عبد الخالق محجوب في عيد ميلاده الثامن والتسعين (23 سبتمبر 1927): جو (الحلقة السادسة) كتبه عبد الله

عبد الخالق محجوب في عيد ميلاده الثامن والتسعين (23 سبتمبر 1927): جو (الحلقة السادسة) كتبه عبد الله


09-30-2025, 12:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1759231147&rn=0


Post: #1
Title: عبد الخالق محجوب في عيد ميلاده الثامن والتسعين (23 سبتمبر 1927): جو (الحلقة السادسة) كتبه عبد الله
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 09-30-2025, 12:19 PM

12:19 PM September, 30 2025

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر







حجبت كلمة عبد الخالق محجوب، التي رد بها على من شغبوا بوجه مؤتمر المائدة المستديرة (مارس 1965) الذي انعقد للتداول في مسألة الجنوب، عبارة أخرى من العيار السياسي الثقيل سليلة نفس كلمته التي تعزز فيها بحزبه الشيوعي الذي جاء ل"أحفاد الزبير" بسبيل يعبرون به من ماضيهم يداً بيد مع الجنوبيين إلى زمالة رحيمة في الوطن ورحيبة.

وفي كلمته المحجوبة حرر فيها الجنوبي من "جنوبيته" نفسها إذا أراد أحد من الجنوب دمغه بها ليصادر خياراته الرحبة في العمل لقضية الجنوب أين شاء وكيف شاء.

فليس في عرف حزب عبد الخالق أن يرى الصفوي الجنوبي أحرص منه على الجنوبي على وجه الإطلاق. وعليه فلن يعتزل حزبه الجنوبي لأن حركة جنوبية أو أخرى افترضته، متى رغب في العمل السياسي، عضواً فيها ببطاقة هويته الجنوبية. ولا يدخل بالنتيجة نطاق السياسة الوطنية إلا بها. فقصر وعي الجنوبي وممارسته بحركة جنوبية خالصة يحيل هذه الحركة إلى "متعهدة للجنوب"، أو وكيله الشرعي، لا حركة قومية أخرى في الميدان تنافس على كسب الجنوبي مثل غيره من أناس الوطن. بل رأى عبد الخالق مخافة في تسليم الجنوب لمثل ذلك الوكيل الشرعي. ففي الجنوب قوى اجتماعية وإثنية مختلفة لها سقوف خاصة في تحقيق مطالبها وإن اجتمعت في المظلمة القومية. وصح السؤال هنا: ما ضمان أن يفي هذا الوكيل بالتزامه تجاه القوى الاجتماعية مثل العمال والمزارعين وسائر الكادحين التي خرج مثل الحزب الشيوعي لخدمتها على نطاق الوطن؟ فهل إحلال الجنوبي في مركز الجنوبي في الدولة هو نهاية الأرب للجنوب وللجنوبيين الذين هم نصب عين حزب الشيوعي؟ وقال عبد الخالق ناظراً لخذلان الصفوة البرجوازية للشماليين والكادحين منهم حين تولت أمر الشمال بالاستقلال:

"وإذا كان حال الجنوب لم يتبدل كما يقول بعض القادة الجنوبيين لأن الشماليين حلوا محل البريطانيين في الإدارة، فقد لا يتبدل الحال بالنسبة للمواطن الجنوبي العادي إذا حل جنوبي مكان شمالي في الادارة، تماماً كما لم يتبدل حالنا في الشمال بسودنة وظائف البريطانيين" (تصفيق)

فإذا كان القادة الجنوبيون يريدون حقا تطوير ذلك الجزء من الوطن فعليهم أن يعرضوا على الجميع، بجانب مشروعاتهم لمنزلة الجنوب في الدولة السودانية من مثل الفدرالية مثلاُ، برامجهم المحددة لتنمية البلاد وجنوبها. وأراد عبد الخالق من ذلك أن يرى من الحركة الجنوبية "ضمانات تؤكد أن المواطن الجنوبي لن يقع فريسة للاستغلال أو السيطرة أو التحكم من قِبل الجنوبيين الذين يتسلقون إلى أعلى أجهزة الدولة".

وكان يومها من الجنوبيين أنفسهم من لم تحل جنوبيته دون أن يرى في مثل الحزب الشيوعي ضمانات أوكد لخدمة الجنوبيين من أحزاب "الوكالة الشرعية" عن الجنوب. وعرف عن الشمال ما تجاوز به دمغهم ب "أحفاد الزبير". كما عرف عن الجنوب نفسه ما لا يصمه بخمول الضحية. فلم ير مثله أن يسلس الجنوبي قياده لأي من صفوته بواعز جنوبيته. فصفوته كثير وتتباين في المنشأ الاجتماعي والرأي. وعليه تصبح دراسة منشئها وتحليل سياساتها مقدمة في الانتماء إلى حركاتها على محض جنوبيتها.

وكان من هؤلاء جوزيف قرنق (جو)، المحامي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي منذ 1956. وصدر له كتاب "مأزق المثقف الجنوبي "بالإنجليزية ضمن أدب الحزب الشيوعي السري تحت نظام الفريق إبراهيم عبود (1958-1964) ثم نشر لاحقاً في إنجليزيته ومعرباً.

