من مقاعد الدراسة إلى مقابر الأمل: وزارة التعليم العالي ترفع الرسوم وتخنق مستقبل ملايين الطلاب كتبه

من مقاعد الدراسة إلى مقابر الأمل: وزارة التعليم العالي ترفع الرسوم وتخنق مستقبل ملايين الطلاب كتبه


09-19-2025, 01:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758243355&rn=0


Post: #1
Title: من مقاعد الدراسة إلى مقابر الأمل: وزارة التعليم العالي ترفع الرسوم وتخنق مستقبل ملايين الطلاب كتبه
Author: أواب عزام البوشي
Date: 09-19-2025, 01:55 AM

01:55 AM September, 18 2025

سودانيز اون لاين
أواب عزام البوشي-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر



من مقاعد الدراسة إلى مقابر الأمل: وزارة التعليم العالي ترفع الرسوم وتخنق مستقبل ملايين الطلاب

📝

في بلد تنهشه الحرب وتنهار فيه الخدمات الأساسية، يتعرض التعليم في السودان لأسوأ مراحله في التاريخ الحديث. تقرير منظمة “أنقذوا الأطفال” كشف الكارثة: أكثر من 13 مليون طفل من أصل 17 مليوناً خارج مقاعد الدراسة، ملايين فقدوا فرصتهم في التعليم وآلاف فقدوا حياتهم بسبب الحرب أو النزوح أو الفقر. بدلاً من أن تتحرك الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اختارت وزارة التربية والتعليم العالي أن ترفع الرسوم الدراسية أضعافًا مضاعفة، وكأنها تعاقب الطلاب وأسرهم على بقائهم في هذا البلد.
هذا العام، صُدم طلاب الجامعات عند إعلان نتائج القبول: رسوم التقديم الخاص في الجامعات السودانية قفزت قفزات هائلة، وصلت في كلية الطب بجامعة الخرطوم إلى ٢٥ مليون جنيه – زيادة أضعاف عن الأعوام السابقة. الرسالة واضحة: التعليم لم يعد حقاً، بل سلعة لا يقدر عليها إلا أبناء البرجوازية والطبقات المترفة. في وقت تقدم فيه كثير من الدول التعليم مجانًا حتى في أوقات الحروب والأزمات، اختارت حكومة السودان أن ترفع الرسوم وتستنزف جيوب المواطنين لتمويل حربها.
لم تعد جامعة الخرطوم اليوم رمزًا للنبوغ والذكاء كما كانت، بل أصبحت كما وصفها أحد الناشطين «جامعة برجوازية لا مكان فيها للفقراء». الرسوم الفلكية التي وصلت في كلية الطب إلى ٢٥ مليون جنيه ليست مجرد أرقام، بل رسالة صريحة تقول: هذه الجامعة ليست لأبناء الطبقات الكادحة، بل لمن ورثوا المال عبر التاريخ. المشهد لا يقتصر على الجامعات، فحتى المدارس المتوسطة والثانوية رفعت رسومها إلى ما بين ٦٠٠ و٧٠٠ ألف للطالب الواحد، ما اضطر كثيرًا من الأسر إلى اعتماد سياسة «التعليم بالتناوب» بين الأبناء، كما كتب أحد أولياء الأمور بمرارة: «لو عندك ثلاثة طلاب في البيت يقرأ واحد وبعده سنة الجاية لحدي ما ربك يفرج». في ظل هذه السياسات القاسية يتخرج الشاب بعد سنوات من الكفاح ليجد نفسه في واقع بلا فرص، يبيع الخضار في أطراف الأسواق أو يحاول الهجرة عبر البحار مخاطراً بحياته، كما وصف آخر: «في النهاية تتخرج وتلقى نفسك تاجر جرجير في أطراف سوق الوحدة أو وجبة دسمة للأسماك». هذه ليست حكايات فردية بل صورة وطنية لمستقبل يُصادر من ملايين السودانيين بسياسات حكومية جائرة ترى في التعليم تجارة وتمويلًا للحرب بدل أن يكون حقًا وفرصة للحياة.
هذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة أسعار الخدمات الأساسية في زمن الحرب. رفعت أسعار الجوازات، والخدمات الصحية، وكل ما يمس حياة المواطن اليومية، في الوقت الذي ترفض فيه أي فرص سلام جادة يمكن أن توقف هذه المأساة. النتيجة: جيل محاصر، مستقبل منهوب، وبلد يفقد أغلى ما يملكه وهو عقول شبابه.
اليوم يجب أن نقول بوضوح: ما تفعله الحكومة ووزارة التعليم العالي ليس مجرد سوء إدارة أو «سياسات تقشفية»، بل جريمة في حق الأجيال القادمة، جريمة تستهدف ما تبقى من أمل في هذا البلد. التعليم ليس سلعة ولا مصدر تمويل للحروب، بل هو حقٌ أصيل وحجر أساس لأي دولة تسعى للحياة. الاستمرار في هذه السياسات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والجهل والهجرة وضياع السودان نفسه.
إلى وزير التعليم العالي نقول: أنتم مسؤولون أمام التاريخ وأمام الشعب عن هذا الخراب، عن تحويل الجامعات إلى مؤسسات طبقية لا مكان فيها إلا للأغنياء، وعن تحويل التعليم من حق إلى سلعة لتمويل حرب خاسرة.
إلى الحكومة نقول: كفى متاجرة بمعاناة الناس. التعليم ليس مصدرًا للجباية، ولا سلاحًا في يد السلطة، بل حقٌ أصيل للشعوب حتى في أصعب الظروف. أنتم تحرمون السودان من مستقبله وتزرعون بذور الهجرة والضياع واليأس.
لن يغفر لكم التاريخ أنكم حاربتم المستقبل بدل أن تحاربوا الجهل والفقر. أوقفوا هذه السياسات الجائرة فورًا، أعيدوا التعليم إلى أصحابه، وخذوا خطوة نحو السلام بدل أن تدفعوا البلاد أكثر نحو الهاوية. هذه ليست مطالب رفاهية، بل صرخة حياة لشعب يختنق ويُقتل مرتين: مرة بالرصاص، ومرة بحرمانه من التعليم.