هل تكون الرقمنة والتقنية والتكنولوجيا طريق السودان الأسرع إلى النهوض الاقتصادي؟ كتبه محمد سنهوري ال

هل تكون الرقمنة والتقنية والتكنولوجيا طريق السودان الأسرع إلى النهوض الاقتصادي؟ كتبه محمد سنهوري ال


09-14-2025, 02:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1757814435&rn=0


Post: #1
Title: هل تكون الرقمنة والتقنية والتكنولوجيا طريق السودان الأسرع إلى النهوض الاقتصادي؟ كتبه محمد سنهوري ال
Author: محمد سنهوري الفكي الامين
Date: 09-14-2025, 02:47 AM

02:47 AM September, 13 2025

سودانيز اون لاين
محمد سنهوري الفكي الامين-UAE
مكتبتى
رابط مختصر





[email protected]
UAE

يقف السودان اليوم أمام تحدٍ تاريخي، فالحرب أنهكت بنيته التحتية وأرهقت اقتصاده وأضعفت قدرته على النمو. الطرق التقليدية لإعادة الإعمار، رغم أهميتها، تظل طويلة ومكلفة، بينما الحاجة ملحّة إلى حلول سريعة وذكية واقتصادية تعيد الاقتصاد السوداني للحياة وتنعش قطاعاته المختلفة . في هذا السياق، تبرز الرقمنة اوالرقمية والتقنية كأدوات اقتصادية لا غنى عنها، فهي قادرة على تسريع دورة الإنتاج، وتخفيف كلفة الخدمات، وفتح أسواق جديدة، وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات ، وبناء الثقة بين الدولة والمواطن من جهة وبين الدولة والصناديق المانحة والداعمة للاقتصاد من جهة ، مما يجعلها أقصر الطرق نحو النهوض الاقتصادي .

اثر الحرب علي البنية التحتية التقنية: ضربة موجعة للاقتصاد :

الحرب في السودان لم تدمّر فقط الطرق والجسور والمصانع، بل أصابت في الصميم شرايين الاقتصاد الرقمي. شبكات الاتصالات خرجت عن الخدمة في مناطق واسعة، محطات البث والسنترالات تضررت أو نُهبت، الألياف الضوئية قُطعت، وأبراج الاتصالات تعرضت للتخريب أو التدمير المباشر.

تقديرات غير رسمية تشير إلى أن قطاع الاتصالات فقد أكثر من نصف مشتركيه، وخسرت الشركات مليارات الدولارات نتيجة توقف الخدمة. انقطاع الإنترنت أدى إلى انهيار المعاملات المالية الإلكترونية، ما شلّ عمل البنوك وأوقف عمليات الدفع والتحويل. كما تأثرت التحويلات من المغتربين، وهي مصدر رئيسي للعملات الصعبة، تعثرت بشكل كبير، ما زاد الضغط على الاقتصاد الكلي.

الضرر لم يقف عند هذا الحد، بل انعكس على التعليم الذي حُرم فيه آلاف الطلاب من منصات التعلم عن بعد وتأثرت السيرفرات التي تحوي ملايين البيانات والمعلومات عن الطلاب ونتائجهم ، وعلى الصحة التي تعطلت فيها أنظمة التشخيص الرقمية والتواصل بين المراكز الطبية ، كما تأثرت الشركات والوزارات بضياع ثروتها المعلوماتية ، و حتى الأسواق والتجارة والبنوك وخلافه من القطاعات المختلفة تأثرت بظلال الحرب ، إذ كانت كثير من المعاملات تتم عبر تطبيقات دفع بسيطة لم تعد متاحة بفضل الحرب .

هذه الصورة القاتمة تكشف أن البنية الرقمية لم تعد هامشاً في الاقتصاد، بل صارت جزءاً من بنيته الأساسية. وحين تنهار، ينهار الاقتصاد معها.

