Post: #1
Title: السودان- حافة الانتحار الوطني: إما تأسيس دولة حديثة أو لا دولة على الإطلاق كتبه خالد كودي
Author: خالد كودي
Date: 09-28-2025, 03:46 AM
04:46 AM September, 27 2025 سودانيز اون لاين خالد كودي-USA مكتبتى رابط مختصر
27/9/2025 ، بوسطن
لحظة الإنذار السوداني السودان اليوم على حافة هاوية، لا يواجه أزمة عابرة بل حصاد عقود من تسلط النخب الفاشلة التي رسخت مشروعًا أحاديًا بلغ ذروته في حكم الإخوان المسلمين، فحوّل الدولة إلى أداة للهيمنة والإقصاء، وأغرقها في الحروب والنهب حتى انهارت مؤسساتها التعليمية والصحية والاقتصادية. الأرقام المروعة من قتلى ونازحين واقتصاد منهار ليست مجرد إحصاءات، بل صرخات تنذر بمستقبل أكثر ظلامًا إن لم يُواجه هذا الواقع بشجاعة. ومع ذلك، فإن النخب التي قادت الخراب، بالتواطؤ أو اللامبالاة، لا تزال عاجزة عن مراجعة نفسها أو تغيير مسارها للأسف. في المقابل، يشهد السودان اليوم حراكًا إقليميًا ودوليًا واسعًا، سواء عبر الرباعية أو غيرها من المنابر، وهو ما يفتح نافذة ــ ولو محدودة ــ لالتقاط أنفاس جديدة. صحيح أن المجتمع الدولي تحركه مصالحه وتوازناته الإستراتيجية، إلا أنه لا يستطيع المضيّ في أي تسوية من دون شركاء سودانيين، بغض النظر عن هويتهم أو حجم تأثيرهم الفعلي. غير أن هذه الشراكة لن تكون ذات معنى ما لم تُقدَّم رؤية سودانية صلبة تنطلق من جذور الأزمة، وتضع العدالة والمواطنة والمساءلة في مركز أي حلّ. هنا تتجلى مسؤولية القوى المدنية والسياسية السودانية: أن ترتقي إلى مستوى اللحظة، وتدرك أن أي حديث عن السلام لن يكون سوى وهمًا جديدًا إذا لم يرتبط بدفع مستحقات المواطنة كاملةً، بلا تسويف أو احتيال.
لقد آن أوان أن يختار السودانيون بين مشروعين لا ثالث لهما: إما الاستسلام لإعادة إنتاج الدولة الإسلامية الفاشلة، بكل ما يعنيه ذلك من استمرار الفساد البنيوي والحروب والعزلة، أو الانحياز لشجاعة التأسيس الجديد، حيث دولة حديثة علمانية ديمقراطية لامركزية، تُساوي بين مواطنيها دون تمييز، وتعيد الاعتبار للعدالة التاريخية التي طال انتظارها. إن هذا هو الاختبار التاريخي الحقيقي للنخب التي تتصدر المشهد المدني: إما أن تكون على قدر التحدي، أو أن يطويها التاريخ كما طوى من قبل نخبًا فاشلة في تجارب شعوب أخرى – ونستمر في دورة اخري من الحروب.
أولاً: سجل الحروب والديكتاتوريات في السودان: منذ الاستقلال، لم يعرف السودان سلامًا مستدامًا، بل تعاقبت عليه حروب داخلية مدمرة ارتبطت دائمًا بديكتاتوريات متعاقبة جعلت من القمع والعنف وسيلتها للحكم. - الحرب الأهلية الأولى (1955–1972): أزهقت أرواح مئات الآلاف وخلّفت موجات نزوح واسعة، وانتهت باتفاقية أديس أبابا التي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا مؤقتًا. - الحرب الأهلية الثانية (1983–2005): حصدت نحو مليوني قتيل، وشرّدت أكثر من أربعة ملايين، وانتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل الذي مهد لانفصال جنوب السودان. - حرب دارفور (2003–اليوم): ترافقت مع إبادة جماعية راح ضحيتها نحو 300 ألف شخص، مع نزوح يقارب 2.7 مليون، وأدت إلى مذكرات توقيف دولية بحق رأس النظام. - جنوب كردفان والنيل الأزرق (2011–اليوم): تعرض المدنيون فيها للقصف الممنهج والحصار ومنع الإغاثة. -الحرب الحالية (2023–2025): الأخطر في تاريخ السودان الحديث، إذ تجاوز عدد القتلى أربعين ألفًا، وتحوّل النزوح إلى الأكبر عالميًا (11–14 مليون). هذه الحروب لم تكن أحداثًا معزولة، بل وجهاً آخر لسلطة مركزية مدنية وعسكرية، لكنها ديكتاتورية استندت إلى القمع العسكري والسياسي، وأنتجت بيئة مثالية للفساد ولانهيار مؤسسات الدولة.
