Post: #1
Title: مؤتمر كوش يبشّر بالقيامة، يدين الامبريالية، ينسي الفاشية ويخشى الثورة! تعليق علي بيان "مؤتمر كوش"
Author: خالد كودي
Date: 09-12-2025, 03:59 PM
03:59 PM September, 12 2025 سودانيز اون لاين خالد كودي-USA مكتبتى رابط مختصر
مؤتمر كوش يبشّر بالقيامة، يدين الامبريالية، ينسي الفاشية ويخشى الثورة! تعليق علي بيان "مؤتمر كوش" الصادر في 5 سبتمبر 2025
12/9/2025 خالد كودي، بوسطن
مقدّمة: من تعثّر الفهم إلى مأزق الخطاب يُعيد بيان الرفاق من "مؤتمر كوش" الصادر في 5 سبتمبر 2025 إنتاج نمط مألوف من السجال السياسي السوداني، قائم على التوجّس من أي محاولة جذرية لتفكيك البنية القديمة وبناء مشروع بديل. البيان لا يُقارب تحالف "تأسيس" باعتباره مجهودًا واقعيًا تاريخيًا يستجيب لشروط السودان لمواجة الحرب وتداعياتها وما بعدها ، بل يعامله كـ"مؤامرة هندستها قوى خارجية" (تحديدًا دولة الإمارات)، بغرض تصفية مليشيا الدعم السريع لاحقًا وتمكين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال! وعليه، يمكن تلخيص مرتكزات بيان كوش في النقاط الآتية: - التشكيك في أصل التحالف: يفترض البيان أن تحالف "تأسيس" صُمّم بواسطة قوى إقليمية لتصفية الدعم السريع وتمكين عبد العزيز الحلو في النهاية، ما يعني ضمنيًا أن الحركة الشعبية أداة في يد "الإمبريالية." - اتهامات غير موثقة: يزعم أن حميدتي يعاني من مرض عضال، وأن الإمارات تخطط لاغتياله، لتصعد الحركة الشعبية لاحقًا بديلة عنه، وهي فرضيات لا يُسندها دليل بل تقوم على "قراءة سياسية كشفية." - تشكيك في أخلاقية التحالف: يعتبر أن مجرد الانخراط في تحالف مع الدعم السريع هو تواطؤ مع جرائم موثقة ضد الإنسانية، وبالتالي تشويه لنضال المهمشين! - نزع الشرعية عن قيادة الحركة: يُقدّم الحلو كمجرد "نائب لحميدتي" ضمن ترتيب هرمي مُفترض، في تعبير ضمني عن نزع استقلالية القرار السياسي والعسكري عن الحركة الشعبية. - غياب المشروع البديل: رغم كثافة النقد، لا يطرح البيان رؤية سياسية بديلة أو وثيقة تؤسس لدولة جديدة، بل يُراكم الشكوك ويعيد إنتاج خطاب التخوين. في مقابل الخطاب المُثقل بالشكوك والظنون، والمبني على مرويات افتراضية لا تستند إلى وثائق أو التزامات معلنة، يُقدّم تحالف "تأسيس" نموذجًا سياسيًا موضوعيا، يستمد مشروعيته من ملايين المؤيدين ومن وثائق واضحة ومبادئ فوق دستورية شارك في صياغتها والتوقيع عليها رفاق الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال من قبل، إلى جانب الكثير من الأطراف الثورية. هذه المبادئ، نفسها تم إعلانها أمام الشعب السوداني في نيروبي، وهي لا تقوم على مجرد النوايا، بل تمثّل تعاقدًا تاريخيًا يُلزم كل مكون وقع عليها بالاحتكام إلى منظومة دستورية عادلة، قائمة على أسس علمانية، ديمقراطية، ولا مركزية. يمضي تحالف "تأسيس" بخطى واعية نحو تفكيك منظومة السلطة القديمة التي جمعت بين احتكار الجيش، واستبداد المركز، وهيمنة الإسلام السياسي. وتحالف تاسيس بذلك لا يقدّم خطابًا نظريًا معلقًا في الهواء، بل يبلور مشروعًا انتقاليًا صريحًا ومكتوبًا لبناء دولة جديدة تتأسس على العدالة التاريخية، سيادة القانون، والمواطنة المتساوية. هذا هو الفرق الجوهري بين من يستثمر في المستقبل بوثائق ومؤسسات، وبين من يعيد إنتاج الحذر على هيئة شتائم سياسية. إن السياسة، كما في تعريف حنّة أرندت، ليست فعلًا لحظيًا بل عملية مستمرة لتشكيل المجال العام وبناء التوافقات. وتحالف "تأسيس" ليس قفزًا فوق المأساة، بل انخراطٌ شجاع في تفكيكها من داخلها. أما بيان "مؤتمر كوش"، فهو كغيره من يمارس النقد من موقع الطهر الأخلاقي، دون أن يُقدّم مشروعًا عمليًا يُواجه الوقائع الصلبة. سنُبيّن في الفقرات التالية، استنادًا إلى الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي 2025، لماذا يمثّل هذا التحالف لحظة تأسيسية لا يمكن التقليل من شأنها بخطاب التهويل والتخوين، ولماذا لا يمكن للموقف الوطني أن يظل في المنطقة الرمادية بين دولة "الفقه السلطاني" في بورتسودان، ومشروع الدولة المدنية الديمقراطية الذي تقوده قوى السودان الجديد.
