Post: #1
Title: فقه الفِرار (الإنسحاب) في الإسلام كتبه محمد الصادق
Author: محمد الصادق
Date: 10-01-2025, 07:26 PM
07:26 PM October, 01 2025 سودانيز اون لاين محمد الصادق-السودان مكتبتى رابط مختصر
انسحاب خالد بن الوليد المشهور الذي حدث في معركة مؤتة اعتبره بعض أهل المدينة آنذاك من باب الإدبار أو التولي لكن الرسول نفسه صحح الوضع: ففي حديث أبي داود عن إبن عمر: ( ... فجَلَسْنا لرَسولِ اللهِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ، فلمّا خَرَجَ قُمْنا إليه، فقُلْنا: نحن الفَرّارونَ، فأَقبَلَ إلينا، فقالَ: لا، بل أنتم الكَرّارونَ، قالَ: فدَنَونا فقَبَّلْنا يَدَه، فقالَ: أنا فِئةُ المُسلِمينَ)
لقد صار انسحاب خالد بعد ذلك إنجازا عسكريا فريدا فلولا هذا الإنسحاب لتمت إبادة جيش المسلمين عن بكرة أبيهم والمتأمل للحديث يجد أن الرسول اعتبره فتحا: ففي حديث البخاري عَنْ أَنَس: (أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ. (وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ) حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ )
واذا كان بعض المتشددين في المدينة ظلوا يعتبرون خالدا متوليا ومدبرا وفارّا وبالتالي يعتبرون الفارّين آثمين فما بالك بمتشددي اليوم نعم لقد فرّ خالد وجيشه في مؤتة هذه حقيقة لا يمكن إنكارها لكنهم كرّوا في معارك أخري كثيرة وانتصروا لدين الله ولولا الفرار لما كان الكرّ بل لما كان هناك جيش للمسلمين أصلا قال ابن حجر في فتح الباري: "واختلف أهل النّقل في المراد بقوله: ( حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ )، هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين؟ أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتّى رجعوا سالمين؟ " إن الذين ينكرون واقعة مؤتة ويقولون أنه لم يكن هناك انهزام في مؤتة حتي ينكروا حقيقة الفرار هؤلاء يغالطون الحقائق فالهزائم ذكرت حتي في القرآن في أحد وحنين بل إن الفرار يصبح فرضا احيانا يكون معه الاقدام معصية بدليل: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة}. جاء في تفسير محاسن التأويل للقاسمي:
"قال الحاكمُ في (مَسْألَةِ الفِرارِ): إنَّ ذَلك يرجِعُ إلى ظَنِّ المُقاتِلِ واجْتِهاده، فإنْ ظَنَّ المُقاوَمَةَ لَمْ يَحِلَّ الفِرارُ، وإنَّ ظَنَّ الهَلاكَ جازَ الفِرارُ إلى فِئَةٍ وإنْ بَعُدت ... وعَنِ الكَرْخِيِّ: أنَّ الثَّباتَ والمُصابَرَةَ واجِبٌ، إذا لَمْ يَخْشَ الِاسْتِئْصالِ، وعَرَفَ عَدَمَ نِكايَتِهِ لِلْكُفّارِ، والتَجَأ إلى مِصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أوْ جَيْشٍ"
قال البيهقي: " قد اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم، منهم من ذهب إلى ذلك، ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين، وانهزم المشركون، وحديث أنس: ( ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ فَفُتِحَ عَلَيْهِ )، يدل على ظهوره عليهم. وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المراد ب"الفتح" في الحديث: أنه بعد ما أصاب المسلمين، وما حلّ بهم من مقتل الأمراء، مما يؤدي إلى انكسار الشوكة في العادة، وعلو العدو؛ إلا أن خالد بن الوليد أمكنه بتوفيق الله تعالى: أن يخرج بالجيش سالما، ومنظما، ويرجع به إلى المدينة من غير أن يلاحقه العدو، أو يتغلب عليه.
قال ابن كثير: " وأما ابن إسحاق: فإنه ذهب إلى أنه لم يكن إلا المحاشاة، والتخلص من أيدي الروم، وسمى هذا نصرا وفتحا؛ أي: باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو بهم، وتراكمهم وتكاثرهم وتكاثفهم عليهم، فكان مقتضى العادة أن يُصْطَلموا بالكلية، فلما تخلصوا منهم، وانحازوا عنهم؛ كان هذا غاية المرام في هذا المقام. [البداية والنهاية: إبن كثير]
قد يستشكل البعض، كيف انحاز خالد بالجيش، ولم يستمت في قتال العدو؟! فيظهر له كأن فيه صورة من صور التولي يوم الزحف، وهو من الكبائر.
