Post: #1
Title: صحافة الصمت وطغيان الجهالة: عندما يُختطف الهلال أمام أعين الجميع
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-18-2025, 04:48 AM
04:48 AM September, 17 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
أي صحافة رياضية هذه التي تلوذ بالصمت، تتوارى خلف عناوين باهتة، وتغض الطرف عن فسادٍ مستشري، حتى تسلّق على أكتافها صغارٌ إلى قيادة نادٍ عظيم مثل الهلال؟ وكيف ارتضت هذه الأقلام أن تتحول إلى شهود زور، تكتفي بالمديح الرخيص وتغفل عن فضح من حوّلوا مؤسسةً وطنيةً إلى ساحة لتصفية الحسابات وتكديس المنافع؟ إن الهلال، بما يحمله من تاريخ مجيد وحضور شعبي طاغٍ، لا يُدار بعقلية المقاولات الصغيرة ولا بجيوب المنتفعين. لكنه اليوم يُختطف أمام أعيننا، والسكوت عن ذلك ليس حياداً ولا مهنية، بل مشاركة في جريمة موصوفة. الفساد في الرياضة لا يقل خطورة عن الفساد في السياسة، لأنه يسرق الحلم الجماعي ويهدم الروح، قبل أن يمد يده إلى المال العام.
وما يُحزن حقاً أن بعض الصحف الرياضية التي كان يُنتظر منها أن تحرس القيم وأن ترفع راية النقد، تحولت إلى أبواق تزيّن الفشل وتسوّغ العبث. لقد باعت هذه الصحافة ضميرها بثمن بخس، فتواطأت بالصمت، ثم بالتحايل، ثم بالتطبيل. وهكذا تراجعت الكلمة، وانكسرت هيبة الحقيقة، وساد اللغو الرخيص مكان النقد الجاد.
وفي مشهد يعكس العمق الأزمة، يطفو على السطح من يديرون دفة هذا الصرح العملاق بعقلية الجهالة والاستخفاف. فتسمع من يردد بكل بساطة: "قصرنا معاكم في شنو؟"… وكأن الهلال، بتاريخِه الممتد من قلب الحرية والحركة الوطنية، قد صار هبةً عائلية، أو تركةً خاصة، أو غنيمةً يتقاسمها ذوو النفوذ والمال. هكذا انحدر بنا الحال، حتى غدا الشعار العريق "هلال الحركة الوطنية" مجرد صدى أجوف يتردّد على ألسنة من جعلوا النادي مطيّة لتلميع الأسماء وغسل الأموال وتحسين صور التنظيمات وتضخيم الثروات. فكيف لنادٍ وُلِد من رحم الوطنية، وتغذّى على عرق الجماهير ودموعها، أن يُختطف بهذه الخفة ويُختزل في دفتر حساب؟ كلمات مثل هذه لا تُستفز العاطفة فحسب، بل تفضح مأساة العقلية التي أفرزها فسادٌ ممتدّ، فسادٌ جعل من المال معياراً وحيداً للكفاءة، حتى تسلّق على أكتافه السفهاء والسذّج مواقع القيادة. من يطلق هذه العبارات يظن أن الهلال قد "وقع لهم في كرتلة"، بينما الحقيقة أن ما ضاع من الوطن لم يضع إلا يوم فرّطنا في مؤسساتنا الوطنية؛ من النقابات، إلى الأندية، إلى الأحزاب، حتى تركناها نهباً للمتاجرين بالشعارات والمهووسين بالسلطة والمال. إن الأموال التي يتباهى بها هؤلاء، حتى وإن فاضت، لن تبني مجداً ولا إنجازاً؛ لأن الإنجاز لا يولد من أرصدةٍ مشبوهة، ولا من خزائن مثقلة بمالٍ يعلم الناس كيف جُمع. فالهلال لا ينقصه المال بقدر ما ينقصه العقل، والصدق، والقيادة النظيفة التي تحترم قيمته ورمزيته.
الهلال، في نهاية المطاف، ليس رصيفاً للمتكسبين، ولا مطية للمغامرين. الهلال فكرةٌ وطنية، ورمزٌ للجماهير، وذاكرة شعبٍ كان يحلم من خلاله بالوحدة والعزة. ومن يحاول أن يحوّله إلى مسرحٍ لتجار السياسة أو سماسرة المال فإنما يخون الهلال قبل أن يخون الوطن. آن الأوان أن تستعيد صحافة الرياضة دورها كسلطة رابعة، لا كخادمة في بلاط إداريين فاسدين. فإما أن تكون الكلمة سيفاً يقطع دابر العبث، أو تظل الصحافة شاهدة زور تُسهم في دفن ما تبقى من نقاء الرياضة وبهائها. والهلال أكبر من أن يُدار بهذه العقليات المتهالكة، وأكبر من أن يُختزل في أشخاص تافهين استغلوا صمت الصحافة ليعيثوا فساداً. ومن يتهاون في الدفاع عن هذا الكيان إنما يشارك في جريمة ضد تاريخ أجيال، وضد ذاكرة شعب.
|
|