أولًا: السياسة ليست نبوءة غيبية – بل فعل واقعي تُقاس بمنطقه لا بتخميناته ينطلق بيان مؤتمر كوش من فرضية تآمرية تخمينية لا يمكن التحقق منها، مفادها أن "تحالف تأسيس" مجرد واجهة مؤقتة لإقصاء قوات الدعم السريع لاحقًا، وتمكين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. هذا الطرح لا يستند إلى حقيقة مثبتة ولاوثيقة واحدة، أو واقعة معلنة، أو نص دستوري؛ بل يبدو أقرب إلى أدوات العرافة منه إلى أدوات التحليل السياسي. إنه خطاب يُشبه ضرب الرمل أكثر مما يُشبه القراءة النقدية المعتمدة علي أي نوع من المقاربات او الأدلة او النصوص المرجعية أو لمعطيات ميزان القوى، او أي شيئ غير التخمين، والتخمين وحده! في المقابل، فإن تحالف "تأسيس" قائم على نصوص دستورية ملزمة وميثاق واضح ومعلن، وقد تم توقيعه على أسس تُحاكي المبادئ الدستورية العليا التي تضمن إعادة بناء الدولة السودانية من الجذور، وليس إعادة تدوير مكوناتها. على سبيل المثال: طبيعة الدولة: نصت المادة (٤ السودان دولة علمانیة دیمقراطیة لا مركزیة، ذات ھویة سودانویة، تقوم على): )١/ أ.( فصل الدین عن الدولة. ) ب. ( فصل الھویات الثقافیة والعرقیة والجھویة عن الدولة) ج. ( المواطنة المتساویة كأساس للحقوق والواجبات) - تحقيق العدالة التاريخية: كما جاء في المبادئ فوق الدستورية:
"لا يمكن الحديث عن عدالة دون مساءلة تاريخية كاملة، تعترف بالضحايا، وتعيد الاعتبار، وتُخضع جميع الجناة للمحاسبة". وقد اقر جميع المتحالفين علي هذا! مكافحة الإفلات من العقاب: يقول الدستور الانتقالي بوضوح على:
تلتزم الدولة بتحقيق العدالة الجنائية والاجتماعية، وعدم السماح بالإفلات من العقاب لأي جهة أو فاعل سياسي أو عسكري ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. إذن، لا مجال لافتراض أن هذا المشروع يهدف إلى استبدال طرف فاسد بآخر، أو أن الغرض هو مجرد إعادة التموضع باسم الهامش. بل المشروع، بحسب وثائقه، يسعى إلى تفكيك بنية العنف، لا إلى إعادة إنتاجه، ويطمح إلى بناء جيش قومي جديد، ومؤسسات مدنية، وقضاء مستقل... يسعي الي بناء سودان جديد!... ام من اين يريدنا مؤتمر كوش ان نبدأ؟!! ومَن يشكك في ذلك، لا يحتاج إلى الحدس،أو الأوهام، بل إلى قراءة النصوص ومتابعة ما تم من اجراءات علي محسوبي تأسيس ، وقياداتهم ووثائقها التي وقّعت عليها الأطراف، ومقارنة هذا البناء الدستوري مع ما يقدمه الطرف المقابل – أي حكومة بورتسودان – التي ألغت الفصل بين السلطات، وعدّلت الوثيقة الدستورية لتعيد تمكين الإسلاميين وتحالف الجيش والأمن والفاشية الإسلامية. وهنا تبرز المفارقة: في حين تتحرك القوى التي وقعت على ميثاق تأسيس نحو التغيير الجذري المنصوص عليه في دستور مكتوب ومعلن، ينشغل البعض بنسج سيناريوهات اغتيالات، وشائعات أمراض، ومؤامرات غير مثبّتة، ثم يُطالبنا أن نبني عليها موقفًا سياسيًا... ماهذا، وفي أي قرن نعيش؟! السياسة – كما علمتنا التجارب الثورية في رواندا وجنوب أفريقيا – ليست بناءً على النوايا، ولا على قوالب مسبقة في تصنيف الأعداء، بل هي قدرة على إنتاج مؤسسات جديدة، ضمن توازن قوى يُعاد تشكيله من قلب الصراع، لا من خارجه. ولم يكن نيلسون مانديلا أو بول كاغامي ملائكة، لكنهم انتصروا لأنهم قرأوا الواقع جيدًا، وفككوا أدوات العنف من داخلها، لا عبر القطيعة المجردة، ولقد حان الوقت لسياسيي السودان و قادة رايه ومفكرية ان يستيقظوا! ما يُقدمه بيان كوش، في نهاية المطاف، ليس تحليلًا سياسياً، بل استيهامًا ميتافيزيقياً مغلق، يُحاكم مشروعًا واقعيًا وفق معايير طهورية غيبية لا مكان لها في قلب حرب تاريخية مفتوحة. والأسوأ من ذلك، أنه لا يقدّم بديلاً علميا، موضوعيا سوى التذكير الأخلاقي، والجلوس على رصيف الزمن في انتظار "تحقق النقاء" الذي لم يأتِ منذ الاستقلال.
