Post: #1
Title: ما لم يقله التعايشي في خطابه الأول، ونتوقعه في خطابه الثاني كتبه خالد كودي
Author: خالد كودي
Date: 09-02-2025, 04:52 AM
04:52 AM September, 01 2025 سودانيز اون لاين خالد كودي-USA مكتبتى رابط مختصر
1/8/2025 ، بوسطن
استمعتُ بعناية إلى الخطاب الأول للأستاذ محمد حسن التعايشي، رئيس الوزراء المعيَّن من قبل تحالف "تأسيس" لقيادة هذه المرحلة التاريخية الدقيقة من مسيرة السودان في نيالا. وعلى الرغم من النبرة الوطنية والتزامه بشعارات عامة تتعلق بالسلام والأمن ومحاربة الفساد، إلا أن الخطاب – بكل صراحة – جاء قاصرًا ومحبطًا، وافتقر إلى الجرأة التي تتطلبها اللحظة، ولم يكن في مستوى الرؤية التأسيسية التي قدّم السودانيون من أجلها التضحيات الجسيمة، منذ عقود.
أول خطاب… بلا إعلان للدولة: في الدول الديمقراطية الثورية، تُعد الخُطب الأولى لرؤساء الحكومات لحظات مفصلية لتأكيد طبيعة الدولة التي يلتزمون بقيادتها. فهي ليست مجرد رسائل طمأنة، بل إعلانات سيادية تتضمن تعهدات صريحة تجاه طبيعة الحكم والمرجعيات الدستورية. ولهذا السبب، فإن غياب الإعلان الصريح والواضح عن هوية الدولة – كدولة علمانية، ديمقراطية، لا مركزية – في خطاب رئيس وزراء تحالف تأسيس، يُعد ثغرة خطيرة، ويفتح الباب للتأويل، والتشويش، بل وربما الارتداد.
كان المنتظر من الأستاذ التعايشي أن يعلن في أولى كلماته إلى الشعب أن الدولة التي سيقود حكومتها، وفقًا لنصوص ميثاق تأسيس والدستور الانتقالي 2025، هي دولة جديدة بالكامل، تقوم على فصل الدين عن الدولة، وعلى الديمقراطية التعددية، واللامركزية السياسية والاقتصادية، باعتبارها المبادئ التي تم التوافق عليها كركائز لا تقبل التفاوض أو الالتفاف. فهذه المبادئ ليست شعارات، بل أسس تأسيسية فوق دستورية، من دونها لا يكتمل مشروع السودان الجديد.
لماذا الإعلان الصريح مهم في أول خطاب؟ يقول الفيلسوف السياسي حنه آرندت: ""السلطة السياسية تُولد حين يجتمع الناس على رؤية، لكنها تموت حين يُخدع الناس بشأنها. وهذا تمامًا ما حصل كثيرًا في تاريخ السودان، حين أخفى الساسة نواياهم، وموّهوا على الجماهير، ثم ارتدّوا على المبادئ بمجرد أن أمسكوا بالسلطة. السودانيون اليوم، وخصوصًا جماهير السودان الجديد، ليسوا جماهير 1964 أو 1985 أو حتى 2019. الذين قد يكون الأستاذ التعايشي علي دراية بهم، جماهير السودان الجديد أكثر وعيًا وعمقًا ومراكمة للتجربة، وهم يعرفون جيدًا أن الثقة لا تُمنح، بل تُكتسب، كما قال نعوم تشومسكي: "الثقة تُبنى على الشفافية والمحاسبة، لا على النوايا المعلنة" لذا، فإن أول خطاب دون إعلان واضح عن طبيعة الدولة، يبدو وكأنه تفادي متعمد للاشتباك مع الأسئلة الجوهرية، وهو ما يولّد الشك لا الطمأنينة.
أين العدالة التاريخية؟ ولماذا الصمت عن ذكرها؟ ثغرة أخرى مقلقة في خطاب التعايشي، كانت غياب أي إشارة إلى "العدالة التاريخية"، وهي إحدى ركائز مشروع السودان الجديد كما نص عليها الدستور الانتقالي 2025 ووثيقة المبادئ فوق الدستورية. العدالة التاريخية ليست مجرد مطلب أخلاقي، بل هي البوصلة التي تُعيد توزيع السلطة والثروة، وتعترف بالمظالم البنيوية التي وقعت على شعوب السودان المهمّشة. أما ربط العدالة التاريخية بالتسامح، فكان يجب أن يكون محورًا في الخطاب، فالتسامح لا يعني التجاوز عن الجرائم، بل الاعتراف بها ومحاكمة مرتكبيها، وفتح أبواب الحقيقة والمصالحة على أسس العدالة لا الإنكار. كما قال ديزموند توتو: ""لا يمكن أن يكون هناك مستقبل دون تسامح، ولا تسامح حقيقي دون عدالة.
ما الذي ينبغي أن يُقال في الخطاب القادم؟ إننا – كجماهير ومواطنين من مشروع السودان الجديد – ننتظر من الأستاذ التعايشي في خطابه القادم أن: ١/ يعلن بوضوح أن الدولة التي يقود حكومتها هي:
دولة علمانية، ديمقراطية، لا مركزية، تقوم على العدالة التاريخية، والمواطنة المتساوية، واحترام حق تقرير المصير.
٢/ يقرّ بتقصير خطابه الأول في التعبير عن جوهر المشروع السياسي التأسيسي الذي كلف لقيادته ٣/ يقدّم خريطة طريق سياسية وقانونية لترسيخ هذه المبادئ في كل التشريعات والإجراءات والمؤسسات، بدءًا من قوانين الأمن والشرطة والنيابة، وصولًا إلى مناهج التعليم والعدالة الانتقالية. ٤/ يؤكد التزامه بالمحاسبة الشعبية وبأن الثقة لا تمنح لأحد بلا قيد، وأنه سيخضع مثل غيره لمساءلة الجماهير ومحاسبتها.
وأخيرا، لا شيء أخطر من التردد: لقد قال توماس جيفرسون يومًا: ""عندما يصبح الشعب واعيًا بحقوقه، لا يعود هناك مكان للمخادعين. ونحن نقولها بوضوح: جماهير السودان الجديد لن تقبل التردد، ولن تغفر المواربة. فإما أن يقف رئيس الوزراء في مقدمة المشروع، أو سيبقى خلفه، حيث يُطارد كل من ظنّ أنه يستطيع أن يُعيد إنتاج الفشل بلغة جديدة. في الخطاب القادم… نتوقع اعلان السودان الجديد، أو انسحاب من لحظة لا ترحم المتردّدين.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
|
|