التحديات :


· البنية التحتية المدمرة : التحدي الأكبر هو الدمار الواسع الذي لحق بشبكات الاتصالات والكهرباء. إعادة بناء هذه البنية التحتية تتطلب استثمارات ضخمة ومجهودا كبيرا وصادقا .

· الفجوة الرقمية: هناك فجوة كبيرة في الوصول إلى الإنترنت والتقنيات الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الفئات الاجتماعية المختلفة. هذه الفجوة قد تتسع بعد الحرب وتعيق الشمول الرقمي.

· 3. الأمن السيبراني: مع تزايد الاعتماد على الحلول الرقمية، تزداد مخاطر الهجمات السيبرانية واختراق البيانات، مما يتطلب استثماراً كبيراً في أنظمة الأمن السيبراني وبناء القدرات في هذا المجال.
· 4. الإطار القانوني والتنظيمي: يحتاج السودان إلى تطوير إطار قانوني وتنظيمي حديث يدعم التحول الرقمي، ويحمي البيانات، وينظم عمل الشركات التكنولوجية والمالية الرقمية.
· 5. نقص الكفاءات: هناك نقص في الكفاءات المتخصصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يتطلب برامج تدريب وتأهيل مكثفة.
· 6. التمويل: تتطلب عملية التحول الرقمي استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وتطوير التطبيقات، وتدريب الكوادر، وهو ما يمثل تحدياً في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
· 7. المقاومة الثقافية: قد تكون هناك مقاومة للتغيير وتبني التقنيات الجديدة من قبل بعض الأفراد أو المؤسسات، مما يتطلب حملات توعية وتثقيف.


التقنية كقوة لإنعاش الاقتصاد :

وسط هذا الواقع، تظهر الرقمنة كأداة تعويضية قادرة على إعادة الحركة الاقتصادية كما ان المحافظ الرقمية تعيد السيولة للأسواق وتدعم التجارة الداخلية، التعليم الإلكتروني يحمي مكون رأس المال البشري، ويمنع جيل الشباب من الضياع. الصحة الرقمية تقلل تكاليف العلاج وتزيد إنتاجية المجتمع.

التقنية هنا ليست مجرد رفاهية، بل وسيلة لتقليل الخسائر وتسريع التعافي الاقتصادي، حتى قبل اكتمال إعادة الإعمار المادي.

تجارب دولية: التقنية كقاطرة اقتصادية :

التاريخ الحديث يقدم دروساً واضحة: الرقمنة هي أسرع الطرق لإنعاش الاقتصادات بعد الحروب والأزمات.

رواندا: بعد الإبادة الجماعية عام 1994، كان اقتصادها شبه منهار. لكنها اعتمدت على الاستثمار في الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول. اليوم، أكثر من 80% من السكان يستخدمون Mobile Money للتحويلات والمدفوعات، ما ساعد على تنشيط التجارة الداخلية، ودعم المشاريع الصغيرة، وجعل رواندا تُلقب بـ “سنغافورة إفريقيا”.

كينيا: تجربة M-Pesa منذ 2007 أحدثت ثورة مالية، حيث ارتفع الشمول المالي من أقل من 30% إلى أكثر من 80% خلال عقد واحد. هذا التحول انعكس على الاقتصاد عبر زيادة حجم التبادل التجاري الداخلي، وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

غانا: استطاعت أن تربط المحافظ الرقمية بتحويلات المغتربين، وهي مصدر رئيسي للعملة الصعبة. هذا التكامل جعل التحويلات أكثر أماناً، وزاد من مساهمتها في الناتج المحلي.

إثيوبيا: رغم التحديات السياسية، استثمرت في البنية الرقمية وربطتها بالبنية اللوجستية، خصوصاً السكك الحديدية الذكية التي سهلت التجارة مع جيبوتي والدول المجاورة، ما خفض تكاليف النقل ورفع الصادرات.

