Post: #1
Title: الرباعية تحسم مسار السودان – بيان صارم وعقوبات دولية تعيد تشكيل المشهد كتبه محمد هاشم محمد الحسن
Author: محمد هاشم محمد الحسن
Date: 09-13-2025, 02:33 AM
02:33 AM September, 12 2025 سودانيز اون لاين محمد هاشم محمد الحسن-Sudan مكتبتى رابط مختصر
في لحظة مفصلية من عمر الأزمة السودانية، صدر بيان الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) ليعلن عن تحول نوعي في طريقة التعاطي مع الحرب المستعرة، لا بوصفها نزاعًا داخليًا فحسب، بل كتهديد إقليمي ودولي يستوجب إدارة صارمة لا مجرد وساطة تقليدية. وقد تضمن البيان خمس نقاط أساسية، لم يكن مجرد إعلان نوايا، بل بداية فعلية لإعادة هندسة المشهد السياسي والأمني، وهو ما تجلى بوضوح في العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد ساعات على وزير المالية جبريل إبراهيم وكتيبة البراء بن مالك، في رسالة مزدوجة تفيد بأن من يعرقل يُقصى.
أما النقاط الخمس التي وردت في البيان، فقد جاءت بمثابة إعلان مبادئ جديد، وهي التأكيد على وحدة السودان وسيادته، ورفض الحل العسكري، والدعوة لحماية المدنيين وتسهيل المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى إطلاق عملية انتقالية بقيادة مدنية خلال تسعة أشهر، والعمل كذلك على إيقاف أي دعم عسكري ومالي خارجي. كما شدد البيان على أن مستقبل الحكم في السودان يجب أن يُقرر من قبل الشعب السوداني نفسه، في إشارة واضحة إلى رفض أي وصاية من الجماعات المسلحة أو القوى الإقليمية.
ما حدث لم يكن نتيجة توافق ظرفي بين أطراف الرباعية، بل جاء نتيجة لتراكم تفاهمات غير معلنة وصفقات إقليمية متشابكة دفعت الجميع إلى تجاوز خلافاتهم السابقة التي كانت قد أطاحت باجتماع الرباعية في يوليو الماضي. فالسودان لم يعد مجرد ملف إنساني أو سياسي، بل أصبح عقدة استراتيجية في صراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، من البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي، ومن الخليج إلى شرق المتوسط. وقد أدركت الرباعية أن استمرار الحرب يفتح الباب لتدخلات غير مرغوبة، من إيران وتركيا إلى روسيا والصين، ويهدد مصالحها الحيوية في الموانئ، والطاقة، والأمن الحدودي. ومن هنا، جاء الاتفاق كضرورة وجودية لا كمجرد توافق دبلوماسي.
العقوبات على جبريل إبراهيم، وزير مالية حكومة بورتسودان، وعلى كتيبة البراء بن مالك، الذراع العسكرية المرتبطة بالإسلاميين، كشفت عن نية واضحة في إعادة تعريف (الشرعية) داخل السودان. فجبريل كان قد أجرى تقاربًا لافتًا مع إيران، شمل توقيع اتفاقيات اقتصادية، ما أثار قلقًا أمريكيًا وخليجيًا من احتمال تمدد النفوذ الإيراني في البحر الأحمر. هذا التحرك لا يستهدف الداخل السوداني فقط، بل يوجه رسالة إقليمية أوسع مفادها أن التحالفات الخارجية التي تُغذي الحرب لن تُسمح بها، وأن من يسعى لتوسيع دائرة الصراع سيُواجه إجراءات رادعة.
ومن أبرز ما ورد في بيان الرباعية، ولأول مرة بشكل صريح، رفض هيمنة الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين على مستقبل السودان. فقد أشار البيان إلى أن هذه الجماعات لا يمكن أن تُملِي شكل الحكم القادم، وهو توصيف غير مسبوق في البيانات الدولية، ويعكس تحولًا واضحًا في الموقف تجاه الإسلام السياسي، ليس فقط كطرف عسكري، بل كفكرة سياسية غير مرحب بها في ترتيبات ما بعد الحرب. هذا الرفض يعزز من توجه الرباعية نحو إعادة بناء المشهد السياسي بعيدًا عن القوى التي ارتبطت تاريخيًا بإنتاج الأزمات أو تعطيل الانتقال الديمقراطي، ويضع الإسلاميين في مواجهة عزلة سياسية متزايدة.
وفيما يتعلق بموقف مصر التي كانت تطرح مبادرة موازية برعاية أفريقية، وجدت نفسها أمام معادلة جديدة وهي إما أن تنخرط في التفاهم الرباعي وتضمن دورًا مؤثرًا في ترتيبات ما بعد الحرب، أو أن تُهمّش لصالح قوى أخرى. كما أن الرباعية منحتها مساحة للتأثير مقابل تخليها عن المبادرة الأحادية، وهو ما يعكس توازنًا دقيقًا بين الطموح الإقليمي والواقعية السياسية. والأهم أن القاهرة باتت ترى في الرباعية مظلة أكثر فاعلية من المبادرات الأفريقية التي لم تنجح في فرض أي مسار حاسم، ما دفعها إلى إعادة تموضع استراتيجي يضمن لها البقاء في قلب القرار لا على هامشه.
