Post: #1
Title: من خراب سوبا إلى خراب الخرطوم: كيف بدّد السودان تاريخه بين الانقلابات والأحزاب المستوردة
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 09-16-2025, 05:43 PM
05:43 PM September, 16 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
د. احمد التيجاني سيداحمد
### المقدمة لا يعيش السودان أزمته الحالية بمعزل عن تاريخه الطويل. فمنذ قرون ظلّ هذا البلد يتأرجح بين مشاريع حكم غريبة عن واقعه، وانقطاعات حضارية متتالية، وتجارب سياسية استوردت شعاراتها من الخارج. وإذا كان السودان اليوم يتصدّر قائمة الدول المتخلفة اجتماعيًا واقتصاديًا، فذلك ليس بسبب ندرة موارده أو عجز إنسانه، بل لأن أنظمته المتعاقبة عجزت عن تحويل تنوّعه وثرواته إلى مشروع وطني جامع.
من خراب سوبا في القرن السادس عشر إلى خراب الخرطوم في حرب ٢٠٢٣، يتكرّر المشهد ذاته: دولة تنهض ثم تُهدم، سلطة تستمد شرعيتها من الدين أو السيف أو الخارج، وشعب يُترك فريسة الفقر والانقسام.
###عرف السودان تواريخ من القوةً و المجد امتدّت من أزمان سحيقةً وفي المقابل، لا بد من التذكير بأن السودان عرف قوة ومجد امتدّت من أزمان سحيقة، حين قامت مملكة كرمة (٢٥٠٠–١٥٠٠ ق.م) كأول حضارة سياسية في وادي النيل الأوسط، وتركَت لنا آثار "الدفوفة" شاهدة على عظمتها. ثم برز الكوشيون النوبيون في نبتة ومروي، حيث أسسوا الأسرة الخامسة والعشرين (٧٤٧–٦٥٦ ق.م)، التي وحّدت وادي النيل، وحكمت مصر كفراعنة سودانيين، وامتد نفوذها حتى فلسطين والقدس. وفي زمن لاحق، قادت الكنداكة أماني ريناس مملكة مروي إلى نصر تاريخي حين هزمت جيوش الإمبراطورية الرومانية بقيادة أغسطس، وحافظت على استقلال بلادها. كما سجّل التاريخ بطولة رماة الحدق النوبيين، الذين صدّوا جيش عبد الله بن أبي السرح في القرن السابع الميلادي، وأرغموه على الصلح في معاهدة "البقط" التي استمرت لقرون طويلة
### خراب سوبا: الانقطاع الأول كانت سوبا، عاصمة مملكة علوة المسيحية، مركزًا حضاريًا متنوعًا يجمع التجارة والزراعة والديناميات الثقافية. لكن سقوطها عام ١٥٠٤ على يد تحالف الفونج والعبدلاب وبعض المجموعات العربية مثّل لحظة انقطاع حضاري. لم يكن تدمير سوبا مجرد هدم لمدينة، بل كان إنهاءً لمشروع حضاري تعددي، وبداية لعصر يقوم على الغلبة العسكرية والشرعية الدينية. هذا الخراب ترك أثرًا طويل المدى: منذ ذلك الحين، لم يعرف السودان دولة مدنية متوازنة، بل ظلّ محكومًا بعصبيات قبلية أو طائفية.
هذه الشواهد تذكّرنا بأن السودان كان يومًا مركز قوة حضارية وسياسية، قبل أن تبدأ مسيرة الخراب والانقطاعات المتكررة التي أضعفته لاحقًا. من خراب سوبا في القرن السادس عشر إلى خراب الخرطوم في حرب ٢٠٢٣، يتكرّر المشهد ذاته: دولة تنهض ثم تُهدم، سلطة تستمد شرعيتها من الدين أو السيف أو الخارج، وشعب يُترك فريسة الفقر والانقسام.
.### سلطنة سنار: الغلبة على حساب الدولة
بقيام سلطنة الفونج والعبدلاب استقر الحكم على قاعدة الولاء والجباية. لم تُبنَ مؤسسات دولة حديثة، بل تحكّم السلاطين عبر القوة والتحالفات الدينية. الدين صار غطاءً للسلطة، لكنه لم يُنتج مشروعًا جامعًا.