ثانيًا: الدعم السريع وتحولات الواقع.. لا تقديس ولا شيطنة، ولاهم يحزنون! صحيح أن قوات الدعم السريع ارتكبت فظائع، كما فعل الجيش السوداني ومليشيات الإسلاميين، لكن: - تأسيس ليس تبرئة للدعم السريع، بل محاولة لوضعه في إطار يخضع للمحاسبة المنصفة والانضباط وقد وقعت قيادة الدعم السريع على الدستور الانتقالي وميثاق تأسيس، وفيهما التزامات واضحة منها: - الإقرار والخضوع للعدالة التاريخية، - بناء جيش قومي جديد بعقيدة قتالية جديدة لا تخدم فئة أو عقيدة أو حزب ومن هنا، فإن دخول الدعم السريع في هذه المنظومة ليس تتويجًا له، بل تقييدًا سياسيًا وقانونيًا له. وهذا لا يُعد تواطؤًا، بل محاولة جذرية لمعالجة ظاهرة المليشيات خارج منطق التصفية الجسدية- علينا كسودانيين ان نبدأ من مكان ما!
ثالثًا: الفرق بين مشروع السودان الجديد وحكومة بورتسودان، وهي الخيارات الواقعية والموضوعية والممكنة في هذا الوقت! يحاول بيان كوش أن يصور حكومة "تأسيس" كصنيعة إمبريالية، متجاهلًا التناقض الأساسي: - حكومة بورتسودان تمثل امتدادًا للدولة القديمة، وهيمنة الإسلاميين والجيش، وقد عدلت الوثيقة الدستورية لضمان عودة الشريعة وسيطرة الجيش على مفاصل الحكم (كما حدث في بيانهم في يوليو 2025 - بينما تقوم حكومة "تأسيس" على مشروع سياسي ودستوري مختلف جذريًا، يرتكز على مبادئ معلنة ومكتوبة تمثل انقطاعًا واضحًا مع منطق الدولة السلطوية. فهي تؤكد على علمانية الدولة من خلال الفصل التام بين الدين والدولة ومؤسسات الحكم، وتؤسس لنظام عدالة اجتماعية يعيد توزيع الموارد والثروات على أسس منصفة تأخذ في الاعتبار مظالم التاريخ ومواقع التهميش، كما تتبنى نموذج حكم لا مركزي، يعترف بحقوق المناطق المتأثرة تاريخيًا في تقرير مصيرها، وتحديد شكل مشاركتها في الدولة، ضمن إطار ديمقراطي تعددي. فهل من الإنصاف المساواة بين مشروع يعيد إنتاج الاستبداد وآخر يحاول تأسيس الدولة على أسس جديدة؟!