إستونيا: بلد صغير لكنه أصبح نموذجاً عالمياً. اعتمد على الهوية الرقمية والخدمات الحكومية الإلكترونية بنسبة تكاد تصل إلى 100%. النتيجة: اقتصاد منخفض الكلفة الإدارية، جاذب للاستثمارات، وأكثر شفافية.

الهند: مع إطلاق نظام الهوية الرقمية Aadhaar، تم تسجيل أكثر من مليار مواطن في قاعدة بيانات موحدة. هذا المشروع ساعد على توجيه الدعم الحكومي مباشرة للمستحقين، وقلل من الفساد والهدر بمليارات الدولارات سنوياً.

كوريا الجنوبية: بعد الحرب الكورية، كان البلد من أفقر دول العالم. لكنه استثمر بكثافة في التعليم والبنية الرقمية، فتحول إلى قوة صناعية ورقمية. شركات مثل سامسونغ وهيونداي أصبحت رموزاً لاقتصاد مبني على التقنية.

سنغافورة: بلا موارد طبيعية، لكنها اعتمدت على الرقمنة والذكاء الاصطناعي لتصبح مركزاً مالياً ولوجستياً عالمياً. مثال حي على أن الاقتصاد لا يقوم فقط على الموارد الطبيعية بل على العقول والبنية الرقمية.

الصين: التجارة الإلكترونية غيرت ملامح اقتصادها. منصات مثل Alibaba وJD.com فتحت أسواقاً لملايين المشاريع الصغيرة، وجعلت الصين لاعباً أساسياً في التجارة الرقمية العالمية.

الإمارات: عبر المدن الذكية والخدمات الحكومية الإلكترونية، استطاعت تقليل كلفة الخدمات العامة، وزيادة كفاءة الإدارة، وجذب استثمارات ضخمة.

السعودية: من خلال رؤية 2030، اعتمدت الرقمنة كجزء من خطتها لتنويع الاقتصاد. التجارة الإلكترونية، الحكومة الرقمية، والتعليم الرقمي أصبحت ركائز أساسية.

من هذه النماذج يمكن استخلاص دروس عملية وملموسة:

. التركيز على الهاتف المحمول كأداة للشمول المالي، كما في كينيا ورواندا.
• الاستفادة من تحويلات المغتربين وربطها بالمنظومة الرقمية، كما فعلت غانا.
• التحول إلى حكومة رقمية لخفض التكاليف والفساد، كما في إستونيا.
• الاستثمار في التعليم والمهارات التقنية كشرط لأي نهضة، كما في كوريا الجنوبية.
• التنويع الاقتصادي عبر الرقمنة كما فعلت الإمارات والسعودية.

هذه الدروس تؤكد أن الرقمنة ليست مشروعاً جانبياً، بل قلب أي خطة تعافٍ اقتصادي.

كيف تسرّع التقنية التعافي الاقتصادي في السودان؟

في السودان، الرقمنة يمكن أن تختصر سنوات طويلة من التعافي:

• المالية الرقمية تعيد الثقة بالمعاملات وتنشط الأسواق.
• الحكومة الإلكترونية تخفض كلفة المعاملات وتزيد الإيرادات الضريبية.
• الزراعة الذكية ترفع الإنتاجية وتفتح أسواقاً جديدة.
• التعليم الرقمي يحافظ على رأس المال البشري.
• الصحة الرقمية تزيد الكفاءة وتدعم الإنتاجية الوطنية.