وهنا تبلورت ثنائية خطيرة ستظل تلازم السودان: سلطة تقوم على الغلبة، ومجتمع مفكك عاجز عن المشاركة في الحكم.
### التركية المصرية: الدولة المستوردة الأولى حين غزا محمد علي باشا السودان عام ١٨٢١، دخلت البلاد عهد الدولة المستوردة. أقيمت دواوين حديثة وجيش منظم، لكن الغاية لم تكن خدمة السودان بل نهب الذهب والعاج والرقيق لصالح القاهرة وإسطنبول.
رأى السودانيون الدولة أداة استغلال، لا كيانًا يمثلهم. ومع ذلك، وضعت التركية بذور الإدارة المركزية التي سيستخدمها الاستعمار البريطاني لاحقًا.
### المهدية: الدين كأداة قهر ثورة المهدية (١٨٨٥–١٨٩٨) بدأت كحركة تحرر ضد التركية–المصرية. لكنها ما لبثت أن تحولت إلى دولة قهرية. الخليفة عبدالله أعاد إنتاج الاستبداد باسم الدين، واعتمد على الغزو الداخلي والجباية.
وقعت مجاعة مروعة (سنة ستة) أودت بمئات الآلاف. ما بدا مشروع خلاص، انتهى إلى دولة دموية أنهكت السودانيين. ترسّخت قاعدة جديدة: يمكن تبرير الاستبداد تحت لافتة دينية، حتى لو كان الثمن أرواح الناس.
### الاستعمار الإنجليزي–المصري: إعادة البناء على أساس التبعية بعد معركة كرري ١٨٩٨، أسس البريطانيون دولة مركزية حديثة. بنوا خطوط السكة الحديد ومشروع الجزيرة، لكن التنمية انحصرت في الوسط والشمال. اعتمدوا سياسة "المناطق المقفولة" التي منعت التعليم والتجارة في الجنوب وجبال النوبة، ما عمّق الانقسام.
ومع ذلك، خرج من هذه المرحلة جيل متعلم صغير، هو الذي قاد الاستقلال لاحقًا. لكن هذا الجيل لم يتجاوز حدود النخبوية التي صنعها الاستعمار.
### الاستقلال المجهض: ١٩٥٦ نال السودان استقلاله وسط آمال كبيرة. لكن النخبة التي ورثت السلطة ارتبطت بالطائفية (الأنصار والختمية) أكثر من ارتباطها بمشروع وطني. لم تستطع صياغة دستور دائم، ولا إدارة تنمية متوازنة.
الجنوب اشتعل بالتمرد منذ ١٩٥٥، قبل إعلان الاستقلال رسميًا. أول برلمان عجز عن حلّ أزمة الوحدة، فتحوّل الحكم سريعًا إلى انقلاب عبود العسكري ١٩٥٨.
### دورة الانقلابات والأيديولوجيات المستوردة منذ عبود وحتى نميري، عاشت البلاد دورة متكررة: حكم عسكري → ثورة شعبية → ديمقراطية قصيرة → انقلاب جديد.
- عبود (١٩٥٨–١٩٦٤): عسكرنة الدولة وفشل في الجنوب. - ثورة أكتوبر ١٩٦٤: أعادت المدنيين، لكن الطائفية شلّت التجربة. - انقلاب نميري ١٩٦٩: تبنّى تحالفًا شيوعيًا–بعثيًا–ناصريًا، طبق شعارات ماركسية وقومية عربية غريبة عن الواقع السوداني. النتيجة: قمع، صراعات داخلية، انهيار اقتصادي. - مايو الإسلامية (من ١٩٨٣): نميري تحالف مع الإسلاميين، وطبّق "قوانين سبتمبر" التي دمّرت النظام القضائي وأشعلت حرب الجنوب.
