تحالف السلطة والدين والاستعلاء في السودان كتبه مها طبيق

تحالف السلطة والدين والاستعلاء في السودان كتبه مها طبيق


09-24-2025, 12:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758713516&rn=0


Post: #1
Title: تحالف السلطة والدين والاستعلاء في السودان كتبه مها طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 09-24-2025, 12:31 PM

12:31 PM September, 24 2025

سودانيز اون لاين
مها الهادي طبيق-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر




منذ الاستقلال ظلت أزمة السودان هي أزمة سلطة بُنيت على تحالف خفي بين مجموعتين أساسيتين : النخبة النيلية المركزية ، والنخب الدينية الإسلاموية والطائفية . هذا التحالف هو الذي أرسى أرضية الاستعلاء العرقي ، وفتح الباب أمام التهميش والحروب والانفصال .

النخبة النيلية المركزية نشأت خلال الحكم الثنائي عندما تركز التعليم والوظائف في مناطق ضفاف النيل مثل الخرطوم والجزيرة والشمالية . هذه النخبة قدّمت نفسها على أنها الامتداد العربي – الإسلامي في إفريقيا ، وصوّرت بقية السودانيين كأفارقة بدائيين . سياساتها اعتمدت على احتكار الخدمة المدنية والجيش لضمان السيطرة ، وتوجيه الاقتصاد نحو مناطقها عبر الزراعة المروية والبنية التحتية والتعليم المميز . كما فرضت خطابًا ثقافيا يجرّم اللهجات المحلية ويجعل العربية وحدها رمزًا للتحضر . النتيجة كانت دولة أحادية الهوية أشعلت شرارة الحرب الأهلية في الجنوب بعد الاستقلال مباشرة .

في المقابل ، برزت النخب الدينية الطائفية ( الأنصار والختمية ) ثم الإسلاميون لاحقًا ، مستخدمين الدين كسلاح سياسي لا كإيمان روحي أو قيم أخلاقية تدير حركة المجمتع . رفعوا شعار ( المشروع الإسلامي ) لإذابة التنوع وفرض نموذج واحد ، سياساتهم تمثلت في أسلمة الصراع السياسي وتصوير مناطق الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا كدار حرب يجب فتحها . كما فرضوا قوانين الشريعة 1983 والتعريب القسري ، وحوّلوا الجهاد في التسعينيات إلى حرب أهلية غذّت المليشيات وشرعنت العنف العرقي . هذا المناخ دفع المجتمعات المهمشة إلى التمرد والانفصال أو الارتماء في تحالفات خارجية .

ما جمع النخبة النيلية بالنخب الإسلاموية هو مصلحة مشتركة في احتكار السلطة والثروة . الأولى وفرت الشرعية الإدارية والاقتصادية ، بينما الثانية منحت الغطاء الديني والتعبوي . وهكذا نشأت دولة مركزية متعالية تعامل الهامش كمستعمرة داخلية ، وتعيد إنتاج الاستعلاء بأسماء مختلفة مثل التحديث أو التعريب أو الأسلمة .

النتائج كانت كارثية . انفصال الجنوب عام 2011 حيث لم يكن سوى حصيلة طبيعية لغياب الاعتراف بالتنوع . وحروب دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق جسدت عقلية الاستعلاء بوضوح . حتى داخل الشمال تمارس النخبة ذاتها سلطة فوقية على البوادي والريف الشرقي والشمالي ، ما يكشف أن الأزمة ليست عرقية فقط بل أيضًا طبقية وتراتبية في توزيع السلطة والثروة .

الخروج من هذا المأزق ينبغي أن يقود إلي تفكيك البنية نفسها . المطلوب إعادة تأسيس الدولة على قاعدة الاعتراف الحقيقي بالتنوع العرقي والثقافي واللغوي . كما يجب تفكيك التحالف التاريخي بين المركز النيلي والإسلام السياسي ، لأنه جوهر الأزمة السودانية . البديل هو نظام عادل يوزع السلطة والثروة على أسس المساواة والتمثيل المتكافئ .

أن النخبة النيلية والنخب الإسلاموية هما مهندسو ثقافة الاستعلاء التي حكمت السودان لعقود ، وحوّلتا الدولة إلى أداة إذلال للمجتمعات . لذلك فإن تفكيك هذا التحالف يجب أن تضحى خيارًا سياسيًا وشرط أساسي لبقاء السودان موحدًا وعادلًا .

مها الهادي طبيق
24 سبتمبر 2025
[email protected]