جبريل إبراهيم تحت ضغط العزلة الدولية كتبه محمد هاشم محمد الحسن

جبريل إبراهيم تحت ضغط العزلة الدولية كتبه محمد هاشم محمد الحسن


09-19-2025, 01:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758243421&rn=0


Post: #1
Title: جبريل إبراهيم تحت ضغط العزلة الدولية كتبه محمد هاشم محمد الحسن
Author: محمد هاشم محمد الحسن
Date: 09-19-2025, 01:57 AM

01:57 AM September, 18 2025

سودانيز اون لاين
محمد هاشم محمد الحسن-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر





تمثل العقوبات الأمريكية المفروضة على جبريل إبراهيم لحظة فارقة في مساره السياسي، إذ تكشف عن أزمة بنيوية في وعيه القيادي، الذي ظل مشدودًا إلى انتمائه الأيديولوجي أكثر من ارتباطه بمشروع نضالي جامع. فمنذ عودته إلى الخرطوم، لم يُظهر جبريل أي محاولة جادة لتجاوز إرثه الإسلامي، بل انخرط في تحركات تعكس تموضعه داخل شبكة الإسلاميين، بدءًا من زيارته الرمزية لمنزل حسن الترابي، مرورًا بتمسكه بوزارة المالية تحت ذريعة تنفيذ اتفاق جوبا، ودعمه لانقلاب أكتوبر، وانتهاءً بتورطه في ملفات إقليمية ذات حساسية عالية، أبرزها علاقاته مع إيران.

هذا السلوك السياسي لا يمكن فصله عن طبيعة التحالفات المرحلية التي صاغها الإسلاميون، الذين استفادوا من اندفاع جبريل نحو تحقيق مصالحه الذاتية، واستخدموه كورقة مؤقتة ضمن مشروعهم. ومن المرجح أن يجدوا في العقوبات الأمريكية فرصة مثالية لتهميشه سياسيًا دون الدخول معة في مواجهة مباشرة. فبدلًا من التخلي عنه صراحة، قد يسعوا إلى توظيف العقوبات كغطاء دولي لعزله، خاصة في ظل تورطه في ملفات مثيرة للجدل.

هذا التوجه لا يقتصر على الإسلاميين فحسب، بل ينسب أيضًا إلى المؤسسة العسكرية، التي ستعتبر جبريل عبئًا سياسيًا، وستسعى إلى تقليص نفوذه باستخدام أدوات خارجية تمنحها شرعية التخلص منه دون كلفة داخلية. فجبريل، الذي يفترض أن يمثل حركة مطلبية ذات جذور اجتماعية عميقة، بدا عاجزًا عن تبني برنامج يعكس تطلعات القاعدة التي ينتمي إليها،وظل أسيرًا لطموحاته الشخصية، ما أدى إلى تشرذم حركة العدل والمساواة وانشقاقها، وأضعف من قدرتها على المناورة في المشهد السياسي السوداني القادم.

ومع اندلاع الحرب، اتخذ جبريل موقعًا أكثر التصاقًا بالإسلاميين، متجاوزًا موقع الحليف المرحلي للجيش، ليصبح أداة ضمن مشروع أيديولوجي أوسع، وهو ما جعله عرضة للتورط في ملفات إقليمية تخدم مصالح الإسلاميين، لا مصالح الحركة التي يقودها. هذا التورط يعكس غيابًا للوعي الاستراتيجي، ويكشف عن هشاشة في تقدير المواقف، خاصة أن التواصل مع إيران، في ظل السياق الإقليمي والدولي الراهن، يُعد خطًا أحمر بالنسبة للمجتمع الدولي، ويضع جبريل في مواجهة مباشرة مع القوى الفاعلة دوليًا.

عدم دعوة جبريل إبراهيم لحضور ملتقى دافوس، رغم شغله لمنصب وزير المالية، يُعد مؤشرًا بالغ الدلالة على بداية عزلة دولية متصاعدة. فغيابه عن أحد أبرز المحافل الاقتصادية العالمية لا يعكس فقط تراجع مكانته في نظر المجتمع الدولي، بل يُشير إلى أنه لم يعد يُنظر إليه كشريك موثوق في أي مسار اقتصادي أو سياسي.

هذا التغييب المتعمد يعكس موقفًا دوليًا متحفظًا تجاهه، ويؤكد أن العقوبات المفروضة عليه بدأت تُترجم فعليًا إلى عزلة دبلوماسية، قد تتسع لتشمل كل الفعاليات الدولية التي تتطلب قدرًا من الشرعية السياسية أو الأخلاقية، مما يضعه في موقع هش يصعب من خلاله استعادة المبادرة أو إعادة بناء الثقة.

