في تدبير ذلك الرسم.
وأخذ على قرنق أن يدير سياسته بالدعاية التي لن تحرر الرقيق ولن تعين على فض النزاع السوداني. (وهذه مني) فجاء يوم في 1999 اتفق النوير والدينكا في وثيقة عرفت بوثيقة "وينلت" على تبادل ما استرقه واحدهم من الآخر بفضل مجلس كنائس السودان بعد المفاصلة الدموية بين الشعبين في أثر انقسام الحركة الشعبية في 1991. وسموا من خضعوا لذلك الاسر بالمختطفين لا الرقيق في حين لا يقبلونها لو قلت لهم أن ضحايا الرزيقات مثلاً مختطفين. وحمل مقال جريء لمادوت جوك وشارون هتشنسون نقداً مراً لقرنق بأنه تثاقل في رعاية تلك الاتفاقية في سياق عرضا له ولا نريد له أن يشغلنا هنا.
كولا بوف المحتالة
ودخل من ذائعة الرق المحتالون طلاب الأضواء فابتذلوها ومسخت في الآذان. ومن أولئك كولا بوف. وهي شاعرة وممثلة ومقاتلة من أجل الحرية تسمي نفسها "بنت النيل" لزعمها الميلاد من أب أثاري مصري وأم من أميرات شعب الواق الصومالي. ولدت في أم درمان باسم نعيمة أبو كولبوكيك. وعاشت في السودان حتى بلغت العاشرة من عمرها. وقد رأت بأم عينيها أباها يُقتل لأنه عارض الرق وحكومة العرب السودانيين. ومع كونه عربياً إلا أنه كان من مؤيدي العقيد قرنق. ولاقت أمها نفس المصير. وقد "صبأت" كولا عن الاسلام وتدينت على عقائد النيليين الأفارقة. وولعها بالتصوير عارية على أغلفة كتبها من باب التقوى في دينها الجديد. ولما أصبحت يتيمة كفلتها أسرة أمريكية أفريقية. وتقول إنها آنذاك تحت حماية الإف بي أي لأن حكومة السودان قد أفتت بقتلها لنقدها حكمها الاسلامي. وقالت إنها تعرضت لإطلاق نار في لوس انجلوس وقد ردت بالمثل. ونفي الإف بي آي علمه بالواقعة غير أن كولا قالت إن هذه طريقة المنظمة في حمايتها من الشر الذي يتقصدها.
واستضافت شبكة فوكس الأمريكية كولا بوف وزعمت للقناة أنها كانت عشيقة لأسامه بن لادن لوقت قصير حين التقت به في المغرب في آخر التسعينات. وقالت إنها كانت هناك عاهرة صفوة وممثلة في أفلام الجنس. وقد تقاطع دربها بأسامة فأعجبته فأرسل حرسه في طلبها واعتدى عليها في ليلته الأولى. سألتها مذيعة فوكس كيف عاشت مع أسامة وهي له كارهة. فردت أن الأمريكيين لا يعرفون سطوة الرجل على المرأة في الاسلام وخصوصاً وهو عربي أبيض وهي نصف عربية سوداء. ووافقت كولا تقدير المذيعة عن ذكاء بن لادن بغير حماس وقالت إنه شديد العاطفة وقد قرأت له شعراً جيداً بتوقيع "سامي" الذي هو أسامة. وسألتها المذيعة إن كان حدثها عن كراهيته لأمريكا فقالت بلى وأضافت أن كراهية الأمريكان هي ما شبت عليه هي نفسها في أمدرمان حيث أرضعوها كراهية أمريكا وكانت تشاهد الرقيق مسمرين على حيطان المدينة.
وهرجت كولا حتى مجتها الحركة الشعبية بعد حماسة لها. فنأت بنفسها عنها وخاصة حين تحدثت عن علاقتها ببن لادن مما اعتبرته حديثاً مكذوباً. وبلغت من السخف في الضرب على وتر الرق السوداني حداً أضطر معها السيد دينق مجاك، ممثل الحركة الشعبية في لندن، لتكذيب أي صلة للسيدة بالحركة.
ونعرض في مقال آخر عن انكشاف ضلال عملية تحرير الأرقاء بدفع فدية عنهم لأسيادهم.
|
|