استقالة عمر صديق... عندما تعجز الدبلوماسية عن مجاراة الواقع السياسي

استقالة عمر صديق... عندما تعجز الدبلوماسية عن مجاراة الواقع السياسي


09-11-2025, 09:46 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1757623571&rn=0


Post: #1
Title: استقالة عمر صديق... عندما تعجز الدبلوماسية عن مجاراة الواقع السياسي
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-11-2025, 09:46 PM

09:46 PM September, 11 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






في خطوة مفاجئة لكنها ليست مستغربة، تقدّم وزير الخارجية السوداني المكلّف عمر صديق باستقالته من منصبه، واضعًا بذلك حدًا لتجربة دبلوماسية قصيرة لم تصمد كثيرًا أمام تعقيدات المشهد السياسي السوداني.

صحيح أن فترة تولّي صديق لمنصبه كانت قصيرة، إلا أن استقالته كشفت عن أزمة أعمق بكثير من مجرد "انسحاب فردي" من موقع تنفيذي. نحن أمام حالة متكررة من العجز المؤسسي في التعامل مع ملفات البلاد الخارجية، وتراكم الصراعات البينية
داخل هياكل الدولة، التي باتت تُدار غالبًا بروح "الشللية السياسية" أكثر من أي شيء آخر.
وزير في مهب الصراعات
من خلال تفاصيل ما نُشر في وسائل الإعلام، يبدو أن عمر صديق لم يكن وزيرًا يمتلك حرية الحركة أو حتى الحد الأدنى من أدوات اتخاذ القرار.
الرجل وجد نفسه وسط تيارات سياسية متصارعة، لا تتفق على رؤية موحدة للسياسة الخارجية، ولا تعطي الدبلوماسية السودانية المساحة اللازمة للتحرك في محيط إقليمي مشتعل.
من الملفت أن رئيس الوزراء نفسه، بحسب التقارير، حاول ثني الوزير عن قراره، ورفض في البداية التوقيع على الاستقالة. هذا وحده كافٍ للإشارة إلى حجم الضغوط التي دفعت صديق للتمسك بخياره، بل وتقديم رسالة مفصلة تبرر قراره الصادم.
الدبلوماسية في الظل
استقالة عمر صديق ليست مجرد انسحاب من منصب رسمي؛ إنها انعكاس لحالة أشبه بـ"غياب الدولة" في ملف العلاقات الخارجية. لا يمكن أن تؤدي وزارة الخارجية دورها الطبيعي في ظل تهميشها، وتضارب القرارات بين المكونات السيادية والتنفيذية
وغياب رؤية واضحة لما تريده الدولة من محيطها العربي والأفريقي والدولي.
كيف يمكن لوزير أن ينجح في إدارة ملف العلاقات الخارجية، إذا كان لا يُستشار في القرارات الكبرى؟ أو إن كانت الملفات الحساسة تُدار من خلف الكواليس دون علمه؟ إن ما يجري هو تكرار مرير لفشل النخبة السياسية في إعادة تعريف الدور الوطني للدبلوماسية.
استقالة بمثابة "جرس إنذار"
في الواقع، يجب أن لا تُقرأ استقالة عمر صديق كحدث معزول، بل كرسالة إنذار صريحة. فالرجل، الذي جاء من خلفية مهنية وخبرة طويلة في المجال، اختار أن يغادر منصبه بعد أن تبيّن له أن الأداء الدبلوماسي "الفاعل"
في السودان أصبح مستحيلاً وسط هذا الجو الملبد بالخلافات والتجاذبات.
وإذا كان وزير الخارجية قد قرر أن ينسحب في وضح النهار، فما الذي يحدث في الكواليس؟ وكم من المسؤولين الآخرين يعملون تحت ضغط، أو في ظروف مشابهة، دون القدرة على التعبير أو اتخاذ موقف مشابه؟
من يدير الخارجية؟
في ظل غياب وزير، وتهميش مؤسسة، وتضارب قرارات، يبقى السؤال الأكبر: من يدير فعليًا ملف السياسة الخارجية السودانية؟ وإذا استمرت الأمور بهذا الشكل، فهل سنشهد قريبًا موجات استقالات أخرى؟ أم أننا سنتأقلم، كما اعتدنا، مع الفراغ والارتباك؟

*إن استقالة عمر صديق هي أكثر من مجرد خبر في شريط العناوين... إنها مرآة لما لا يريد كثيرون أن يروه.