خطة مارشال السودانية: قراءة في كتاب الدكتور كامل إدريس كتبه ا.محمد سنهوري الفكي الامين

خطة مارشال السودانية: قراءة في كتاب الدكتور كامل إدريس كتبه ا.محمد سنهوري الفكي الامين


09-19-2025, 02:11 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758244262&rn=0


Post: #1
Title: خطة مارشال السودانية: قراءة في كتاب الدكتور كامل إدريس كتبه ا.محمد سنهوري الفكي الامين
Author: محمد سنهوري الفكي الامين
Date: 09-19-2025, 02:11 AM

02:11 AM September, 18 2025

سودانيز اون لاين
محمد سنهوري الفكي الامين-UAE
مكتبتى
رابط مختصر






صورة داخلية


في كتابه خطة مارشال السودانية يقدم الدكتور كامل إدريس طرحًا فكريًا وسياسيًا جريئًا لإخراج السودان من أزماته المستمرة، مستلهمًا التجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية حين أعادت خطة مارشال الأمريكية بناء القارة من أنقاض الدمار. الكتاب ليس مجرد دراسة أكاديمية، بل هو مشروع وطني شامل يسعى إلى إعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة، تجمع بين الإرادة الوطنية والدعم الدولي، وتفتح الباب أمام انتقال حقيقي من الفوضى إلى التنمية.

ينطلق إدريس من تشخيص عميق للواقع السوداني. بلد يملك من الموارد الطبيعية والبشرية ما يجعله في مصاف الدول الغنية، لكنه في الوقت ذاته يعيش فقراً متعدد الأبعاد، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. يشير إلى أن السودان ظل لعقود أسير الحروب الأهلية والانقسامات الداخلية والفساد الإداري والمالي، ما جعله مثالاً صارخًا لدولة تعجز عن إدارة إمكاناتها. هذه الفجوة بين الموارد الضخمة والواقع المأزوم هي التي دفعت المؤلف إلى الدعوة لخطة مارشال سودانية تعيد بناء الدولة من جذورها.

يقترح إدريس خطة شاملة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: إصلاح سياسي يضمن الديمقراطية وسيادة القانون ويؤسس لمصالحة وطنية حقيقية؛ نهضة اقتصادية متكاملة عبر تنويع مصادر الدخل وتطوير الزراعة والصناعة وبناء اقتصاد معرفي؛ وتنمية بشرية تستثمر في التعليم والصحة وتمكين الشباب والمرأة حتى يصبح الإنسان السوداني محور التنمية لا مجرد متلقٍ للمساعدات. ويرى أن السودان لن يخرج من أزماته بالحلول الترقيعية، بل يحتاج إلى مشروع وطني كبير يعب mobilizes طاقات الشعب ويعيد الثقة بين المواطن والدولة.

ولإثبات جدوى هذا الطرح، يستعيد إدريس تجربة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن نجاح خطة مارشال لم يكن رهناً بالتمويل الأمريكي وحده، بل بوجود مؤسسات قوية وإصلاحات هيكلية وشفافية في التنفيذ. الرسالة واضحة: الدعم الدولي مهم، لكن لا قيمة له ما لم يقترن بإرادة سياسية صلبة وإدارة رشيدة. من هنا يصر الكاتب على أن أي خطة إنقاذ للسودان يجب أن تبدأ ببناء مؤسسات فاعلة وتغيير جذري في أسلوب الحكم.

ولا يغفل الكتاب البعد الدولي، إذ يرى أن السودان يمكن أن يلعب دوراً محورياً في محيطه إذا ما استعاد عافيته. فهو يمتلك موقعاً استراتيجياً وثروات هائلة تؤهله لأن يكون جسراً للتعاون الإقليمي والدولي، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا استثمر الدعم الخارجي في مشاريع تنموية ملموسة بعيداً عن الفساد والصراعات السياسية. إدريس يدعو إلى شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي تقوم على الشفافية والمصلحة المشتركة.

ما يميز الكتاب أيضاً هو جرأته في نقد النخب السودانية، إذ يحمّلها جزءاً كبيراً من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، بسبب انشغالها بصراعات السلطة على حساب المصلحة الوطنية. ويؤكد أن أي خطة مارشال سودانية ستظل حبراً على ورق إذا لم تتغير هذه الذهنية، وإذا لم يتحول العمل العام من ساحة للتناحر إلى مجال لخدمة الوطن. هذا البعد النقدي يضفي على الكتاب صدقاً ومكاشفة نادرة في الأدبيات السياسية السودانية.

في خاتمة المطاف، يقدم إدريس صورة متوازنة بين الحلم والواقع. فهو لا يتجاهل صعوبة التحديات ولا يستخف بحجم المعضلات، لكنه يصر على أن الحلول ممكنة إذا ما اجتمعت الرؤية والإرادة. خطة مارشال السودانية بالنسبة له ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي حلم وطني يسعى إلى استعادة مكانة السودان بين الأمم وتحويله إلى دولة قادرة على استثمار ثرواتها لصالح شعبها. الكتاب بذلك يظل شهادة فكرية على لحظة فارقة، ورسالة أمل تقول إن السودان يمكن أن ينهض من جديد، إذا آمن أبناؤه بقدرتهم على صناعة المستقبل .
18/9/2025م
IMG_4379.jpeg

مُرسل من بريد Yahoo لجهاز iPhone