Post: #1
Title: التناقض في سياسات الحزب الشيوعي السوداني: بين الجذرية الثورية والوسائل السلمية كتبه عزام عبدالله إب
Author: عزام عبدالله إبراهيم
Date: 09-27-2025, 03:20 PM
04:20 PM September, 27 2025 سودانيز اون لاين عزام عبدالله إبراهيم-Sudan مكتبتى رابط مختصر
يطرح الحزب الشيوعي السوداني نفسه كحارس للديمقراطية والتحول السلمي الديمقراطي، لكنه يتبنى في الوقت نفسه أهدافاً ثورية جذرية. هذا التباين بين الوسائل السلمية والأهداف الجذرية يخلق حالة من عدم الاتساق السياسي والاستراتيجي، خاصة في ظل الظروف الثورية والمعقدة التي يمر بها السودان. من خلال تحليل مواقف الحزب وبياناته، يتضح وجود فجوة بين الخطاب النظري والممارسة العملية و الأهداف، مما يضعف فعاليته ويحد من قدرته على التأثير في المسار السياسي المتقلب في البلاد.
بينما يؤكد الحزب الشيوعي السوداني في وثائقه وبياناته على الالتزام الاستراتيجي بالديمقراطية كخيار لا رجعة عنه. وكذلك يؤكد الحزب أن الديمقراطية هي "مفتاح الحل للأزمة العامة والشاملة التي تواجه البلاد" ويلتزم بـ"الطريق الديمقراطي السلمي لتطوير الثورة السودانية" . إضافة الي ذلك يرفض الحزب بشكل قاطع "الانقلابات العسكرية والمدنية مع رفضه لكافة أشكال العنف في العمل السياسي" ويتمسك في نفس اللحظة بالأسس الماركسية التي تعتمد بشكل أساسي علي إنشاء دكتاتورية البروليتاريا عبر ثورة للإطاحة بالرأسمالية يمكننا الإستنتاج الآتي: أن الحزب يتعامل مع الديمقراطية التعددية كآلية عملية للوصول إلى السلطة، بينما تبقى أهدافه الثورية هي الثابتة التي لا تتغير. هذا الانزياح الاستراتيجي يخلق ارتباكاً حول ما إذا كانت الديمقراطية قيمة يجب الحفاظ عليها بحد ذاتها أم مجرد أداة مرحلية للإنتقال الي الديكتاتورية.
الخيار الآخر هو تخلي الحزب الشيوعي السوداني عن هذا المبدأ ولكن ادبيات وتصرحات أعضاء الحزب تكذب هذا الخيار وكذلك الممارسة الفعلية علي الأرض. مثلا محاولات الحزب المستمرة للسيطرة علي آليات ثورية مثل تجمع المهنيين و لجان المقاومة والنقابات و العديد من الواجهات المدنية، علي حساب بناء مجتمع مدني متنوع والدخول في توازنات تحفظ حقوق الخصماء السياسيين.
أضف الي ذلك تعنت الحزب المستمر في كل مراحل الثورة ومحاولة الحزب التلاعب علي مشاركة أعضاء بارزين منه في كل مراحل التفاوض علي الوثيقة الدستورية معتبره أنهم شاركوا كممثلين لكتلة سياسية وليس الحزب، وهو لعمري التناقض بعينه.
هذة الفجوة بين الخطاب والممارسة قد توضح فشل الحزب في حماية المسار الديمقراطي ومساهمته في إفشال الفترات الديمقراطية.
علي صعيد آخر يتمسك الحزب بالوسائل السلمية لتحقيق أهداف جذرية، وهو تناقض صارخ. حيث أكد لينين أن التحول الثوري لا يمكن تحقيقة بأساليب سلمية بحتة، بل يتطلب كسر جهاز الدولة البرجوازي وإحلال جهاز دولة بروليتاري محله. وكان رأي لينين أن العنف الثوري هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق تغيير جذري بل أنه ميز بين "العنف الرجعي" و"العنف الثوري". وهذا ما أكده ماو تسي تونغ حين قال أن السلطة تنبثق من فوهة البندقية. هذا الموقف يشبه إلى حد ما انتقاد لينين لـ"الانتهازيين" الذين يسعون للتغيير الجذري بوسائل إصلاحية.
