Post: #1
Title: تعقيب على مقال ضياء الدين محمد أحمد عاطف عبد الله ... ومأزق قراءة السودان خارج الصراع الطبقي
Author: عاطِف عبدالله قسم السيد
Date: 09-24-2025, 11:28 AM
12:28 PM September, 24 2025 سودانيز اون لاين عاطِف عبدالله قسم السيد-UAE مكتبتى رابط مختصر
تعقيب على مقال ضياء الدين محمد أحمد عاطف عبد الله ... ومأزق قراءة السودان خارج الصراع الطبقي
بقلم: عاطف عبدالله
أشكر الأصدقاء الذين لفتوا نظري إلى هذا المقال، كما أشكر الأستاذ ضياء على اهتمامه بما أكتب وحرصه على إبداء النقد والمراجعة. فمهما اختلفت زوايا النظر، يبقى مقصدنا جميعاً واحداً: إصلاح ما يمكن إصلاحه وبناء وطن ديمقراطي يليق بتضحيات شعبنا.
في مقالي السابق ركزتُ على ثلاثة أقطاب: تأسيس، صمود، والجيش/الدولة العميقة. لم يكن ذلك تجاهلاً متعمداً لدور الجماهير أو القوى الشعبية، بل لأن هذه الأقطاب هي التي تتحكم بالمشهد حالياً. نجاح أيٍّ منها أو فشله سيتوقف على مدى قدرته على استيعاب الشارع في الداخل، وكسب الرأي العام، والحصول على الدعم الخارجي بعد أن تضع الحرب أوزارها. أما القوى الشعبية، فهي شرط لا غنى عنه لبناء مستقبل مختلف، لكنها - للأسف - تفتقد اليوم إلى حضور تنظيمي مؤثر. ولولا أن المبادرة الرباعية عدّلت موازين القوى لصالح العنصر المدني، لما كان لصمود هذا الثقل الذي يواجه القوتين المتحاربتين، الجيش والدعم السريع وحلفاءهما السياسيين.
ما لفت انتباهي في مقال الأستاذ ضياء اعتماده على مقولات وأدبيات تعود إلى ستينيات القرن الماضي، وكأن الزمن لم يتحرك منذ ذلك الحين. الإشكال ليس في التمسك بالمبادئ، بل في تحويلها إلى شعارات جامدة يصعب أن تفسر واقعاً جديداً ومعقداً كالذي نعيشه.
خذ مثلاً الحديث عن "تنظيم الجماهير" في ظل الحرب والنزوح: هل استطاع الحزب الشيوعي نفسه أن يحافظ على تنظيمه وقواعده كما كان قبل الحرب؟ أين اتحاد الشباب، والاتحاد النسائي، والجبهة الديمقراطية؟ هذه الكيانات لعبت أدواراً مشهودة في الماضي لكنها غابت الآن، فيما فرضت الحرب وقائع جديدة وقوى أخرى على الأرض.
الإشارة إلى ذلك ليست انتقاصاً من تاريخ الحزب أو من نضالاته، بل دعوة للتواضع ولمراجعة التجربة في ضوء المتغيرات، بدلاً من الاكتفاء برفع شعارات عامة. فالجماهير التي نتحدث عنها مشتتة اليوم بين المنافي والمقابر والمعتقلات، وبعضها - للأسف - أصبح جزءاً من ماكينة الحرب.
أما عن البعد الطبقي، فأوافق أن جذور الأزمة السودانية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، لكن قراءتي انطلقت من توصيف القوى الفاعلة كما هي الآن، لا كما يجب أن تكون. الاقتصار على التحليل الطبقي وحده دون النظر إلى الواقع السياسي الراهن يظل حبيس النظرية. صحيح أن الدعم السريع وقوى أخرى تملك اقتصاداً موازياً، لكن اختزالها في بعدها الاقتصادي فقط يغفل كونها قوة سياسية وعسكرية فاعلة لا يمكن تجاوزها في أي معادلة انتقالية.
كما أوضحت في مقالي، لم أقدّم الرباعية كمنقذ بلا شروط، بل كمؤشر سياسي في لحظة معقدة. وأدرك تماماً أن مصالح هذه الدول حاضرة، وهو ما يستوجب الحذر. لكن من الناحية الواقعية، أي تسوية ستبقى مرتبطة بموازين القوى الإقليمية والدولية.
المطلوب اليوم ليس استدعاء برامج جاهزة أو شعارات قديمة، بل تطوير أدوات تحليل جديدة وأشكال تنظيم أكثر مرونة تناسب واقعاً متسارعاً ومعقداً. وإذا كان مقال الأستاذ ضياء قد أعاد فتح النقاش من زاوية طبقية فهذا أمر مفيد، لكنه يحتاج أن يُقرأ أيضاً في سياق التحديات العملية التي نواجهها.
في النهاية، ليست المشكلة في تعدد القراءات، بل في أن يظل خطابنا أسير الحنين إلى الماضي، عاجزاً عن بناء أدوات فاعلة للحاضر والمستقبل. وأظن أن النقاش المفتوح - مهما كان حاداً - أفضل من الانكفاء أو الاكتفاء باستدعاء ما كان. لذلك، يظل الحوار ضرورياً، والاختلاف في زوايا التحليل صحي ومثمر، شريطة أن يساعدنا على التقدم لا أن يكرس اجترار الماضي. أما أي القراءات أقدر على ملامسة الواقع وصناعة التغيير، فالأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
_______________________________________________ عاطِف عبدالله قسم السيد Atif Abdalla Gassime El-Siyd
|
|