العقوبات الأمريكية، في هذا السياق، لا تُقرأ فقط كإجراء عقابي، بل كأداة لإعادة هندسة السلطة في السودان، بعيدًا عن نفوذ الإسلاميين، وبما يتماشى مع مطلوبات التحول الديمقراطي. وهي أيضًا رسالة واضحة لحركات دارفور بضرورة مراجعة تحالفاتها، والابتعاد عن الأجندات الأيديولوجية التي أثبتت التجربة أنها لا تخدم سوى مصالح ضيقة، وتُفقد الحركات قدرتها على التأثير في المشهد الوطني العام.

كما أن هذه العقوبات تطرح إشكالية عميقة تتعلق بشرعية التمثيل السياسي لحركات دارفور، إذ بات واضحًا أن جبريل لم يعد يُنظر إليه كمعبر حقيقي عن تطلعات الإقليم، بل كممثل لتيار سياسي منفصل عن القاعدة الاجتماعية التي يفترض أن يستند إليها. وهذا يفتح الباب أمام تحولات غير متوقعة في تمثيل دارفور، خاصة في ظل الفراغ القيادي الذي قد ينجم عن انكشاف جبريل سياسيًا، مما يُسرّع من بروز قيادات بديلة داخل الحركة أو خارجها.

ولا يمكن إغفال أن العقوبات قد تُضعف من مصداقية اتفاق جوبا نفسه، إذا ما استُخدمت لإقصاء أحد أبرز الموقعين عليه، مما يعيد النقاش حول مدى قدرة الاتفاق على الصمود أمام التحولات الإقليمية والدولية. كما أن استهداف جبريل بالعقوبات يسلط الضوء على هشاشة التحالفات التي نشأت في أعقاب الاتفاق، ويكشف عن خلل في تمثيل القوى الموقعة، خاصة حين يرتبط أحد رموزها بملفات إقليمية مثيرة للجدل.

هذا يضع اتفاق جوبا أمام اختبار حقيقي، ليس فقط في بنيته السياسية، بل في قدرته على إنتاج قيادات تحظى بقبول داخلي وخارجي، ويُعيد طرح سؤال جوهري حول مستقبل الحركات الموقعة عليه، ومدى قدرتها على الاستمرار في المشهد دون مراجعة جذرية لمساراتها وتحالفاتها.

من جهة أخرى، فإن العقوبات الأمريكية لم تُفرض بمعزل عن السياق العسكري والإنساني، بل جاءت أيضًا نتيجة لتورط جبريل وحركته في الحرب الأهلية، بما في ذلك المشاركة في عمليات عسكرية أدت إلى نزوح واسع وانتهاكات محتملة. كما أن التعاون مع الحرس الثوري الإيراني يضعه في دائرة الاتهام الدولي، ويُصنفه ضمن شبكة إقليمية تُثير قلقًا عالميًا متزايدًا.

وبصفته وزيرًا للمالية، فإن العقوبات تُعطل عمليًا مشاركته في أي مفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، وتُضعف قدرة السودان على التفاوض بشأن الدعم الاقتصادي، ما يضيف بعدًا اقتصاديًا خطيرًا لتداعيات الأزمة.

لكن الأثر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ تمنح هذه العقوبات خصوم جبريل، داخل السلطة وخارجها، مبررًا مقنعًا للضغط عليه في ملفات حساسة، ودفعه نحو تقديم تنازلات سياسية، قد تشمل إزاحته من وزارة المالية نفسها، تحت ذريعة فقدانه للقبول الدولي. وهكذا تتحول العقوبات من مجرد إجراء خارجي إلى أداة داخلية لإعادة توزيع النفوذ، وتصفية المواقع التي باتت تُشكل عبئًا على الدولة في علاقاتها الخارجية.

إن هذه اللحظة السياسية الحرجة تفرض على الفاعلين في دارفور، وعلى القوى السياسية السودانية عمومًا، إعادة التفكير في تحالفاتهم، وفي طبيعة القيادات التي يُفترض أن تتصدر المشهد، بعيدًا عن الأجندات الأيديولوجية، وبما يتماشى مع متطلبات المرحلة، وتطلعات المجتمع الدولي، ومصالح الشعب السوداني في بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.

فالعقوبات الأمريكية على جبريل إبراهيم لا تمثل مجرد إجراء عادي، بل تُعد عقبة حقيقية أمام مشاركته في أي عملية سياسية قادمة، وتضعه في خانة العزلة، نتيجة فقدانه للقبول الإقليمي والدولي، سواء كمسؤول حكومي أو كقائد لحركة العدل والمساواة.

لقد حرقت هذه العقوبات ورقته السياسية، ووضعتْه في موقف لا يُحسد عليه، وستخصم من رصيده السياسي خصمًا كبيرًا قد يُفضي إلى تآكل شرعيته حتى داخل حركته، وهو ما يُسرّع من وتيرة التحولات داخل الإقليم، ويُعيد رسم خارطة التمثيل السياسي في السودان من جديد.