ثانياً: انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية
لم تكن نتائج هذه الحروب مجرد خسائر بشرية، بل أسست لانهيار بنيوي شامل: - التعليم: أكثر من 17 مليون طفل من أصل 19 مليون في سن الدراسة خارج المدارس، بما يعني ضياع جيل كامل. - الصحة: ثلثا المستشفيات في مناطق النزاع خرجت من الخدمة، وسُجلت أكثر من مئة هجمة على المرافق الصحية. - الاقتصاد: معدلات تضخم متصاعدة (359% عام 2021، 138% عام 2022، نحو 100% عام 2025) مع انهيار قيمة العملة. - الفساد: السودان بين الدول الأكثر فسادًا عالميًا (15/100 في مؤشر مدركات الفساد - الدخل الفردي: لا يتجاوز 989 دولارًا سنويًا، وهو من الأدنى عالميًا-وهو لاينطبق علي سودانيي الهامش! هذه المؤشرات تكشف بوضوح أن النخب الحاكمة، من المدنيين الي العسكريين إلى الإسلاميين، لم تنتج إلا فسادًا وتراجعًا هيكليًا دمّر أسس المجتمع والدولة.
ثالثاً: التشخيص البنيوي لأزمة الحكم
منذ عام 1956، ظلّت الدولة السودانية رهينة نخب فاشلة، عسكرية كانت أم مدنية، قومية أم إسلامية، تشترك جميعها في عجزها عن الاعتراف بدرجات مختلفة بالتعدد ومعالجة جذور الأزمة. فقد تأسست الدولة على رؤية مركزية إقصائية سعت لفرض هوية أحادية، تجاهلت التعدد الثقافي واللغوي والإثني، ورسخت الامتيازات التاريخية التي انعكست مباشرة على حقوق المواطنة والمشاركة في السلطة والثروة. ومع انقلاب الإسلاميين عام 1989، تعمقت الأزمة أكثر؛ إذ تم تسييس الدين لبناء دولة زبائنية قائمة على الولاء الحزبي والشبكات الأمنية، فتم تفريغ مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات للتمكين. وبذلك أصبحت الدولة ملكية خاصة لشبكة ضيقة من المنتفعين، فيما ظلّ المجتمع غارقًا في الفقر والحروب. النتيجة لم تكن مجرد فشل إداري أو فساد مالي، بل انهيار مشروع الدولة نفسها؛ إذ غابت الرؤية الوطنية الجامعة، وتحوّلت السلطة إلى أداة للهيمنة، لا وسيلة للشرعية. وهنا يتجلى قول حنّه أرندت: "العنف لا ينتج سلطة شرعية، بل يدمرها". هذا بالضبط ما حدث في السودان: إذ اعتمدت النخب على العنف والامتيازات لا على التوافق والعدالة، فلم تُنتج يومًا دولة شرعية قادرة على احتضان مواطنيها جميعًا.
رابعاً: المرحلة الحاسمة… ومسؤوليةُ كلِّ من له قنوات إلى صانعي القرار الإقليمي والدولي لم يُعد المشهد السوداني أزمةً محلية عابرة تُنال برزمة مساعدات أو صفقة مؤقتة. نحن اليوم أمام لحظةٍ تأسيسية حاسمة تُعرَّف مستقبل الوطن: صراع بين مشروعين متضادين جذريًا. من جانبٍ، ثمة ما تبقّى من الدولة القديمة — جيشٌ مُستَغلّ من قِبَل تيارات إسلامية وميليشيات، ونخبٌ راغبة في إعادة إنتاج امتيازاتها باسم "الانتقال الديمقراطي" أو "وقف الحرب والاستقرار". ومن الجانب الآخر، يطرح تحالف "تأسيس" مشروعًا جذريًا للدولة: ديمقراطية علمانية، لامركزية حقيقية، وعدالة تاريخية تُصون حقوق الجميع بلا تفضيل أو إقصاء، وكفالة حق تقرير المصير. الوسطاء الدوليون — الرباعية وغيرهم — دخلوا الساحة ليس كمؤسسات أخلاقية محايدة، بل كرافعات لمصالح دولهم: مكافحة الإرهاب، ضبط تدفقات الهجرة، حماية حلفاء إقليميين، الاستيلاء والسيطرة علي موارد السودان أراضيه وموانيه، أو ضبط توازنات استراتيجية متسعة. وفي المقابل، تتغذى مواقفهم على ما يردهم من "أصوات سودانية" عبر قنوات محلية ومن دول المهجر. وكل صوتٍ يصلهم مؤثر، لكن ثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها: كثيرًا من هذه الأصوات ممثِّلة لنخبٍ تقليدية تمتلك حظوة ثم تمارس تمثيلًا يُرضي مصالحها، لا يعالج جذور الأزمة.
