Post: #1
Title: علي إبراهيم جنى ود شقتت يبدأ من جذوع، ينتهي إلى حفيف كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 09-16-2025, 12:22 PM
12:22 PM September, 16 2025 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى رابط مختصر
ف
علي إبراهيم جنى ود شقتت
يبدأ من جذوع، ينتهي إلى حفيف
طلبت مني جماعة "عمل" أن أقدم لها شهادة عن "أنا والكتاب" في يومهم "مفروش" الذي هو حفاوة بالكتاب وسوق له. يتوافد إليه الناس لعرض ما بيدهم من كتب مستهلكة لشرائها من جديد. وهذه انتباهه غراء للكتاب في وقت ظن الناس به الظنون.
قلت في كلمتي إن الكتاب أوسع من أن نحصره بين دفتين. وبهذا البراح عرضت للجماعة كيف قرأت نص والدي على إبراهيم علي إبراهيم (جنى ود شقتت) رحمه الله. وكنت وصفته قبل أيام في هذا الموضع بأنه مثل السائق في الجليد المنصوح بأن لا يقاوم انزلاق سيارته بفعل ذلك الخام الأبيض الوعر، بل "يسايسها" فينجو إلى بر السلامة.
تعلمت منه أن القراءة موضعية (situational). فأنت لا تخطيء قراءة نص ما طالما عرفنا السياق الذي اكتنف تلك القراءة. فاذكر أنه أخذني لتسجيلي بمدرسة الجنوبية البعيدة بعطبرة. وكنت خلال المشوار الطويل الذي يمر على طاحونة سويرس ونادي الشبيبة ونقطة شرطة العشش بمحازة ميدان المولد أقرا ما أمر عليه من لافتات. ربما كنت أردت الصيت من الوالد برهاناً على أن جهده في تعليمي لم يخب. وقرأت إحدى اللافتات قائلاً "نادي الأشقياء" فقال والدي: "صدقت يا ولدي". وكان صحيح الاسم هو "نادي الأشقاء" وهو حزب الزعيم الأزهري. لم يخطئني. وقبل قراءتي على علاتها وكافأني عليها لأنه أعتقد أن سياسة تلك الجماعة شقية.
لا أعتقد أن والدي قرأ الصينيين عن تعليم المرء الصيد بدلاً من تزويده بسمكة متى طلب. ولكنه كان على مذهبهم في قطع دابر الأمر "لي طويلة". أذكر أنه بلغت وأخي السن التي لا يقاوم صبي إغراء العوم في النيل. وصادف أن كان أبي بعيداً عنا مكلفاً بالترحل بين محطات السكة حديد ليسد مسد النظار الذين "ينزلون" الإجازة. وخشي علينا من إغواء النيل. فلم "يحاضرنا" عن تجنب النيل ولا هدد وأوعد، بل استدعانا إلى حيث كان في محطة الزيداب التي تقع عند حافة النيل. وعلمنا السباحة. واذكر أنه استخدم قرعتين مجوفتين لنقوى على الطفو على الماء. لقد عقلها وتوكل.
ولا أنسى من دروسه لفت نظري بشكل قوي لتوطين عقيدتي الماركسية في حقائق السودان وثقافته ومنابره. قال لي:" يا ولدي ما عندي شك انت ما قايم في مسألتك أعمى واللا لغرض. لكين يا ولدي أمشي أعرضها من منبر الجامع وتشوف ما يراه الناس منها". وهذا طريق بدأته منذ زمن ولم أبلغ منبر الجامع بعد.
ولم يستثمر ارتباكاتي في شيوعيتي لإحراجي واتخاذ قرار صارم مثل أن أقطع علاقتي بالحزب وإلا. جئته يوماً فزعاً أعرض عليه أني تركت دراجتي في غابة صغيرة بين عطبرة والدامر بعد فشل مهمتي ورفاق آخرين لكتابة شعارات مناوئة لنظلم الفريق عبود في نحو 1962 على شارع الظلط بين المدينتين الذي جاء الفريق نفسه لافتتاحه. واضطربنا بعد وسوسة. ولذنا بالفرار مخلفين الدراجات من ورائنا. كان والدي يسمع بانتباه لم تخالج وجهه نعرة أبوية مما نعرف. وطمأنني. وعاد في أخر اليوم ليعرض عليّ وثيقة مبايعة للدراجة إلى أحدهم. LEADERSHIP. ثم طلب مني أن أغيب الأثر عن الأمن أكثر بالسفر إلى البلد. وفعلت. وبرغم ذلك حملني الشيوعي بعض أوراقهم إلى كريمة. وكانوا قد بعثوا بمن جاء بالدراجة. أذكر وقفة عبد الحميد جزيرة، التي اشتهر بها اخيراً، أحد قادة الحزب في المديرية الشمالية، أمام بابنا بعد طرقه متكئاً على الدراجة وعلى شفته بسمة صغيرة هازئة.
كان أبي نصاً عجيباً في رباطة الجأش. كان واسع الحيلة. كان جبلاً يصارع الريح وينحني، ولكن لا تصرعه. وقلت فيه في إهداء كتاب مسرحياتي له:
إلى والدي ناظر المحطة المرحوم الحاج علي أفندي إبراهيم
إلى مزاجه الإستراتيجي
كالشجر
يبدأ من جذور
وينتهي إلى حفيف.
رحمه الله.
|
|