وجواب هذا الإشكال هو: أن ترك القتال والخروج من أرض المعركة ليس كله محرما معدودا من الفرار من الزحف، بل بعضه مشروع. فأمير الجيش إذا رأى أن القتال لا جدوى منه، ورأى أنه لا يتحصّل منه إلا هلاك جند المسلمين، فإذا أمر بالانسحاب في هذه الحال؛ لأجل أن ينحاز إلى جماعة المسلمين يتقوى بها، فهذا لا حرج فيه، بنص القرآن الكريم: قال الله تعالى:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير}
ويدخل في هذا أن ينحاز الجيش إلى البلد الذي فيه الخليفة والإمام.
قال ابن كثير: " ( أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ) أي: فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين، يعاونهم ويعاونونه، فيجوز له ذلك، حتى و لو كان في سرية، ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم؛ دخل في هذه الرخصة...
وكذلك قال عمر بن الخطاب في أبي عبيد لما قُتل على الجسر بأرض فارس، لكثرة الجيش من ناحية المجوس، فقال عمر: لو انحاز إليّ كنتُ له فئة. هكذا رواه محمد بن سيرين، عن عمر.
وفي رواية أبي عثمان النهدي، عن عمر قال: لما قتل أبو عبيد قال عمر: ( يا أيها الناس، أَنَا فِئَتُكُمْ)
والمسلمون لا يجب عليهم الثبات إلا إذا كان عدوهم عدده ضعف عددهم، أو أقل؛ فإن كانوا أكثر من ذلك، رخص لهم في أن ينحازوا عن ملاقاتهم.
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: ( الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )،
وروى ابن أبي شيبة في"المصنف" وغيره: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ. يَعْنِي: مِنَ الزَّحْفِ".
قال ابن كثير: " لعلّ طائفة منهم فرّوا لمّا عاينوا كثرة جموع العدوّ، وكانوا أكثر منهم بأضعاف مضاعفة؛ فإنّ الصحابة كانوا ثلاثة آلاف، وكان العدّو - على ما ذكروه - مئتي ألف، ومثل هذا يسوّغ الفرار، على ما قد تقرّر" "البداية والنهاية" [موقع الإسلام سؤال وجواب]
"قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يُسْأَلُ عَنِ الْقَوْمِ يَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ أَوْ يَكُونُونَ فِي مَحْرَسٍ يَحْرُسُونَ فَيَأْتِيهِمُ الْعَدُوُّ وَهُمْ يَسِيرٌ، أَيُقَاتِلُونَ أَوْ يَنْصَرِفُونَ فَيُؤْذِنُونَ أَصْحَابَهُمْ؟ قَالَ: إِنْ كَانُوا يَقْوَوْنَ عَلَى قِتَالِهِمْ قَاتَلُوهُمْ، وَإِلَّا انْصَرَفُوا إلى أصحابهم فأذنوهم" "تفسير القرطبي"
"ويجوز الفرار عند المالكية إذا كان العدو في عدده ضعفي المسلمين؛ لذلك فرار الواحد من الاثنين فرار من الزحف عندهم، ولا يعتبر فرار الواحد أمام الثلاثة فرارا من الزحف، ولا يتوجه عليه الوعيد.
وقد نص فقهاء المالكية على أن الفرار يجوز في أحوال أربعة:
● التحيز: والمقصود بالتحيز الرجوع إلى الأمير أو إلى فئة يتوقى بهم.
● التحرف: وهو تظاهر المجاهد بالانهزام ليغر العدو بهربه فيتبعوه فيرجع إليهم.
● مجاوزة العدو الضعفين: فإذا جاوز العدو الضعفين ولو بواحد جاز الفرار ما لم يكن من أسلموا قد بلغوا اثني عشر ألفا فلا يجوز لهم الفرار ولو بلغ العدو أضعاف أضعافهم.
● إذا كان المقاتل أعزل لا سلاح معه.
