Post: #1
Title: سجالات يوم الجمعة -الدولة في السودان: بين الرؤية الفكرية والانحياز العرقي
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-12-2025, 11:36 AM
11:36 AM September, 12 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في خضم النقاشات السودانية حول مستقبل الدولة، تتجلى مسألة الهوية والسيادة في قلب الصراع السياسي والاجتماعي. في مساء اليوم، تدعوكم لحوار جميع المهتمين للانضمام إلى حوار حول دور الدولة في تحقيق المواطنة والعدالة، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة والصراعات القبلية. هذه الندوة ليست مجرد منصة سجالية، بل مساحة للتأمل في تجربة السودان الطويلة والمعقدة. الدولة بين المفكرين السودانيين: رؤية فكرية أم انحياز عرقي؟ السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل الدولة في السودان نتيجة رؤية فكرية شاملة أم مجرد أداة لتمكين مجموعة أو قبيلة معينة؟ الكتابات والمواقف الفكرية تظهر أن هناك قراءات متعددة:
الدكتور عبدالله علي إبراهيم، في مقالاته المنشورة على صفحات سودانية متعددة، يقدم نقدًا فلسفيًا للمؤسسات السودانية، مؤكداً أن الدولة تحتاج إلى مشروع فكري يربط بين العدالة والمواطنة والتنوع الثقافي.
الراحل الدكتور منصور خالد شدد على أهمية المواطنة كأساس لبناء الدولة الحديثة، مشددًا على أن الانحياز لأي مجموعة محددة يُضعف الشرعية ويعقد التماسك الوطني.
الإمام الصادق المهدي، عبر خطاباته وكتاباته، حذر من تحويل الدولة إلى أداة للهيمنة القبلية أو الفئوية، مؤكدًا أن التعددية ليست تهديدًا بل فرصة لبناء وطن شامل.
هكذا، يبدو أن رؤية الدولة عند المفكرين السودانيين تتجاوز الانتماءات القبلية، لتصبح مشروعًا فكرًا وسياسيًا شاملًا يهدف إلى تحقيق العدالة والمواطنة لكل المواطنين.
جذور الصراع التاريخية
لفهم تعقيد الدولة السودانية، لا يمكن تجاهل الجذور التاريخية للصراعات. السودان لم يكن وحدة متجانسة؛ ففي الشمال قامت ممالك نوبية مثل كوش ومروي، بينما جنوبه تميز بتنوع ثقافي وزراعي ورعوي. هذه التباينات شكلت قاعدة للخلافات المستمرة حول السلطة والموارد.
الاستعمار التركي-المصري أعمق الهوة عبر استخدام الجنوب كمصدر للعبيد والموارد، بينما أتقن البريطانيون سياسة “فرق تسد”، ففصلوا الجنوب رسميًا وشجعوا التبشير المسيحي فيه، بينما حافظوا على الطابع الإسلامي في الشمال. هذه السياسات تركت إرثًا من التفاوت السياسي والثقافي والاقتصادي.
بعد الاستقلال، سيطرت النخبة الشمالية على السلطة، مما أدى إلى إقصاء الأطراف المهمشة، وتحول الصراع على الهوية والموارد إلى حروب طويلة امتدت لعقود، بما في ذلك النزاع النفطي في الجنوب وصراع دارفور.
الدولة والهويات المتعددة
تظل قضية الهوية محورية في فهم أداء الدولة السودانية. الهوية ليست مجرد انتماء عرقي أو ديني، بل هي فضاء ثقافي وسياسي يتشكل عبر التاريخ، الاقتصاد، والسياسة. فالتعامل مع الهوية كأداة للهيمنة خلق حالة من التوتر المستمر، وأدى إلى استدامة الصراعات الداخلية.
المفكرون السودانيون يؤكدون أن الدولة الحديثة يجب أن تعترف بالتعددية، وأن تكون المواطنة الإطار الجامع الذي يحمي حقوق الجميع، بعيدًا عن أي انحياز قبلي أو طائفي.
دروس من تجربة السودان المعاصرة
الإخفاق في توزيع الموارد بشكل عادل أدى إلى تراكم الإحباط في الأطراف.
الاحتكام للقوة العسكرية على حساب الحوار السياسي أدى إلى تفكك مؤسسات الدولة.
توظيف الهوية كسلاح سياسي أسهم في زيادة الصراع بدلاً من توحيد المجتمع.
هذه الدروس، إذا تمت مراجعتها بعين فكرية، توفر خارطة طريق لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة، والمواطنة، واحترام التعددية.
الدعوة الفكرية: نحو تأمل وبناء
يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للسودانيين اليوم التعلم من تجربة المفكرين الكبار؟ الدعوة ليست للجدل حول من كان على صواب أو خطأ، بل للتأمل في الأسس الفكرية لبناء دولة عادلة وشاملة. إن قراءة تاريخ السودان من منظور هؤلاء المفكرين تمنح فرصة لفهم جذور الأزمة، وإدراك أن الدولة ليست مجرد سلطة أو مؤسسات، بل مشروع فكري مستمر يربط بين العدالة، المواطنة، وإدارة التنوع.
الجيل الجديد مدعو لفتح مساحة فكرية حرة، حيث يصبح النقاش عن الدولة مقامًا للتأمل، للتجريب، ولإعادة صياغة العقد الاجتماعي، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة والانحيازات العرقية. هنا يكمن الأمل في أن تتحول الدولة من مجرد كيان سياسي هش إلى مساحة للمواطنة المتساوية، والعدالة الاقتصادية، واحترام التنوع الثقافي واللغوي.
الدعوة إذن ليست سجالية، بل هي دعوة للتفكير، للتخطيط، وللتعلم من الماضي دون قيوده، لبناء مستقبل سوداني يحق للجميع أن يشعروا فيه بأنهم شركاء حقيقيون في الوطن.
|
|