هنا تتجلى مسؤوليتان متلازمتان: أولًا، مسؤوليةٌ أخلاقية وسياسية تقع في العاتقِ الأكبر علي الوسطاء الدوليين — أن يميزوا بين مطالبٍ تأسيسية حقيقية ومطالبٍ شكلية تُعيد إنتاج النظام القديم، وأن لا يسمحوا لأن تكون مصالحُهم قصيرةُ المدى على حساب بناء دولةٍ عادلة. كما قال إدموند بيرك: "كلّ ما يتطلّبُه انتصار الشرّ هو أن يلوذَ الصالحون بالصمت." وثانيًا، تقع على من يمتلكون قنواتَ اتصالٍ فعّالة مع هذه الوساطات — نقابات الهجرة، منظمات، الجاليات، النشطاء السياسيون، الأكاديميون، والفاعلون المدنيون في الشتات — مسؤوليةٌ تاريخية أكبر: لا يكفي إرسال بياناتٍ أو طلب مساعدات؛ بل عليهم أن يقدّموا رؤيةً تأسيسية شاملة تُعالج جذور الأزمة وتُعرض حلولًا مبنية على العلمانية، اللامركزية، والعدالة التاريخية. كما حذّر فرانز فانون: "كل جيل، في ظروف غامضة، عليه أن يكتشف مهمته، إما أن ينجزها أو يخونها." إن مهمة اليوم تقتضي تقديم مقترحٍ استراتيجيّ لا مجرد "تمثيلٍ مدنيٍّ" على الورق.
الأصواتُ التقليدية التي تُقدّم حلولًا سطحية — "توافقاتٍ" تحفظ مقاعد ونفوذًا وتؤمّن مصالح جهات خارجية — لن تؤدي إلا إلى تأجيل التأسيس الحقيقي. التاريخ يعلمنا أن التوافقات المريحة للنخب تُقْدِم على إجهاض التحول؛ كما تعلّمنا من قادة مثل أبراهام لنكولن ونيلسون مانديلا أنّ حسم قضايا المواطنة والحرية يحتاج إرادةً واضحة وصراعًا مبنياً على مبادئ لا على مراوغات. وكمثلٍ أخيرا قال جورج أورويل. "في زمن الخداع العام، قول الحقيقة ثورة." إزاء ذلك، يقف السودانيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: - أوّلًا: قبولُ عودةٍ مُموّهة لمشروع الدولة الإسلامية والنخب المحافظة — خيارٌ يضمن استمرار الفساد البنيوي، تكرار الحروب، عزلةً إقليمية، واستمرار معاناة الشعب. - ثانيًا: الانخراطُ في مقاومةٍ سياسيةٍ ومدنيةٍ شاملة ومعها دفاعٌ منضبطٌ لحماية المدنيين — خيارٌ يبلور لحظةً تأسيسية حقيقية تنتقلُ بالبلاد إلى دولة علمانية، لامركزية، قائمة على العدالة التاريخية وحقوق المواطنة المتساوية. هذه هي المَحطةُ الحاسمة: ليس إعداد بياناتٍ أو لقاءاتٍ شكلية، بل تقديمُ رؤيةٍ واضحة ومطالبٍ قابلة للتنفيذ تُعرّي الاحتيالات التاريخية وتجعل من الدعم الدولي أداةً لتحقيق تأسيسٍ حقيقي، لا لتمويلٍ لإرجاءِ المشكلة. على كل من له قناة اتصال مع الوسطاء أن يرتقِي، وأن يتصرّف كمن أُعطي أكثر ليحمِي الوطن لا ليعيد إنتاج أدوار النخب الفاشلة. الزمن الآن لا يرحم المهادنين؛ والتاريخ سيحاسبُ من اختار الصمت أو الاصطفاف مع المصالح فوق الوطن.