استعرض عبد الماجد بوب كتاب جو الصغير استعراضاً موفّقاً في الصحف السيارة. فوضعه في مكانه وزمانه. فقال إن جو تناول بالتحليل ثلاث تيارات رئيسة وسط المثقفين الجنوبيين. فهناك التيار اليميني المتطرف الذي ينادى بانفصال المديريات الجنوبية انطلاقاً من التناقضات "العرقية" والثقافية بين الشمال والجنوب. ويرى جو بأن هذه المنطلقات حالت دون أن يضع من تبنُّوها التناقض القائم مع الشمال في حجمه الطبيعي. فجعلوه الأعلى بينما تغاضوا عن التناقض الأكبر مع الاستعمار. وخلاصة موقف هذه التيار كان عرقياً حتى النخاع. فإذا لم يكن بالإمكان تحويل "العربي" إلى “زنجي" أو "الزنجي" إلى "عربي"، في قولهم، فمن الخير لهما أن ينفصلا. أما التيار الثاني فهو الأوسع نفوذاً بين مثقفي الجنوب. وهم من وصف جو حالتهم بالارتباك والحيرة السياسية. ويعزى ذلك إلى تأرجحهم بين الوحدة والانفصال. فمن ناحية يتهيَّب هؤلاء تبني الدعوة للانفصال عن الشمال إدراكاً منهم لاحتمالات وقوع الجنوب في أحضان الاستعمار. ومن ناحية ثانية يخشى هؤلاء الدعوة للوحدة مع الشمال مخافة أن تفتح هذه الخطوة موارد الجنوب أمام مطامع الرأسمالية الشمالية. أما التيار الثالث في صفوف المثقفين الجنوبيين فهو الداعي للوحدة رافضاً وجهة النظر القائلة بأن التناقض القائم بين الشمال والجنوب هو تناقض "عرقي". فالتناقض الأكبر عندهم هو مع الاستعمار بغير تغاضٍ عن تناقض حقيقي، على ثانويته، مع الرأسمالية الشمالية.

ويؤذي هؤلاء النفر الوحدوي إهمال الحكومة تظلمات الجنوب المشروعة وعدم الاصغاء لمطالبهم في الحكم المحلى، واللجوء إلى العنف في مواضعٍ كانت تتطلب إعمال الحكمة السياسية وبُعد النظر لكسب ثقة المواطنين الجنوبيين، واستمالتهم إلى جانب الوحدة. ويدعو أفراد هذا التيار إلى تحالف الحركة السياسية في الجنوب مع الحركة النقابية والحزب الشيوعي الذي كان أول من نادى بمراعاة خصائص المديريات الجنوبية، وضرورة منحها شكلاً من أشكال الحكم المحلي، وحق انتخاب مجالسها النيابية. وظلّ أفراد هذا النهج الثالث قِلة محدودة، ولكن نشاطهم وأهدافهم السياسية كانت لها أصداء لا يمكن التغاضي عنها. ومن ذلك عقدهم ل "مؤتمر الشباب الجنوبي" في عام 1957 في مدينة واو الذي راوح عند مطالب مذكِّرة جمعية رُفاه الموظفين الجنوبيين، التي بمثابة نقابة نشأت في 1947 لتمثل مصالح موظفي الحكومة الجنوبيين. وقال بوب أن ذلك المؤتمر الوحدوي كان بمثابة الرد على مؤتمرَيْ جوبا الثاني والثالث في أعوام 1954 و1955 للسياسيين الجنوبيين الذين تمسكوا بمطلب "الفدريشن". وهو المطلب الذي أصبح الاسم الرديف للانفصال.

وهكذا نرى في كتاب جو نهجاً لم يقع لنا كثيراً في تفكيك "الجنوبة". فليس الجنوب أمة واحدة. فهي أمة على خلاف فيما بينها حول منزلة الجنوب في الامة. ومنها من لم يعرف عن الشمال غير أنهم "أحفاد الزبير باشا" بينما رأى آخرون فيه حليفاً ضد الاستعمار أعلوا التناقض الأولى بين السودانيين جميعاً والاستعمار وأخروا التناقض الثانوي معهم الذي تعلق بنسبتهم للزبير باشا ضمن أشياء أخرى.

كان جو رمزاً بليغاً للزمالة في الوطن التي صدع بها عبد الخالق في وجه من شغبوا في وجه مؤتمر المائدة المستديرة بوصف الشماليين ب"أحفاد الزبير". وكان حين قال لهم خليكم مع الزمن فبين أحفاد الزبير نشأ حزب شيوعي قد تمتع بالزمالة مع جو منذ صعوده للجنة المركزية للحزب في مؤتمر الحزب الثالث في 1956 وفي مكتبه السياسي لاحقاً. وتضرجت زمالتهما في الشغف بالوطن. فأعدما معاً في سجن كوبر في أعقاب فشل انقلاب 19 يوليو 1971. ولقيا الموت كرفاق مشيا فوق الجمر معاً.