من خلال هذة المواقف قد يقول قائل ان قيادة الحزب الشيوعي السوداني تبنت ما يعرف بنظرية "الثورة على مرحلتين"، والتي تقضي بضرورة المرور أولاً بمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية قبل الانتقال إلى مرحلة الثورة الاشتراكية. هذه النظرية يستخدمها البعض كدليل ثاني علي عدم إيمان الحزب الشيوعي السوداني بالديموقراطية التعددية كهدف إستراتيجي وهو مايفسر سرعه إنقلابه علي تحالف الحرية و التغيير بعد الإطاحة بالبشير ومحاولة إحتكار الصوت و الأدوات المدنية كما ذكرنا سابقا، وهو مايعتبر إنتهازية سياسية تضعه مع الاسلام السياسي في بوتقة إستخدام الشعارات الايدولوجية للتسلق للسلطة و الإنفراد بها.
حتي وإن تبني الحزب نظرية الثورة علي مرحلتين يعيب البعض غياب الاستراتيجية الواضحة للانتقال بشكل عملي من المرحلة الديمقراطية الوطنية إلى مرحلة الاشتراكية، مما يخلق غموضاً استراتيجياً يضعف مصداقية مشروعه السياسي.
بناءً علي ماسبق يمكننا أن نلاحظ أن الحزب الشيوعي السوداني يواجه مأزقاً استراتيجياً حقيقياً ناتجاً عن عدم الاتساق بين أهدافه الجذرية ووسائله السلمية. هذا التناقض يجعل الحزب عاجزاً عن قيادة التغيير الثوري من ناحية، وغير فاعل في إطار الديمقراطية التعددية من ناحية أخرى. لتحقيق مصداقية وفعالية أكبر، يحتاج الحزب إلى:
1. مراجعة نقدية شاملة لاستراتيجيته السياسية ومواءمة الوسائل مع الأهداف. 2. تحديد أولويات واضحة بين الخيار الديمقراطي التعددي والخيار الثوري الجذري. 3. تطوير رؤية عملية للتعامل مع واقع الصراع المسلح والعنف السياسي في السودان.
فقط من خلال معالجة هذه التناقضات الجوهرية يمكن للحزب الشيوعي السوداني أن يلعب دوراً مؤثراً وحقيقياً في مستقبل السودان السياسي، بدلاً من الاستمرار في الوقوع في فخ الخطاب الثوري والممارسة الإصلاحية التي تُضعف تأثيره وتحد من قدرته على قيادة التغيير المنشود. او التنازل عن القيادة الفردية للتغيير ولعب أدوار فاعلة مع القوي الاخري وتقديم تنازلات واضحة و التخلي عن الخطاب التخويني و الشعارات الصفرية.
هذه القراءة النقدية تستند إلى تحليل الوثائق والبيانات الرسمية للحزب الشيوعي السوداني، مع تطبيق إطار نظري مقارن يستفيد من التجارب التاريخية للحركات الشيوعية مع ضرورة مراعاة الخصوصية السودانية والظروف الراهنة التي تفرض تحديات استثنائية على جميع الفاعلين السياسيين في البلاد.
ختاما: تظل مواقف الحزب الشيوعي السوداني مثار نقاشات متعدده ولكن الثابت هو تناقض مواقف الحزب و ممارسته السياسية، وتبني تصرفات إقصائية فيها الكثير من التخوين و العداء للجميع بما فيهم من اختلف معهم من أبناء الحزب. وكما يرتكز الإسلامويون علي النصوص الدينية لتبرير إنتهازيتهم و ديكتاتوريتهم، يمارس الحزب الشيوعي نفس الممارسات ولكن بأيدلوجية مختلفة. والخروج من الأزمة السودانية فإننا بحاجة الي الجميع بما فيهم الحزب الشيوعي ولهذا فإن كاتب المقال يدعوا أعضاء الحزب فردا فردا لمراجعة مواقفهم الفردية و موقف الحزب من كل الأحداث الماضية و إجراء مراجعة صادقة للمساهمة بفاعلية أكبر في إخراج البلاد من هذا المأزق الوجودي.
|
|