الجامعات السودانية: مصانع العقول وحواضن الاقتصاد الرقمي :
الجامعات تمثل حجر الأساس لأي اقتصاد رقمي ناجح.
• جامعة الخرطوم: بيت الخبرة الوطني الذي يمكن أن يقود الدراسات والسياسات الرقمية.
• جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا: قادرة على تخريج المهندسين والمبرمجين الذين يشكلون العمود الفقري للتحول الرقمي.
• جامعة الجزيرة: بخبرتها الزراعية، قادرة على قيادة مشاريع الزراعة الذكية وربط البحث العلمي بالتطبيق العملي.
• جامعة النيلين وجامعات الأقاليم: يمكن أن تقدم حلولاً في الصحة الرقمية والتعليم الإلكتروني لخدمة المجتمعات المحلية.
• الجامعات الخاصة: مثل العلوم الطبية والتكنولوجيا، يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في ربط الصحة بالتقنية.

إلى جانب ذلك، يمكن للجامعات تأسيس حاضنات أعمال تكنولوجية، وربط الأبحاث بسوق العمل، وإطلاق شركات ناشئة تغذي الاقتصاد.

المراكز البحثية: حلول محلية بأثر اقتصادي :

المراكز البحثية يمكن أن تطور منصات للتسويق الزراعي، أنظمة لإدارة المياه، أو تقنيات لتتبع الثروة الحيوانية. هذه ليست أبحاثاً أكاديمية فقط، بل حلول اقتصادية عملية تقلل التكاليف وتزيد العائدات، كما تجدر الاشاره بثمين دور المركز القومي للبحوث حيث لعب تأريخيا أدوار مهمة في مضمار البحث العلمي وقدم منتوج علمي ممتاز، لذا علي الدولة إعادة تأهيله وإعماره بعد الحرب أعمارا ماليا وبشريا وتقنيا ليطلع بدوره ويقود مثيرة اعمار الوطن .

الوزارات السودانية: تكامل اقتصادي عبر الرقمنة :

لكل وزارة دور مباشر:
• وزارة الاتصالات: بناء البنية الرقمية.
• وزارة المالية: تعميم الشمول المالي.
• وزارة الصحة: نشر الصحة الرقمية.
• وزارة الزراعة: تبني الزراعة الذكية.
• وزارة الثروة الحيوانية: رقمنة الإنتاج الحيواني.
• وزارة المعادن: أنظمة تتبع للحد من التهريب.
• وزارة الطاقة: شبكات ذكية لتقليل كلفة الصناعة.
• وزارة النقل: موانئ ومطارات رقمية لتعزيز التجارة.
• وزارة التجارة: دعم التجارة الإلكترونية.
• وزارة الداخلية: إطلاق الهوية الرقمية الوطنية.
• وزارة العدل: تحديث القوانين لحماية الاستثمار والبيانات.
• وزارة الثقافة والإعلام والسياحة: الترويج الرقمي لمنتجات السودان وسياحته.


التقنية والرقمنة كوسيلة لجذب رؤوس الأموال وخلق بيئة استثمارية جاذبة :


الاستثمار لا يزدهر في بيئة غير مستقرة أو بطيئة ومعقدة، ورأس المال يبحث دائمًا عن الأسواق التي توفر شفافية، سرعة، وأمانًا. هنا يأتي دور التقنية والتكنولوجيا في تحويل السودان إلى وجهة أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب.

أولاً، الحكومة الرقمية : يمكن أن تختصر الإجراءات البيروقراطية، فتتحول عملية تسجيل الشركات، استخراج الرخص، ودفع الضرائب إلى إجراءات رقمية لا تستغرق سوى دقائق بدلاً من أسابيع. هذا وحده يمثل عامل جذب قوي لرؤوس الأموال التي تبحث عن سرعة في بدء النشاط.

ثانياً، الهوية الرقمية ونظم الدفع الإلكتروني: تمنح المستثمرين ثقة أكبر في التعامل مع السوق السوداني، حيث يمكنهم تحويل الأموال، دفع الرسوم، وإجراء العقود عبر منصات آمنة وموثوقة، مما يقلل من مخاطر الفساد أو فقدان الأموال.