رابعًا: تحالفات التاريخ لا تُقاس بالميول.. بل بالبرامج والارادة البيان يرفض التحالف مع الدعم السريع لأنه "مليشيا نشأت في حضن الإسلاميين". حسنًا، وماذا عن الجيش السوداني؟ ألم يكن نفسه ذراعًا للإسلاميين طوال 30 عامًا؟ فلماذا لا يُرفض بالمثل؟ - ماركس نفسه قال: "لا نحكم على الناس بما كانوا عليه بل بما يفعلونه الآن" - وتجربة مانديلا مع البيض في جنوب إفريقيا، وتروتسكي مع الاشتراكيين الثوريين، تؤكد أن التحالفات لا تُبنى على الأنساب الثورية" بل على البرنامج المشترك" والإرادة الجادة. وقد وقعت الحركة الشعبية والدعم السريع على: ميثاق تأسيس السودان الجديد القائم على العلمانية، الديمقراطية، اللامركزية، العدالة، المواطنة المتساوية، الحق في تقرير المصير، وبناء جيش جديد. كما وقعت اتفاقات سلام مع الكثير من الحواضن الاجتماعية للجيوش المتحاربة. فإذا قبلت أطراف كانت يومًا أداة للعنف بهذه المبادئ، ألا يكون من واجبنا أن نختبر صدقها داخل مشروع يؤطرها قانونيًا وأخلاقيًا، لا أن نُبقيها خارجه؟ هذا ان لم يكن الرفاق في مؤتمر كوش يؤمنون بنظريات لومبروزو والاجرام من المهد الي اللحد- اي الاجرام بالفطرة!
خامسًا: بين غياب البدائل وعجز الفعل... من يُزايد على من؟ يختم بيان مؤتمر كوش بصيحات عمومية حول "انتصار الشعب"، دون أن يقدّم أي مشروع سياسي فعلي أو خطة بديلة واضحة لما ينتقده. فالبيان - رغم ادعائه الانحياز لقضايا الهامش - لا يطرح: - تصورًا لبنية الدولة الجديدة أو طبيعة الحكم - إدانة صريحة لحكومة بورتسودان، التي يعاد عبرها تدوير المشروع الإسلامي العسكري - أي موقف مبدئي من انقلاب الوثيقة الدستورية، أو من إعادة إنتاج المركز القمعي بالمقابل، يتشبّث البيان بخطاب تحذيري ضبابي حول "الفخ الإمبريالي"، دون أن يوضح كيف يمكن بناء دولة مدنية علمانية عادلة في ظل هيمنة الإسلام السياسي وتحالفه مع المؤسسة العسكرية المركزية، أو كيف يمكن كسر قبضة هذا التحالف بالأماني الأخلاقية وحدها! في المقابل، يطرح تحالف "تأسيس" مشروعًا حقيقيًا – لا شعارًا: - رؤية دستورية مكتوبة، تقوم على مدنية الدولة، وفصل الدين عن السياسة - إعادة هيكلة الجيش، وإنشاء منظومة عدالة انتقالية شاملة - تفكيك جهاز الأمن، وضمان الحريات الجماعية والفردية - الاعتراف بالتعدد اللغوي والثقافي والحق في تقرير المصير - دسترة المساواة بين النساء والرجال، والمواطنة غير المشروطة فأي المشروعين أقرب إلى "السودان الجديد" الذي يدّعي بيان كوش الدفاع عنه؟ وأي المواقف أصدق في انحيازها لضحايا التهميش؟
من المزايدة إلى المساهمة: السياسة ليست منبرًا للنية بل أداة للفعل إن الخطاب الذي يصدر عن الظن وسوء النية كما في بيان كوش، لا ينتج سياسة، بل يعكس انسحابًا من الاشتباك مع الواقع، وتهرّبًا من مسؤولية الفعل. وهو يُعيد إنتاج التصور الطوباوي بأن الثورة عمل نقيّ منزّه عن التعقيد. لكن، وكما أكد أنطونيو غرامشي مايعني: "الثورات لا تُنجز في الفراغ، بل وسط التناقضات، في قلب المجتمع، حيث تصنع الإرادة التاريخية الكتلة النقدية الفاعلة" أي أن التغيير السياسي ليس إعلانًا للنوايا، بل عملية جدلية، تبدأ بتسمية المشكلات، ثم تحليلها، ثم الاشتباك مع الأدوات الممكنة لحلها. وهذا ما يسميه غرامشي بـ"الحرب الموضعية"، التي تحتاج إلى عمل طويل النفس، لا إلى شعارات من خارج الميدان. و كتب كارل بوبر مايعني، فإن "كل تغيير سياسي جاد يبدأ بطرح الأسئلة الصعبة، لا بإعلان المواقف المريحة." وهو ما يغيب تمامًا عن بيان كوش، الذي يكتفي بلعن الواقع دون تقديم أي خطة للخروج منه! والآن... من يُزايد على من؟ البيان يهاجم "تأسيس" بشراسة، لكنه لا يُقدّم بديلًا ملموسًا. وهذا يطرح أسئلة مشروعة: - ما هو سجل "مؤتمر كوش" لوحده في مقاومة المركزية القومية الإسلامية بالضبط وماهي النتائج؟ - ما الوثائق أو الدساتير أو المقترحات التي قدّمها وفرص تحققها؟ - ما القواعد الجماهيرية التي بناها على الأرض أو في المهاجر؟ - متى دخل فعلًا في معادلة الصراع بدل مراقبته من الخارج؟ إن المزايدة على تحالف يشتبك فعليًا – سياسيًا، دستوريًا، وميدانيًا – دون تقديم أي مسار بديل، ليست موقفًا ثوريًا بل كسل سياسي مقنّع بنقاء أخلاقي. ولعل غرامشي نفسه يرد على هذا بقوله: !"أسوأ العقول هي التي تكتفي بالنقد دون أن تخوض معركة البناء"
خلاصة: لا مفرّ من الانحياز لقد ضاق الحياد في السودان حتى صار تواطؤًا. والخيار اليوم ليس بين "التحالف الأمثل" و"العدالة المطلقة"، بل بين: - مشروع حقيقي يسعى لتفكيك البنية السلطوية المركزية وبناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية. - أو الانسحاب السياسي الذي يصب عمليًا في مصلحة المشروع الإسلامي–الفاشي الذي أعاد نفسه من بوابة بورتسودان. فمن لا يملك مشروعًا بديلًا، ومن لم يُنتج مشروع يمكن البناء عليه، عليه أن يُراجع أدواته النقدية قبل أن يُنصّب نفسه وصيًا على "نقاء الثورة." وفي هذا السياق، يبقى تحالف "تأسيس" - برغم التعقيد والتحديات - والمتربصين هو الجهد التأسيسي الوحيد الجاري لبناء سودان جديد فعلي في هذا الوقت، أما انتظار طهارة غير موجودة، أو هجوم منابر بلا برامج، فلن يبني وطنًا.
اخيرا: بين المزايدة العاجزة والانحياز الضروري لم يعد الواقع السوداني يحتمل التردد أو الخطاب الرمادي. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما الانحياز لبناء وطن جديد بعقلية القرن الحادي والعشرين، أو الارتماء في أحضان سلطة تريد أن تحكمنا بمنطق الغلبة وفتاوى القرن السابع عشر. في زمن تتهاوى فيه الجدران الأخلاقية للنظام القائم في بورتسودان، ويستأسد الإسلاميون من جديد على الدولة والمجتمع، يصبح الصمت تواطؤًا، والمزايدة على من يصنع الفعل هروبًا من المسؤولية. مؤتمر كوش – وغيره من الكيانات التي تتخصص في التحذير دون تقديم بديل – لا يقدّم لنا إلا نشيدًا مكررًا عن المؤامرة، دون أن يضع قدمًا في واقع المقاومة، أو يحرّر شبرًا من أرض، أو يكتب حرفًا في دستور بديل ذات معني للجميع. نحن لا نطلب منهم الإيمان الأعمى، بل الاحترام للعقل. لا أحد مُطالَب بأن "يُسلّم" بمواقف أو تحالفات بعينها، لكن الجميع مطالبون بأن يقرأوا الوثائق، يفهموا السياق، ويقيسوا المواقف بما تُنتجه من تحول لا بما تُثيره من شكوك.
تحالف "تأسيس" لا يطلب تصفيقًا، بل مساءلة نزيهة على أساس ما كُتب وما التُزم به: - لا احتكار للسلطة - لا عفو عن المجرمين - لا مركزية استبدادية - لا عودة لدولة الأمن والدين والهوية الإقصائية وهذا المشروع – بكل ما فيه من تناقضات وصعوبات – يظل المحاولة الجادة الوحيدة المطروحة لبناء دولة جديدة. أما خطاب كوش، فهو حتى اللحظة لا يقدم سوى قراءة غيبية عاجزة تحاكم الآخرين على نواياهم، بينما هي تعجز عن صياغة جملة واحدة عن مستقبل الدولة. إنه خطاب يريد من الآخرين أن "يفعلوا بالنيابة عنه"، ثم يلومهم على الطريق الذي اختاروه، لأنه – ببساطة – لا يملك خريطةً ولا بوصلة. فلنكن واضحين:
الحياد اليوم ليس حيادًا... إنه انحيازٌ مقنّع لصالح سلطة الخراب.
ومن لا يملك مشروعًا، عليه أن يتواضع أمام من يصنعونه – لا أن يقفز من الشرفة ليقاطعهم لأنهم لم يُلبوا مقاسه. وسلام على من يملك الشجاعة لا ليُعلّق على التاريخ، بل ليصنعه...
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والاليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
|
|