خامساً: الحجج الفكرية والتجارب العالمية إن الأزمة السودانية الراهنة ليست فقط مواجهة بين السلاح والعنف، بل هي أيضًا معركة فكرية وأخلاقية ضد أوهام النخب التي أعادت إنتاج الدولة القديمة، وضد مجتمع مدني مشوّش فقد بوصلته بين شعارات شكلية ومواقف مائعة لا ترتقي إلى مستوى اللحظة التاريخية. هنا تبرز قيمة التجارب العالمية التي يمكن أن تشكّل بوصلة عملية لفهم الواقع وصياغة طريق الخلاص. - نيلسون مانديلا لخّص تجربة جنوب أفريقيا بقوله: "لقد عشت من أجل مجتمع حر، وهو مبدأ أنا مستعد للموت من أجله". هذه المقولة تذكّر السودانيين بأن التحرر لا يتحقق بالمساومات الفوقية ولا بالشعارات الفارغة، بل بجمع المقاومة المدنية الثورية مع المقاومة المسلحة، لأن العدو في السودان مسلح ومنظم، ولا يمكن مواجهته إلا بميزان قوة مزدوج يضعف قبضته ويؤسس للشرعية الشعبية. - فاكلاف هافل قدّم مفهوم "العيش في الحقيقة" وبناء مجتمع موازٍ خارج قبضة الدولة القمعية. هذا الدرس بالغ الأهمية للسودان حيث أثبتت النخب الحزبية عجزها، وانقسمت منظمات المجتمع المدني على نفسها، مما يحتم تأسيس شبكات بديلة للخدمات والتعليم والإعلام، بل وحتى لقوات أمنية جديدة، وصولًا إلى جيش وطني قائم على المواطنة لا الولاء الأيديولوجي! - فريدريك دوغلاس أكد أن "السلطة لا تتنازل عن شيء بلا مطالب". هذه المقولة تفند أوهام الانتظار أو الرهان على مبادرات شكلية، وتضع أمام السودانيين حقيقة أن التغيير لا يُنتزع إلا بالضغط المنظم، لا بخطابات النخب ولا بمشاريع "الانتقال المزيّف" الذي يخدم استمرار الامتيازات. - أميلكار كابرال أوصى بألا ندّعي "انتصارات سهلة". وهذا تحذير جوهري للسودان اليوم، حيث تسعى بعض النخب إلى التلاعب بدماء الانتفاضات وتحويلها إلى صفقات تحفظ امتيازاتها التاريخية، كما حدث بعد انتفاضة ديسمبر. إنه أيضًا تنبيه من خطورة الانزلاق نحو الشعبوية أو الفساد داخل الحركات التحررية نفسها إذا لم تُضبط ببرنامج تحرري واضح وعادل. إن هذه الدروس مجتمعة توضح أن السودان لا يمكن أن يخرج من أزمته عبر النخب التقليدية أو منظمات مدنية مشوّشة؛ المخرج الوحيد هو بناء مشروع تأسيسي واضح: دولة علمانية، ديمقراطية، لا مركزية، تستند إلى عدالة تاريخية ومساواة مطلقة بين المواطنين.