ثالثاً، الشفافية الرقمية : تفتح الباب للاستثمار طويل الأمد، إذ يمكن عبر الأنظمة الإلكترونية تتبع حركة الأموال، مراقبة الصادرات والواردات، وضمان عدالة المنافسة. هذه الشفافية تزيد من ثقة الشركات العالمية وصناديق الاستثمار، وتشجعها على ضخ أموالها في السودان.

رابعاً، البنية التحتية الرقمية : مثل شبكات الإنترنت السريعة، مراكز البيانات، وأنظمة الاتصالات الحديثة، تجعل السودان أكثر قدرة على استضافة شركات التكنولوجيا العالمية، ومراكز الخدمات المشتركة، ومكاتب الإقليمية للشركات متعددة الجنسيات.

خامساً، الاستثمار في التكنولوجيا المالية :
(FinTech) يوفر منصة قوية للشركات الناشئة السودانية، ويخلق فرصًا لشراكات مع مستثمرين إقليميين وعالميين. فالسوق السوداني، بما يملكه من قاعدة شبابية واسعة غير مشمولة مالياً، يشكل فرصة ذهبية لرواد الأعمال في هذا المجال.

وأخيراً، الترويج الرقمي للسودان كوجهة استثمارية عبر المنصات العالمية ووسائل الإعلام الرقمية يمكن أن يغير الصورة النمطية عن البلد، ويبرز إمكانياته في الزراعة، المعادن، الطاقة المتجددة، والسياحة وخلافه .

إذا نجح السودان في بناء منظومة رقمية متكاملة، فإنه لن يسرّع فقط تعافيه الاقتصادي، بل سيجعل نفسه وجهة استثمارية إقليمية، تنافس أسواقاً كبرى في إفريقيا والشرق الأوسط والعالم.

خريطة طريق نحو اقتصاد رقمي :

خريطة الطريق تبدأ اولاً بوقف الحرب وثانياً إعادة بناء البنية الرقمية والكهربائية، يليها إصدار قوانين رقمية حديثة، ثم تعميم الشمول المالي الرقمي. الخدمات الحكومية يجب أن تصبح إلكترونية بالكامل، والتعليم والصحة الرقمية أولوية قصوى.
الزراعة الذكية والتجارة الإلكترونية يمكن أن تكونا القاطرتين الرئيسيتين للنمو، بدعم من شراكات دولية وحملات توعية محلية تبني ثقة المجتمع.

تصور لمستقبل السودان عام 2035 إذا تبنّى التقنية والرقمنة اليوم :

إذا بدأ السودان منذ الآن بالاستثمار في الرقمنة و التقنية وتبني التكنلوجيا ، فإن ملامح عام 2035 يمكن أن تكون مختلفة جذريًا عن واقع اليوم.
في الاقتصاد الكلي، سيكون السودان قد نجح في التحول إلى اقتصاد متنوع، لا يعتمد على تصدير المواد الخام فقط، بل يقوم على الزراعة الذكية، والصناعة الرقمية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المالية الرقمية. الناتج المحلي سيرتفع بفضل زيادة الإنتاجية، والقطاع غير الرسمي سيتقلص بعد إدماج ملايين المواطنين في الدورة الاقتصادية عبر الهوية الرقمية والمحافظ الإلكترونية.

في الحياة اليومية، المواطن السوداني سيجد معظم خدماته عبر الهاتف المحمول: من دفع الفواتير والضرائب، إلى تلقي الدعم الحكومي، إلى إجراء المعاملات التجارية. الهوية الرقمية ستجعله قادراً على تسجيل أبنائه في المدارس، أو استخراج شهادة ميلاد أو جواز سفر، دون الحاجة إلى طوابير طويلة أو بيروقراطية.

في التعليم، الطلاب في الجامعات والمدارس سيعتمدون على منصات تعليمية رقمية، تسمح لهم بالتعلم من أساتذة داخل السودان وخارجه. الجامعات السودانية ستتحول إلى مراكز إقليمية للبحث والتطوير، حيث تجذب طلاباً من إفريقيا والعالم العربي للدراسة والبحث، بفضل برامج رقمية متقدمة في الهندسة والبرمجة والعلوم الزراعية والطبية.