ولبعض المالكية مذهب في حرمة الفرار متعلقه مراعاة الضعف والقوة والعدة، فقد ذهب ابن الماجشون إلى جواز أن يفر مائة فارس من مائة فارس إذا علموا أن ما عند المشركين من النجدة والبسالة ضعف ما عندهم" [الجهاد عند المالكية: د. محمد المختار المهدي] 《الي هنا انتهت كل المادة المقتبسة》
نقول: علي المسلمين أن يعلموا - كما ذكرنا في مقالات سابقة- أن معركة بدر لن تتكرر بحيث ينزل ملائكة يقاتلون مع المسلمين فمعركة بدر كانت مكر الهي بالكفار: {وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ} والمسلمون مأمورون في المقام الأول بنشر دعوة الإسلام والمفترض أن يكون المسلمون الآن أغلبية وليس أقلية في العالم ولكن الأعداء لا يريدون ذلك ولذلك فالعداء للاسلام لم يتوقف ولا للحظة واحدة وللأسف الأعداء يعملون بخطط طويلة المدي ويعملون في محاور متعددة وأحد هذه المحاور هو المواجهة العسكرية والأعداء الآن متفوقون في كل شيء في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا بينما الدولة الإسلامية في قاع الدول في هذه الجوانب مع أن معظم الموارد الإقتصادية تتركز في دول الإسلام
واما بالنسبة للقوة العسكرية فلا يوجد مقارنة اصلا وأي صراع عسكري يكون مثل صراع بين أسد وأرنب في الماضي كان يوضع للخيل اعتبار خاص في المعارك القتالية فكانت من أهم العتاد الحربي ومع ذلك كما جاء أعلاه أنه في ظروف معينة يجوز لمائة فارس أن يفرّوا من مائة فارس مثلهم فالآن المسلمون قوتهم اقل من واحد في المائة من قوة اعدائهم فلا مقارنة بين المنظومات الهجومية والمنظومات الدفاعية سواء في البر أو البحر أو الجو الأعداء كذلك متفوقون جدا في الاتصالات والاعلام والمراقبة والرصد والتجسس
وبفعل دسائس الأعداء نجد أن دول الإسلام غير متوحدة وعلي العكس هم متفرقون بل متناحرون ونجح العدو في أن يصطادهم واحدا واحدا وأن يجعلهم في بعض الدول يقاتلون بعضهم بعضا بعض الدول التي كان يشار إليها بالبنان ارجعتها الصراعات الداخلية قرون عديدة إلي الوراء وأصبح كل همهم الأكل والشرب والمأوي وأصبحت كل أمانيهم المستقبلية الحصول علي كهرباء ومياه نظيفة
قبل القوة العسكرية تستخدم الآن القوة الإعلامية المسلمون المغلوب على أمرهم يصورهم الإعلام معتدين جبارين ارهابيين وذلك بسبب إطلاقهم صاروخ يدوي أو مسيّرة بدائية ولكن الضربات الثقيلة التي ينفذها الأعداء هي حالات دفاع عن النفس في الأسابيع الفائتة جربوا في إيران قنابل مهولة الوزن القنبلة الواحدة تزن مئات الآلاف من الكيلوجرامات وفي اليمن ولبنان وفلسطين يجربون كل شيء حتي أجهزة إتصالات حولوها إلي قنابل يتحكم فيها من علي البعد وكل شخص أرادوا أن يصلوه فقد وصلوه
هناك الآن استنزاف غير عادي للشباب المسلم واستنزاف للموارد والثروات وتدمير للبنيات التحتية بصورة غير طبيعية كل ذلك من أجل ألا تكون هناك أدني نهضة إسلامية في القريب ليظل المسلمين أتباعا فقط وليتم تشويه دينهم وحضارتهم عبر الغزو الثقافي
مشكلة المسلمين الآن انهم يساعدونهم في كل ذلك عندما يصرون علي المقاومة وهم شبه عُزّل اليابان أعلنت الاستسلام في الحرب العالمية لأنها أدركت الفارق في القوة ولكن بعد بضع سنين اصبحوا في المقدمة في كل شيء شيوخ المسلمين في كل جيل يحرضون الشباب بقوة للحروب الفدائية لأن كل منهم يريد أن يري ثمرة ذلك أثناء حياته مع أنه لو حدث انسحاب لثلاثين أو أربعين سنة فقط لعاد المسلمون يسيطرون على معظم العالم إن لم يكن كله
الآن الإسلام دين معترف به في كل العالم والمساجد منتشرة في كل بقعة من بقاع العالم ولكن لو دامت هذه الحالة طويلا حالة المقاومة من مواقع الوهن فلتتقلص المساجد ويُضيّق علي المسلمين شيئا فشيئا بحجة أنه دين الإرهاب والإرهابيين ولذلك يجب أن نتذكر أن الجهاد في سبيل الله يكون فقط من أجل [إعلاء] كلمة الله وفي الحديث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)
يقول الفيلسوف الاسلامي الدكتور مصطفي محمود:
"اذا نزل مسلم وكافر إلي البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة فالله لا يحابي الجهلاء فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر المتعلم سينجو"
□■□■□■□■ تذكرة متكررة: ¤¤¤¤¤¤¤¤ بالدعاء على الظالمين الذين اخرجوا الناس من ديارهم بغير حق وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض ونهبوا الحقوق و"بهدلوا" الناس و"بشتنوهم" و"جلجلوهم" وجوعوهم وساموهم سوء العذاب
الله غالب .. ودعاء المظلوم لا شك مستجاب
|
|