سادساً: خارطة طريق عملية وفق رؤية السودان الجديد إن المخرج من الأزمة السودانية لا يكون بترميم الدولة القديمة ولا بتدوير أزماتها، وإنما ببناء دولة تأسيسية جديدة، تستند إلى الميثاق والدستور الانتقالي لتحالف تأسيس، وتترجم عمليًا مبادئ السودان الجديد، بما يضمن العبور من لحظة الانهيار إلى مشروع تاريخي جامع. - مبادئ فوق دستورية:
تثبيت قواعد لا يجوز التراجع عنها تحت أي ظرف: علمانية الدولة بما تنهي تسييس الدين، المواطنة المتساوية دون امتيازات أو إقصاء، اللامركزية العميقة التي تعيد السلطة إلى الأقاليم، والالتزام الصارم بحقوق الإنسان كشرط لاستمرار الدولة. - تفكيك شبكات التمكين:
مصادرة الأموال المنهوبة داخليًا، وملاحقة الأموال المهرّبة إلى الخارج عبر تعاون دولي، وتسليم رموز الفساد وسارقي الموارد للعدالة الوطنية والدولية، وإنشاء هيئات مستقلة وشفافة لمكافحة الفساد. - تأسيس قطاع أمني جديد:
بناء جيش قومي جديد على عقيدة وطنية جامعة لا أيديولوجية، وحل جميع الميليشيات الموازية، وتقديم مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى المحاكمات. هذا يضمن أمنًا وطنيا مؤسسًا على حماية المواطنين لا قمعهم. - إنقاذ اقتصادي واجتماعي:
كبح جماح التضخم، وتأسيس شبكات أمان غذائي للأسر الأكثر هشاشة، وضمان الأجور الأساسية للعاملين، بما يحمي المواطنين من الفقر المدقع ويعيد الثقة بين الدولة والمجتمع. - إعادة بناء التعليم والصحة:
إعطاء الأولوية القصوى لتشغيل المدارس والمستشفيات، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا من الحرب، مع وضع خطط لإعادة هيكلة هذين القطاعين على أساس العدالة الجغرافية وتكافؤ الفرص. - الاعتراف بالتنوع والعدالة التاريخية:
الاعتراف الصريح بالتعدد العرقي والديني واللغوي والثقافي، وضمان حق تقرير المصير كأفق ديمقراطي للمصالحة التاريخية، بما يعالج مظالم الماضي ويؤسس لوحدة طوعية عادلة. - بناء كتلة تاريخية جديدة:
تأسيس تحالف اجتماعي–سياسي واسع يضم النقابات المهنية، الجامعات، لجان المقاومة، والإدارات المحلية، ليشكل قاعدة شرعية للتغيير، ويكسر احتكار النخب التقليدية للعمل السياسي. - استراتيجية دولية:
ربط العلاقات الخارجية بمصالح الشعب لا مصالح النخب؛ متابعة تجارة الذهب والموارد الإستراتيجية، وربط المساعدات الإنسانية بشروط الشفافية والمساءلة. - الشفافية والذاكرة:
اعتماد نهج علمي في نشر البيانات حول الخسائر البشرية، الانتهاكات، والاقتصاد، وتوثيقها ضمن مسار عدالة تاريخية صارمة ترفض الإفلات من العقاب وتؤسس لمصالحة قائمة على الحقيقة - بناء سردية وطنية جديدة:
إعادة كتابة الهوية السودانية عبر الفنون، الذاكرة الجمعية، والمناهج التعليمية الجديدة، بما يواجه خطاب الاستعلاء والعنصرية، ويؤسس لوعي وطني جامع يستند إلى قيم السودان الجديد لا أوهام الماضي. بهذا المعنى، فإن خارطة الطريق ليست مجرد برنامج إنقاذ مرحلي، بل هي مشروع تأسيسي شامل، ينقل السودان من دولة الانهيار والفشل إلى دولة حديثة، ديمقراطية، علمانية، ولا مركزية، قادرة على بناء مواطنة عادلة وعدالة تاريخية، وتضع الشعب السوداني في قلب مسار التاريخ بدل أن يبقى أسيره.
وفي الختام: لم يعد أمام السودانيين ترف الاختيار بين بدائل متعددة. الحقيقة صارخة: الخيار الأول، أي القبول بعودة الإسلاميون ومن معهم من بقايا النخب، ليس سوى إعادة تدوير للكارثة، واستدعاء مباشر للسقوط الأكبر. إنه طريق الانهيار الشامل، حيث لن تبقى دولة أصلًا ليُقاتل السودانيون من أجلها. أما الخيار الثاني، فهو المقاومة—مدنيةً وجماهيريةً، مسلحةً ومنضبطةً—ضمن إطار مبادئ فوق دستورية لا تقبل المساومة: العلمانية، الديمقراطية، اللامركزية، والعدالة التاريخية. هذا وحده هو الطريق الواقعي والأخلاقي لإنقاذ السودان من مصير العدم، اليوم، البلاد تقترب من لحظة الطوارئ؛ لحظة الحقيقة التي لا رجعة بعدها. إن لم يستيقظ السودانيون الآن، فإنهم يخاطرون بأن يصبحوا شهودًا على دفن دولتهم إلى الأبد. مانديلا كان محقًا حين ربط الحرية بالديمقراطية، وهافل حين دعا إلى بناء مجتمع موازٍ، ودوغلاس حين حذّر أن السلطة لا تتنازل طوعًا. هذه ليست مجرد أقوال، بل بوصلة إنذار للسودان اليوم: لا مستقبل بلا مقاومة، لا دولة بلا عقد اجتماعي جديد، ولا حرية بلا عدالة تاريخية- والحاضر يكلم الغائب.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
|
|