في الصحة، ستكون السجلات الطبية الإلكترونية شاملة، والاستشارات الطبية عن بعد متاحة حتى في أبعد القرى. هذا سيقلل من معدلات الوفيات، ويرفع متوسط الأعمار، ويزيد من إنتاجية القوى العاملة.

في الزراعة، سيستخدم المزارعون تطبيقات توفر لهم بيانات الطقس والأسعار والأسواق، وتساعدهم على تحسين إنتاجهم. تقنيات الري الذكي ستقلل الهدر وتزيد الإنتاجية. منتجات السودان الزراعية ستصل مباشرة إلى أسواق الخليج وأوروبا عبر منصات تسويق إلكترونية، ما يضاعف دخل المزارعين.

في الصناعة، ستنشأ مناطق اقتصادية تعتمد على الرقمنة والذكاء الاصطناعي. المصانع ستستخدم أنظمة إدارة ذكية، وتصدر منتجاتها عبر موانئ ذكية مرتبطة بمنصات إلكترونية تقلل الكلفة وتزيد الكفاءة.

في قطاع الثروة الحيوانية والمعادن، ستعتمد الدولة على أنظمة تتبع رقمية، تقلل من التهريب وتزيد من العائدات الحكومية. وستفتح هذه الرقمنة المجال لشركات محلية ودولية للاستثمار بثقة أكبر في هذه القطاعات.

السياحة ستشهد طفرة كبيرة بفضل الترويج الرقمي، حيث يستخدم السياح تطبيقات تفاعلية للتعرف على المواقع الأثرية، وحجز رحلاتهم، ودفع تكاليف إقامتهم بسهولة.

وعلى مستوى المجتمع، سيؤدي التحول الرقمي إلى تقليل الفجوة بين المدن والأقاليم، إذ ستتوفر الخدمات في القرى بنفس الكفاءة التي تتوفر بها في العاصمة. الهوية الرقمية والمحافظ الإلكترونية ستدمج النساء والشباب والمهمشين في الاقتصاد الرسمي، ما يقلل من الفقر ويرفع من العدالة الاجتماعية ويعزز من التنمية المتوازنة بين اجزاء الوطن .

سياسياً، ستساهم الرقمنة في تعزيز الشفافية والحوكمة، لأن كل معاملة ستكون مسجلة ومؤرشفة إلكترونياً، مما يقلل من الفساد ويزيد من ثقة المواطنين في الدولة.

اقتصاد السودان عام 2035 في هذا التصور سيكون اقتصاداً ناشئاً رقمياً، يتمتع بمرونة كبيرة في مواجهة الأزمات، وجاذبية للاستثمارات، وقدرة على خلق ملايين فرص العمل الجديدة.

إن الطريق إلى التعافي الاقتصادي في السودان طويل ومليء بالتحديات، لكن الرقمنة والتقنية تقدمان خارطة طريق واضحة نحو مستقبل أفضل. من خلال الاستثمار في البنية الرقمية، وتطوير التشريعات، وبناء رأس المال البشري عبر الجامعات والمراكز البحثية، وتكامل أدوار الوزارات، يمكن للسودان أن يحول الدمار إلى فرصة للنهوض.

التقنية ليست ترفاً ولا خياراً جانبياً، بل هي قلب الاقتصاد الحديث. وإذا ما تبنى السودان هذا الخيار الاستراتيجي، يمكن أن يختصر سنوات من المعاناة، ويعود إلى موقعه الطبيعي كدولة واعدة في المنطقة، قادرة على بناء اقتصاد رقمي مزدهر وقوي ينعكس علي حياة مواطنيه بالرفاه والاستقرار والنماء .

14/9/2025م