الرباعية لم تعد تتصرف كوسيط محايد، بل كمدير مباشر للعملية السياسية، تحدد من يشارك ومن يُقصى. فتوقيت العقوبات بعد البيان مباشرة يكشف عن استراتيجية استباقية لتحييد الأطراف المعرقلة قبل بدء العملية فعليًا، باستخدام أدوات الضغط المالي والسياسي بشكل متزامن. وفي تطور موازٍ، قرر مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 12 سبتمبر، وبالإجماع، تجديد العقوبات المفروضة على السودان حتى سبتمبر 2026، بما يشمل تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة، كما مدد ولاية مجموعة الخبراء حتى أكتوبر 2026. وقد جاء هذا القرار برئاسة جمهورية كوريا، ليعكس توافقًا دوليًا غير مسبوق على ضرورة كبح جماح الحرب، ومحاسبة من يساهم في زعزعة الاستقرار، ويؤكد أن المجتمع الدولي بدأ يتحرك بتناغم مع الرباعية لا بمعزل عنها.
السودان لم يعد يُنظر إليه كدولة منكوبة فقط، بل كمنصة اختبار لنموذج تسوية إقليمي جديد قد يُطبق لاحقًا في ليبيا أو اليمن. فالرباعية تختبر قدرتها على فرض تسوية شاملة تُقصي الأطراف غير المنضبطة، وتعيد ترتيب المشهد السياسي وفق أدوات سياسية واقتصادية وأمنية. وفي هذا السياق، جاءت العقوبات الأخيرة كترجمة عملية لهذا النموذج، حيث استهدفت شخصيات ومجموعات يُعتقد أنها تلعب دورًا محوريًا في استمرار الحرب، سواء عبر التمويل أو التحالفات الخارجية. ويبرز من بين هؤلاء جبريل إبراهيم، الذي يُنظر إليه كمفتاح مالي للصراع، خاصة بعد تقاربه مع إيران وتوقيعه اتفاقيات أثارت قلقًا إقليميًا ودوليًا.
البيان وضع البحر الأحمر ضمن أولويات الأمن الإقليمي، مؤكدًا ضرورة تأمينه من التهديدات العابرة للحدود، ما يربط الأزمة السودانية مباشرة بالمصالح الاستراتيجية للدول المطلة عليه. كما أعاد تعريف مفهوم (الانتقال المدني)، مشددًا على أن العملية يجب أن تكون شاملة وشفافة، ولا تخضع لسيطرة أي طرف متحارب، ما يفتح الباب أمام قوى غير مرتبطة بالحرب لتكون جزءًا من المشهد القادم. أيضًا تحديد مدة زمنية واضحة لإنهاء العملية الانتقالية خلال تسعة أشهر يعكس رغبة الرباعية في فرض إيقاع سياسي لا يسمح بالمماطلة، كما حدث في تجارب سابقة.
البيان أشار أيضًا إلى القانون الإنساني الدولي، داعيًا إلى حماية المدنيين والامتناع عن الهجمات العشوائية، ما يُمهّد لاحتمال تحميل قادة الحرب مسؤولية قانونية دولية، ويفتح الباب أمام ملاحقات محتملة في المحاكم الدولية، ويمنح المجتمع الدولي أداة ضغط إضافية تتجاوز العقوبات الاقتصادية.
أما داخليًا، فقد عبرت القوى المدنية الساعية إلى وقف الحرب عن ترحيبها بالبيان، معتبرة أنه يمثل فرصة حقيقية لإعادة المسار السياسي إلى يد الشعب السوداني، بعيدًا عن منطق السلاح. في المقابل، جاءت ردود فعل الإسلاميين سلبية، إذ انتهجوا نفس النهج الذي اتبعوه تجاه جميع المبادرات السابقة، في محاولة لقطع الطريق أمام ما ورد في البيان، عبر التشكيك في نوايا الرباعية واتهامها بالسعي لتفكيك الدولة أو فرض وصاية خارجية.
ما يجري الآن ليس مجرد محاولة لإنهاء الحرب، بل هو بداية لمرحلة جديدة يُعاد فيها ترتيب المشهد السوداني وفق رؤية دولية صارمة لا تقبل الفوضى ولا تسمح بتعدد مراكز القوة خارج إطار الدولة. فالعقوبات ليست نهاية المطاف، بل أداة لفرز سياسي يُحدد من يحق له المشاركة في مستقبل البلاد. وبينما تتجه الأنظار إلى الأشهر الثلاثة القادمة، فإن الرباعية وضعت يدها على مفاتيح الأزمة، والسودان بات رسميًا تحت المجهر الدولي، في انتظار ما إذا كانت الأطراف المحلية ستنخرط في التسوية أم تُواجه مزيدًا من العزلة والعقوبات.
|
|