التشظي القبلي والجغرافي يهدد بتقسيم السودان مرة أخرى كتبه الطيب محمد جادة

التشظي القبلي والجغرافي يهدد بتقسيم السودان مرة أخرى كتبه الطيب محمد جادة


09-18-2025, 01:01 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1758196885&rn=0


Post: #1
Title: التشظي القبلي والجغرافي يهدد بتقسيم السودان مرة أخرى كتبه الطيب محمد جادة
Author: الطيب محمد جاده
Date: 09-18-2025, 01:01 PM

01:01 PM September, 18 2025

سودانيز اون لاين
الطيب محمد جاده-السودان
مكتبتى
رابط مختصر







صحفي مستقل



منذ استقلال السودان في عام 1956 ظلّت معادلة الحكم وبناء الدولة الوطنية مرتبكة، تتأرجح بين مشاريع هوية متنازعة: عربية وإفريقية، مركزية وأطراف، قبيلة ودولة. هذه الثنائية غير المحسومة كانت دائماً أرضية خصبة لتفجر الصراعات، حتى قادت في النهاية إلى انفصال جنوب السودان عام 2011. لكن ما يعيشه السودان اليوم يبدو أكثر تعقيداً، وأشد خطراً من مجرد تجربة انفصال جديدة؛ إنه احتمال تفكك شامل على أسس قبلية وجغرافية، قد يترك البلاد ممزقة إلى عدة كيانات متناحرة.

الحرب المندلعة منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع كشفت عجز المركز عن الإمساك بخيوط البلاد. الخرطوم، التي كانت رمز الدولة وبوابتها السياسية، تحولت إلى ساحة قتال، بينما فرضت سلطات محلية أو قبلية سيطرتها على مناطق واسعة من دارفور وكردفان والشرق. ومع انهيار مؤسسات الدولة، بدأ الناس يبحثون عن الحماية في انتماءاتهم الأولى: القبيلة والجهة. هذا الارتداد إلى ما قبل الدولة الحديثة يشكل الخطر الأكبر على وحدة السودان.

ما يميز الصراع الحالي أنه لم يعد يدور فقط حول السلطة في الخرطوم، بل حول السيطرة على الجغرافيا والموارد. في دارفور، برزت النزعات الانفصالية مجدداً، وفي النيل الأزرق وجبال النوبة تتجدد المطالب بالحكم الذاتي. حتى شرق السودان، الذي ظل لسنوات على هامش النزاعات الكبرى، بدأ يشهد تصاعداً للخطاب الانقسامي. وهكذا يتحول السودان إلى رقعة شطرنج تتقاسمها القوى المحلية والإقليمية، مع غياب أي مشروع وطني جامع.

لا يمكن تجاهل أن ضعف الدولة السودانية يغري قوى إقليمية ودولية بالتدخل لتحقيق مصالحها. بعض هذه القوى يدعم أطرافاً بعينها، بينما يستثمر آخرون في النزاعات القبلية والعرقية لتأمين موارد الذهب والنفط والأراضي الزراعية. هذا التدخل الخارجي يعمّق خطوط الانقسام الداخلية، ويدفع بمشروع التفكيك خطوات إلى الأمام.

التجربة السودانية أثبتت أن الحلول الأمنية أو العسكرية وحدها لا تبني دولة. المطلوب اليوم هو عقد اجتماعي جديد يعترف بتنوع السودان الثقافي والإثني، ويعيد توزيع السلطة والثروة بعدالة، ويضع أسساً حقيقية للاندماج الوطني. من دون ذلك، سيظل السودان عرضة للتشظي، وقد يشهد ولادة دول جديدة على أنقاضه، ما سيحوّل المنطقة بأسرها إلى بؤرة اضطراب مزمن.

إن الخطر الذي يواجه السودان اليوم ليس مجرد حرب بين جيشين، بل انهيار مشروع الدولة الوطنية ذاتها. وإذا لم يُلتقط زمام المبادرة سريعاً نحو تسوية سياسية شاملة، فإن سيناريو الانقسام قد لا يتوقف عند جنوب واحد، بل قد يتكرر في الغرب والشرق والوسط، ليصبح السودان نموذجاً حيّاً لانهيار الدول في إفريقيا.