### الإنقاذ (١٩٨٩–٢٠١٩): الخراب المنظّم انقلاب البشير والترابي دشّن ثلاثين عامًا من الخراب المنظّم.
- حُوِّل الجيش إلى أداة حزبية، وأُنشئت ميليشيات مثل الدفاع الشعبي والجنجويد. - حُكم الجنوب بآلة "الجهاد"، حتى انفصل في ٢٠١١. - أُبيد مئات الآلاف في دارفور منذ ٢٠٠٣. - عائدات النفط بُدّدت في الفساد والحروب.
الإنقاذ لم تترك مؤسسة دولة إلا ودمّرتها، وأنتجت شبكة فساد وميليشيات أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الكامل.
### ثورة ديسمبر ٢٠١٨: فرصة ضائعة خرج الشباب يطالبون بالحرية والسلام والعدالة. سقط البشير في أبريل ٢٠١٩، لكن النخب المدنية عجزت عن الاتفاق على رؤية واضحة.
احتفظت المؤسسة العسكرية بقيادة البرهان وحميدتي بالسلطة الفعلية طوال حكومةً حمدوك ومفاوضات اتفاق سلام جوبا. الي انً وقع الانقلاب الذي قاده البرهان في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ لتعود البلاد إلى الحكم العسكري .وسرعان ما تنبه قايد الدعم السريع الي خطورة ما خطط له فلول الكيزان فاعلنً خطاءه و وقع علي الاتفاق الإطاري . لكن بالرغم من اكاذيب البرهان اندلعت الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، بعد ان أطلقت مليشيات البراء الرصاصة الاولي ، فدُمّرت الخرطوم وانهارت مؤسسات الدولة.
### من خراب سوبا إلى خراب الخرطوم التاريخ يتكرر. سوبا كانت بداية الانقطاع الحضاري، والخرطوم اليوم تجسّد الانهيار الحديث. ما بينهما قرون من التجارب الفاشلة: طائفية عاجزة، عسكرية قاهرة، أيديولوجيات مستوردة.
دائمًا ما يُفرض على السودان مشروع غريب: إمّا ديني متطرف، أو قومي مستورد، أو شيوعي منسوخ، أو طائفي مرتبط بالخارج. والنتيجة: خراب متجدد.
### الخاتمة: نحو مشروع وطني أصيل لقد أثبت التاريخ أن السودان لا يُبنى إلا بمشروع ينبع من أرضه وتنوعه. لا الإسلاموية ولا البعثية ولا الناصرية ولا الشيوعية ولا الطائفية قدمت حلًا. كلها نسخ صراعات خارجية لم تنتج إلا الخراب والانقسام.
المطلوب اليوم: 1. دولة مدنية ديمقراطية تعترف بالتنوع. . ٢. جيش قومي جديد بعيد عن الأدلجة.
٣. اقتصاد إنتاجي يربط الريف بالمدينة ويكسر التبعية. من خراب سوبا إلى خراب الخرطوم. يسطّر التاريخ على جدار الذاكرة درسًا لا يُمحى: أن السودان لن ينهض إلا يوم ينهض أبناؤه بمشروع وطني خالص، نابع من تربته، لا يستمد شرعيته من استبداد عابر ولا من أيديولوجيات دخيلة، بل من صميم إرادة شعبه وتطلعه إلى حياة كريمة. وهذا ما ارتضاه تحالف التأسيس، إذ جمع في رحابه كل الحالمين بسودان جديد يتسع لألوان طيفه كافة؛ سودان يؤمن بالمواطنة المتساوية، ويرفض التهميش والإقصاء، ويؤسس لمشروع علماني، لا مركزي، سلمي وقوي، يصون وحدة الأرض، ويحفظ لأبنائه شرفهم وكرامتهم.
أيها الأبناء، يا شباب السودان وشاباته، إن هذا المشروع ليس ملكًا لجيل دون آخر، ولا لتيار دون سواه؛ بل هو أمانة في أعناقكم جميعًا. فلتجعلوا من تنوّعكم قوة، ومن جراحكم عزيمة، ولتكتبوا بدماء الشهداء وحلم الغد فجر السودان الحر، الكريم، والعادل.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي مؤسس في تحالف تأسيس ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
Sent from my iPhone
|
|