Post: #1
Title: خطاب البرهان السياسي- تشريح الاستراتيجية بين مكاسب اللحظة وخسائر المستقبل
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-19-2025, 04:47 PM
04:47 PM September, 19 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في خطابه الرافض لبيان الآلية الرباعية، لم يقدّم الفريق أول عبد الفتاح البرهان مجرد موقفٍ عابر، بل كشف عن رؤية استراتيجية – أو ربما عن غيابها – تُعيد إنتاج أزمات الحكم في السودان بطريقة أكثر تعقيدًا وخطورة. هذا الخطاب، رغم زخمه الوطني الظاهر، يستدعي قراءةً أعمق تتجاوز ردّة الفعل العاطفية إلى تحليل الدلالات السياسية والاستراتيجية على المديين القريب والبعيد. أولاً: تشريح الخطاب – السيادة كاستراتيجية للهروب إلى الأمام البرهان لم يرفض بيان الرباعية فحسب، بل حوّل السيادة إلى سلاح أيديولوجي يُوظّف لتحقيق أهداف خفية: تسويغ الفشل العسكري والأمني- عبر تحويل النقاش من عجز المؤسسة العسكرية عن حسم الحرب أو حماية المدنيين إلى نقاش حول "السيادة" و"الوصاية"، مما يخلق عدوًا خارجيًا يُحيل إليه الفشل الداخلي. استمالة المشاعر الوطنية الجريحة: في ظلّ حالة اليأس والغضب الشعبي، يصبح خطاب السيادة هو الملاذ الأخير للشرعية، خاصة مع تراجع قدرة الدولة على توفير الأمن والخدمات. إعادة إنتاج دور الجيش كـ"المنقذ الوحيد"- الرفض القاطع للتدخل الخارجي يعزز الرواية القائلة بأن الجيش هو الحامي الأخير للدولة، حتى لو كان طرفًا أصيلاً في الأزمة. ثانياً: المكاسب التكتيكية والخسائر الاستراتيجية المكاسب القصيرة المدى- تعبئة القاعدة الشعبية الموالية بخطاب تحريضي يرفع سقف الوطنية. كسب وقت في المعركة عبر رفض أي ضغوط لوقف إطلاق النار أو فتح ممرات إنسانية قد تفيد الخصم. تحسين الموقع التفاوضي مؤقتًا من خلال إظهار الصلابة ورفض "الإملاءات". الخسائر البعيدة المدى- العزلة الإقليمية والدولية: الرفض دون بدائل مقنعة يضع السودان خارج دائرة الحلول الدولية. تآكل الشرعية الداخلية: حين يكتشف الناس أن خطاب السيادة لم يُطعم جائعًا ولم يوقف نزيف الدم، يتحول الغضب إلى الداخل. تفكيك الدولة- استمرار الحرب تحت شعار "السيادة" يدمّر ما تبقى من مؤسسات الدولة، ويجعل إعادة البناء أكثر صعوبة. ثالثاً: المفارقة الكبرى – السيادة المهدرة تحت شعار حمايتها الخطاب يتغنى بالسيادة، لكن الواقع يقول عكس ذلك: السيادة تعني السيطرة على الأرض، بينما البلاد مقسمة بين مليشيات وأطراف متحاربة. السيادة تعني إدارة الاقتصاد، بينما السودان يعيش على المساعدات وهروب الاستثمارات. السيادة تعني احترام القانون الدولي الإنساني، بينما يتم انتهاكه يوميًا أمام أنظار العالم. إذن، الخطاب لم يُعِد إنتاج السيادة، بل استهلكها كشعار أجوف يخفي انهيارها الفعلي. رابعاً- السيناريوهات المستقبلية التصعيد والانهيار الكامل- الاستمرار في رفض التسويات قد يقود إلى حرب أهلية أوسع وتدخلات خارجية مباشرة. التفاوض من موقع ضعف- بعد استنزاف الموارد وانهيار الاقتصاد، سيُجبر الجيش على التفاوض بشروط أكثر قسوة. تحوّل السودان إلى دولة فاشلة- أخطر السيناريوهات، حيث تنقسم البلاد إلى كيانات متناحرة وتصبح ساحة صراع بالوكالة. خطاب يكشف أزمة الحكم في السودان خطاب البرهان ليس معزولًا، بل هو انعكاس لأزمة الحكم التاريخية في السودان: أزمة الشرعية - عندما تفتقد القيادة الشعبية تلجأ إلى خطاب وطني طاغٍ. أزمة الرؤية- غياب رؤية واضحة للمستقبل يُستبدل بخطاب تعبوي. أزمة الدولة مقابل السلطة- تُفضَّل بقاء السلطة ولو على حساب بقاء الدولة. السيادة لا تُحمى بالخطابات ولا بالشعارات، بل ببناء دولة قادرة على البقاء. والرفض لا يكون مفيدًا إلا إذا كان جزءًا من استراتيجية متكاملة، لا عندما يكون مجرد هروب من المسؤولية التاريخية عن دمار بلد
|
|